رغم أن الكثير من اليمنيين علّقوا عليه آمالهم بانفراج أزمتهم الخانقة منذ أعوام، إلا أن وسيط التسوية السياسية في البلاد إسماعيل ولد الشيخ أحمد، لم يتمكن من تحقيق أي اختراق في السلام المنشود (استلم الملف اليمني خلفاً لجمال بن عمر في 25 أبريل من العام قبل الماضي).
بعد مرور عامين منذ تعيين الموريتاني ولد الشيخ مبعوثاً خاصاً لأمين عام الأمم المتحدة لحل الأزمة في اليمن، لم تزداد المعضلة اليمنية إلا تفاقماً ملحوظاً، ما يجعل من مهمة المبعوث الأممي أكثر تعقيداً في فرض سلام مستدام.
مدة قد يراها البعض كفيلة للحد من تصاعد وتيرة الصراع المستمر في البلاد منذ أعوام، تسبب بواحدة من “أكبر الأزمات الإنسانية في العالم”، وأودت بحياة أكثر من 10 آلاف شخص، ونحو 35 ألف مصاب، على حد توصيف الأمم المتحدة.
شغل منسقاً لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في سوريا واليمن, ثم نائباً لمبعوث المنظمة الأممية إلى ليبيا قبل أن يصبح مبعوثاً خاصاً لجهود مكافحة فيروس إيبولا في غرب أفريقيا, لينتهي به المطاف مبعوثاً أممياً في اليمن.
خلال هذه الفترة، استطاع ولد الشيخ لمّ شمل الفرقاء السياسيين إلى طاولة المفاوضات، في ثلاث مدن, بدءا بمحادثات جنيف منتصف يوليو من العام 2015، التي أفضت إلى مشاورات أخرى في مدينة بيل السويسرية نهاية العام نفسه، وانتهاء بمشاورات الكويت التي استمرت نحو ثلاثة أشهر بين 21 أبريل و6 أغسطس للعام الماضي.
خطوات لاقت استحسان الكثير من المراقبين في احتواء أطراف النزاع اليمني إلى الحوار، غير أن جميعها لم تحسم أي اختراق في الأزمة اليمنية المعقدة وإيقاف الحرب التي أفرزت قرابة ثلاثة ملايين نازح داخل اليمن، وما يزيد عن 170 ألف يمني لاجئ خارج البلاد.
مسيرة مفاوضات
منذ مشاورات الكويت، بذل ولد الشيخ جهوداً, وصفها المتفاوضون بالجبارة، وقام بجولات مكوكية في سبيل حل الأزمة، وكان صارماً في كثير من القضايا، ولا يتلفت إلى عملية التشويش، التي تهدف إلى تعطيل عمله ، حد قولهم.
وفي مساعيه الجديدة لإحلال السلام في البلاد، عقد ولد الشيخ عديد لقاءات دبلوماسية مكثفة مع مسؤولين في الحكومة اليمنية ووفد المليشيا الانقلابية، في محاولة منه للحصول على موافقة من طرفي الأزمة، بعقد جولة محادثات سلام جديدة.
والمفاوضات الجديدة التي اشترط ولد الشيخ في أحد المؤتمرات الصحفية، أن تكون قصيرة, وتدوم بين أسبوع وعشرة أيام لتتوج باتفاق سلام نهائي، كانت مبهمة إذ لم يحدد زماناً ومكاناً لانعقادها.
ومنذ ذلك الحين- أي بعد مرور ثمانية أشهر على تصريحاته تلك- لم يتم انعقاد محادثات السلام الرابعة، التي قال المبعوث الأممي أن تعنت أطراف المفاوضات اليمنية حال دون تدشينها.
وهو ما اضطر ولد الشيخ، في جلسة مغلقة لمجلس الأمن الدولي نهاية الشهر الماضي، إلى مطالبة المجلس بممارسة ضغوط على الأطراف اليمنية، واستخدام ثقله الدبلوماسي لدفعها من أجل تقديم تنازلات والتعاطي الإيجابي لحل الأزمة الراهنة.
ميناء الحديدة
وكانت تلك التصريحات هي آخر حراك أدلى به المبعوث الأممي إلى اليوم - فضلاً عن رفضه لأي أعمال عسكرية باتجاه مدينة الحديدة ومينائها الاستراتيجي ، الذي تصعد قوات التحالف العربي والجيش الوطني من أجل تحريره من مليشيا الحوثي وصالح، محذراً من "تداعيات إنسانية كارثية"، لاسيما مع استعداد الولايات المتحدة للمساعدة المباشرة للسيطرة على المنطقة.
وأبدى ولد الشيخ في كلمته بمعهد الشرق الأوسط في واشنطن نهاية الشهر المنصرم، تفهمه شعور التحالف العربي بقيادة السعودية بالقلق من "استمرار واردات الأسلحة عبر الحديدة وفرض الحوثيين ضرائب غير قانونية على الواردات التجارية"، لكنه تدارك أنه لا ينبغي تنفيذ عمليات عسكرية هناك، آخذاً في الاعتبار ضرورة تجنب المزيد من تدهور الوضع الإنساني.
إلى ذلك، دعا نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية اليمني عبدالملك المخلافي، المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ، إلى حل قضية المعتقلين في سجون المليشيا، وعلى رأسهم وزير الدفاع محمود الصبيحي والقيادي في حزب الإصلاح محمد قحطان.
المخلافي وهو رئيس الوفد الحكومي المفاوض في محادثات السلام اليمنية، أبدى انزعاجه من المبعوث الأممي، داعياً في تغريدة على تويتر ولد الشيخ إلى عدم استمرار تجاهل قضية المعتقلين في تقاريره ومساعيه؛ كونها أساس بناء الثقة بين الحكومة الشرعية والمليشيات الانقلابية.
مصير الخارطة
يرى مراقبون أن ولد الشيخ لم يكتفِ بالفشل الذريع الذي واكب مسيرته للأزمة اليمنية، بل تجاوزها بتقديمه خارطة طريق للحل السياسي تم رفضها من جميع الأطراف وصاحبها انتقادات لاذعة.
فمع انسداد أفق جولات المشاورات، لجأ المبعوث الأممي إلى طرح خارطة طريق لحل سياسي، تتبنى حلولاً أمنية تتمثل أولاً في انسحاب المسلحين الحوثيين من المحافظات, التي سيطروا عليها وتسليم السلاح, ثم الانتقال إلى الجانب السياسي بعد 45 يوما.
وتأتي خارطة ولد الشيخ بإزاحة نائب الرئيس هادي بعد قضاء الأيام (45) وتعيين نائب يحظى بقبول الأطراف اليمنية والعمل على انتخابات مبكرة وتشكيل حكومة شراكة وطنية، لكنها كانت تلبي رغبة تحالف الحوثي وصالح، حسب تقدير الحكومة الشرعية، وأثارت غضبها.
ووصل الخلاف بين ولد الشيخ والسلطة الشرعية في اليمن إلى حد أنه عجز عن لقاء الرئيس اليمني/ عبد ربه منصور هادي، وباقي المسؤولين اليمنيين، خلال زيارته للرياض في أوائل نوفمبر الجاري، بعد رفضهم لقاءه، لشعورهم بتبنّيه وجهة النظر الحوثية.
ولم تكن حكومة هادي وحدها من رفضت هذه المبادرة، إذ وصفت المليشيات الانقلابية ولد الشيخ بالمنحاز ، معلنين رفضهم خارطته، غير أنهم اعتبروها أرضية تقبل البناء عليها, حسب المتحدث باسم الجماعة محمد عبد السلام.
ورغم رفض طرفي الصراع، لا يزال المبعوث الأممي يواصل تسويق خارطة الطريق، المبنية على اجتماعات "اللجنة الرباعية الدولية"، المؤلفة من الولايات المتحدة الأمريكية، بريطانيا، السعودية والإمارات، ويواصل جولاته المكوكية في المنطقة من أجل فرضها.
في الوقت ذاته، اعتبر إسماعيل ولد الشيخ أنه يمكن حل الخلاف على طاولة الحوار بشأن مواقف الحكومة الشرعية المعترضة على خارطة الحل، خاصة فيما يتعلق بهيكلة مؤسسة رئاسة الجمهورية ومقترحاته التي عرضها في وقت سابق على الرئيس عبد ربه منصور هادي في عدن وعلى المليشيا الانقلابية بصنعاء.
وأضاف ولد الشيخ في تصريحات لقناة الجزيرة أن الحوثيين ومعسكر صالح لم يتعاملوا حتى الآن مع الجانب الأمني متمثلاً في الانسحاب من المدن وتسليم السلاح، وقال إن هذا أيضاً يضعف أي حل مستقبلي.
يذكر أن الرئيس هادي أكد في القمة العربية التي عقدت في الأردن ضرورة التزام الحوثيين وحلفائهم بالمرجعيات الثلاث، وهي القرار الدولي 2216 والمبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني اليمني، للتوصل إلى تسوية للأزمة اليمنية، غير أن مليشيا الحوثي وصالح ترفض تنفيذ القرار الدولي، ويطالبان بترتيبات أمنية لا تحقق ما يدعو إليه القرار من انسحاب وتسليم للسلاح.
ولد الشيخ وبن عمر
ويعيش المبعوث الأممي الحالي إسماعيل ولد الشيخ الذي جاء خلفاً لـ بن عمر، نفس الأجواء، بعد طرحه لخارطة طريق لحل الأزمة، أتهمتها الحكومة اليمنية بنفس الاتهامات التي وجهتها لاتفاق السلم والشراكة الذي أشرف عليه بن عمر.
فقبل عامين وتحديداً في مطلع أبريل 2015، شعر المبعوث الأممي السابق للأزمة اليمنية جمال بن عمر أنه بات فاقداً لأداة استمراره في مهمته لا سيما بعد أن فقد ثقة الحكومة اليمنية.
ورغم أن بن عمر كان أوفر حظاً من خلفه بدعم المبادرة الخليجية وقرار الأمم المتحدة 2216 وبإشرافه المباشر على إدارة مؤتمر الحوار الوطني المدعوم إقليمياً ودولياً، إلا إن ولد الشيخ كان أكثر تفاؤلاً حول حل الأزمة اليمنية، منذ إدارته للمشاورات الأولى في جنيف وحتى طرحه لخارطته الأممية.
وبينما يرى مراقبون أن عدم رضا طرفي الصراع اليمني عن المبعوث الأممي يشكل عائقاً على طريق السلام المأمول، يتساءل الكثير من المواطنين إلى أي مدى سيكون المبعوث الأممي قادراً على أداء مهمته ؟ ، أم ستكتب الأحداث الأخيرة النهاية لمهمة ولد الشيخ على خطى سلفه بن عمر؟ .
الشارع اليمني
الصحفي محمد عبدالمغني قلل من إمكانية إسماعيل ولد الشيخ تقديم أكثر مما قدمه خلال المرحلة الماضية، قائلاً أنه ربما يصب كل جهوده صوب البحث عن طرق لتسويق خطته للحل السياسي.
وقال عبدالمغني في تصريح خص به "مُسند للأنباء" : "إذا ما تحدثنا عن تقييم بشكل مختصر، لأداء ولد الشيخ على مدى عامين، نستطيع القول إنه من حيث الشكل العام تمكن من تقديم صورة مغايرة لسلفه بن عمر الذي بدا جلياً انحيازه لطرف بعينه، متهماً المبعوث السابق أنه أشبه بممثل للحوثيين طيلة فترة عمله كمبعوث أممي ".
ويرى محمد أن عدم المقدرة على إنهاء النزاع إلى الآن لا يعود لفشل المبعوثين بقدر ما يعود إلى فشل منظمة الأمم المتحدة في تحديد جذر المشكلة حتى الآن ومعرفة من هو الطرف المعرقل للحل.
من جهته، اتهم "جاود العواضي" ولد الشيخ بحرصه على استمرار الحرب، قائلاً أن : " هذا ما يمكن استنتاجه من خلال رؤية الدور السلبي الذي يمارسه ولد الشيخ تجاه الصراع في الوقت الذي كان لا بد عليه أن يؤثر إيجاباً في إيقافه ".
جاود العواضي وهو طالب جامعي يقول لـ"مُسند للأنباء" : " إن الصراع في اليمن يكاد يكون متكافئا، ولذلك لا مجال للحسم إلا سياسياً دبلوماسياً، وهو ما يفترض بالمبعوث الأممي القيام به".
وأضاف العواضي: " للأسف الشديد يتضح لي دور سلبي ومتكاسل وخامل للأمم المتحدة ومبعوثها، وكأنهم راضون بما يقاسيه المدنيون في اليمن من ويلات نتيجة الحرب السياسية والعسكرية بين المتصارعين ".
وحمّل العواضي الأمم المتحدة كامل المسؤولية باعتبارها الحامية والمدافعة عن حقوق الشعوب بما تمثله من منظمات حقوقية ومجلس أمن، مطالبا المنظمة الأممية ومبعوثها إلى ممارسة ضغوط كبيرة على أطراف النزاع لوقف الصراع العسكري وتقديم المساعدات وعودة الخدمات في اليمن.
وأوضح جاود الذي تبدو عليه الحسرة لما آلت إليه البلاد، أنه تأثر كغيره من اليمنيين من تداعيات الحرب الدائرة في اليمن، ومعاناته في دراسته الجامعية وإزاء البطالة وغياب الاحتياجات الأساسية، بالإضافة للضغط النفسي والخوف من المستقبل، وكذلك من الجماعات المتصارعة، حد تعبيره
واختتم الطالب الجامعي بقوله : " إن الشعب اليمني يموت يوماً بعد يوم، إما بسبب الجوع وتوقف المرتبات، أو بسبب القتال الدائر في مختلف أرجاء الوطن، آملا من المجتمع الدولي ومبعوثيها الوقوف في صفوف المواطنين والمدنيين والانحياز لهم ".
من جانبها، وصفت الناشطة "فاطمة الشريف" ، ولد الشيخ بيهودة الأمم المتحدة وليس مبعوثا لها، واصفة إياه بالديكور الذي ضره أكثر من نفعه.
وأضافت الشريف في تصريح لـ"مُسند للأنباء" أن زيارات ولد الشيخ لليمن دائما تكون سريعة وخاطفة ولا يحاول أن يتعمق بالكشف عن الجرائم التي تحدث في البلاد، مشيرة إلى إغفاله للجانب المأساوي الكبير في اليمن.