تجربة الهند في محاربة الفساد..هل يتم الاستفادة منها في عدن؟!
الأمناء/متابعات

هل من الممكن ضرب الفساد الذي توغل في جميع مفاصل  الدولة في ٥٠ يومًا ؟!. وهل من الممكن مضاعفة دخل الدولة من الضرائب ثلاثة أضعاف في شهر واحد؟! وهل من الممكن وضع جميع الأموال المتداولة والملوثة تحت نظر الدولة والضرائب؟! بل هل من الممكن تسهيل جميع التعاملات المالية بين المواطنين ووضعها تحت المجهر في أيام معدودة؟!.. شاهدت بعيني تجربة حقيقية تستحق الدراسة الجادة وسألت كل من عاش التجربة الفريدة ممن قابلت لأعرف ماذا تم فيها لحظة بلحظة منذ دقت ساعة الصفر على اقتلاع الفساد من جذوره.

فساد موازي

لا توجد دولة في العالم كانت توازينا في الفساد الحكومي سوى الهند، بيد أنَّ هنالك كثافة سكانية مرعبة في الهند وهي تكاد توازي الصين.. فقد جرى العرف على رشوة موظفي الحكومة والشرطة وكل مؤسسات الدولة ورجال السياسة  للحصول على أي موافقة أو إتمام أي معاملة. حصل أولئك المرتشون على الآلاف بل الملايين خاصة في المحليات الفاسدة. ترشح رجل الهند القوي "ماريندرا مودي" لرئاسة الوزراء على خلفية مساعدة الطبقات الفقيرة وتطوير البنية التحتية ومحاربة الفساد والقضاء عليه كما فعل في ولايته چودچرات التي كان حاكمًا لها  وحين نجح في الانتخابات العامة منذ عامين اهتم أولًا بالبنية التحتية من الطرق والكباري والمياه الصحية والكهرباء وكذلك تكملة بناء المطارات الفخمة في جميع أنحاء الهند مع محاولة جدية لمحاربة الفقر والبطالة مما يستلزم ميزانية ضخمة غير متوافرة لديه. وانتظر الجميع منه القضاء على الفساد الذي توغل في جميع مفاصل الدولة كما وعدهم ولكنهم لم يدركوا أنه خطط بدهاء وفِي السر للقضاء على الفساد بخبطة واحدة وقاضية ترفع حصيلة الدولة وتحرق كل الأموال الفاسدة وتحكم سيطرة الدولة والقانون للأبد. فلم يدرك الكثيرون اهتمامه بفتح أفرع للبنوك في جميع أنحاء الدولة والتوسع في ماكينات الصرافة واعتبروا ذلك جزءًا من التطوير الذي شمل جميع أنحاء البلاد فهو رجل يهتم بالتقنية الحديثة كالكثيرين من شباب الهند.

 

قبل المفاجأة الكبرى كانت الهند أكثر دول العالم في التعامل النقدي المباشر فحوالي ٩٥٪‏ من التعاملات بين الناس تتم عن طريق الكاش كما هو الحال في مصر وخارج النظام البنكي وبالطبع كانت الرشاوي والعمولات تدفع بهذه الطريقة بعيدا عن أعين الرقابة لتُخزَّن تحت البلاطة.  كما أن حوالي ٨٠٪‏ من العمال والموظفين وخاصة في القطاع الخاص يتقاضون مرتباتهم عن طريق الكاش و ٥٠٪‏ فقط من الشعب البالغ عدده ١،٢٥ بليون شخص يملك حساب بنكي.  وقبل ساعة الصفر بحوالي شهر طالب "مودي" شعبه بتطهير أموالهم من الفساد وذلك بالتقدم للبنوك في خلال ثلاثين يومًا وإيداع المبالغ الموجودة لديهم في الحسابات البنكية وألزم البنوك بعدم السؤال عن مصدر الأموال في مقابل دفع ضرائب للدولة على هذا المال المجهول المصدر بقيمة ٤٠٪‏ من أصل المال. تقدم البعض بملايين الروبيات للبنوك لتطهير أموالهم وتقاعست الأغلبية فالمرتشي والحاصل على المال الحرام بطريقة غير شريفة لا يريد إظهار المال المتراكم لديه في حسابات البنوك المرتبطة بالرقم القومي والذي تُحَصَل الضرائب عَلى أساسه فجميع التعاملات المشبوهة لم يسدد عنها بالتأكيد أي ضريبة.

ساعة الصفر

وجاءت ساعة الصفر حيث أعلنت جميع المحطات الإذاعية والتليفزيونية أن "مودي" يود مخاطبة الشعب لموضوع هام!! لم يعرف أحد ماذا ينوي أن يقول. وفِي تمام الساعة  الثامنة من مساء يوم ٨ نوفمبر الماضي وبعد إغلاق معظم المحلات كانت ساعة الصفر حيث ظهر "مودي" ليعلن فجأة وقف التعامل نهائيًّا بأكبر عمليتين في الدولة الخمسمائة والألف روبية وهو ما يشكل ٧٥٪‏ من إجمالي العملة النقدية المتداولة بين الناس وذلك في تمام الساعة الثانية عشرة ليلًا أي بعد أربعة ساعات فقط! وطالب شعب الهند باستبدال العملة الموجودة لديهم عن طريق البنوك من خلال حساب بنكي لا يسحب منه إلا عن طريق ماكينة الصرافة وأعطى مهلة ٥٠ يوماً فقط لإتمام التحويل لتصبح بعدها العملة القديمة مجرد ورق.  كان للمفاجأة وقع الصاعقة على الجميع فهرع بعضهم لمحلات الذهب لشراء الذهب فهو الملاذ الآمن في الهند وعادة مايُشترى بدون فاتورة لتهرب هذه المحلات من دفع ضريبة المبيعات ولكن هذه المرة كان موظفو الضرائب منتشرين في محلات الذهب وخاصة الضخمة لمراقبة إصدار الفواتير الرسمية وسداد حصيلة الضريبة للدولة عن الذهب المباع وهي حوالي ١٢،٥٪‏.  في الصباح حدث مرج كبير فليس مع الجميع الكم الكافي من العملات الصغيرة لشراء احتياجاتهم اليومية ولكن الكثيرون تغلبوا على هذه المشكلة باستخدام كروت الائتمان أو عن طريق تداول المبالغ الصغيرة من المال عن طريق التليفون وهى تقنية متاحه بكثرة في الهند وإن كانت الغالبية لا تستخدمها كما استثنى مودي إمكان استخدام العملة الملغية لشراء تذاكر الطيران حتى لا تتوقف حركة الانتقال بين المدن الكبيرة وشراء البنزين والسولار ودفع فواتير المستشفيات الحكومية في حالات الطوارئ. حدد "مودي" السحب اليومي من ماكينات الصرافة من العملة الجديدة من فئة الخمسمائة والألفين روبية بما لا يزيد عن ٢٠٠٠ روبية يوميًا لفترة ٣٠ يومًا قبل أن يرفع الحد الأعلى وبعدها تستطيع أن تسحب ما تريد ، كما حدد كمية السحب من البنوك بقيمة ٢٤٠٠٠ روبية. في الصباح ذهب الجميع للبنوك لوضع أموالهم في حسابات بنكية وأخذ بطاقات ائتمان أو بطاقات بنكية debit cards ليفتح بذلك حسابات بنكية لشعب الهند بأكمله وأن تدور الأموال فقط عن طريق البنوك وتحت نظر الدولة والضرائب وبرقمهم القومي. ولكن كيف قضى ذلك على الفساد؟!. قال "مودي"  إن البنوك ترحب بجميع المبالغ المالية الكبيرة ، ولكن حيث أن فترة السماح لتطهير الأموال قد انتهت يجب على واضع هذه المبالغ الكبيرة  إظهار مصدر الأموال ونوعية عمله وراتبه وإن كان قد سدد ضرائبها أم لا مع مأمور الضرائب بالبنك. بالطبع خاف معظم المرتشين وغاسلي الأموال من التقدم للبنوك حتى لا تفضح مصادر أموالهم واكتفوا بحفظها كأوراق بلا قيمة في منازلهم شاهدةً على فسادهم. راقبت دول العالم المتشبعة بالفساد وغسيل الأموال تجربة "مودي" الغريبة لتقييم عيوبها ومزاياها. وراهنت المعارضة مدعومة برجال الأعمال الفاسدين وموظفي الحكومة المرتشين على ثورة الناس ضد الحكومة خاصة في المرحلة الأولى للتطبيق لندرة النقود ، ولكن هذا لم يحدث وتمت العملية بسلاسة وارتفعت شعبية "مودي" إلى السماء.

ماذا حققت التجربة للهند؟!

١- زيادة حصيلة الدولة من الضرائب بنسبة ٢٨٦٪‏ أي ثلاثة أضعاف في شهر واحد!! .

٢- وضع أموال الشعب بالكامل تحت أعين الدولة والضرائب فالرقم القومي مرتبط بالحساب البنكي وبالضرائب.

٣- التحول إلى ماكينة التعاملات النقدية في جميع أنحاء الدولة. فسداد جميع المرتبات حتى في القطاع الخاص سيتم الآن عن طريق البنوك فمن المستحيل على صاحب العمل سحب مجموع مرتبات موظفيه من ماكينة الصرافة ولكنه يستطيع التحويل السريع من حسابه لحساباتهم عن طريق الرقم القومي تحت أعين الضرائب.

٤- عقاب معظم المرتشين بحرق أموالهم معدومة المصدر والقضاء على غسيل الأموال.

٥- القضاء النهائي على العملة المزورة فالعملة الجديدة بحجم وشكل مختلف تمامًا وبقيمة مختلفة ألفين روبية مكان الألف روبية.

٦- الحساب الجيد والدقيق للضرائب.

بالطبع قام الكثيرون بمحاولة التحايل ومحاولة رشوة رجال البنوك أو تهديدهم ولكن كان يكفي تسجيل محاولة الرشوة بالتليفون المحمول لتقديم بلاغ للقبض على المتحايل. كما انتشرت الشرطة السرية في البنوك لمراقبة العملية النقدية. انتهت فترة الخمسين يومًا في ٣٠ ديسمبر الماضي على هند جديد بقليل من الفساد وفِي انتظار مفاجأة أخرى من رجل لم يمضِ عليه في الحكم سوى عامين فقط ولكن بتصميم فولاذي على القضاء نهائيًّا على الفساد. وعد "مودي" شعبه باستخدام الحصيلة النقدية الهائلة في دعم مشاريع البنية التحتية في المناطق الفقيرة والمهمشة وإيجاد فرص عمل للشباب وإذابة الفوارق بين الطبقات وتحقيق العدالة الاجتماعية.

تذكرة الطائرة للهند لن تكلف المسؤولين في بلداننا  الكثير لدراسة هذه التجربة الفريدة إن كانوا جادين حقًّا في محاربة الفساد بأكثر من الكلمات الرنانة..!

متعلقات
سجون الحوثي.. جرائم وانتهاكات على مرأى ومسمع من العالم
مؤسسة الصحافة الإنسانية ترصد وفاة 60 حالة وإصابة أكثر من 7 آلاف شخص خلال شهر فقط
التسرب المدرسي معضلة تهدد مستقبل الطالبات في ردفان
تقرير: "دثينة وقبائلها".. لا حياد في الحرب على الإرهاب
الأمم المتحدة تتهم جماعة الحوثي الانقلابية بعرقلة العمليات الإنسانية للشعب اليمني