في يوم 27 أبريل عام 1994م وقف الرئيس اليمني السابق "علي عبدالله صالح" في ميدان السبعين بصنعاء ليعلن في خطاب له الحرب على الجنوب، وبخطابه المشؤوم ذلك قطع الطريق أمام كافة الجهود والمساعي العربية والدولية التي حاولت احتواء الأزمة السياسية التي نشبت بين الطرفين (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية والجمهورية العربية اليمنية)، ليضرب بتلك الجهود عرض الحائط دونما اعتبار للأعراف الدبلوماسية أو احترام المواثيق والمعاهدات الدولية المصادق عليها، وجاء إعلان تلك الحرب لتكشف المخطط المعد سلفاً والذي يستهدف الجنوب منذ ما قبل إعلان وحدة 22 مايو 1990م التي كانت كإحدى خيارات (الشمال) في احتلال الجنوب، يقابل نوايا الشمال تلك عفوية الطرف الجنوبي الذي ذهب إلى الوحدة بصورة عفوية ونوايا صادقة أظهرت فيما بعد مدى فشل العقلية القيادية الجنوبية التي تعاملت مع الأمر بعاطفية شديدة أكثر من التعاطي بالعقل والمنطق ودونما إلمام أو تصور بشكل المستقبل على الإطلاق، هذا التعاطي الجنوبي الساذج لم يقتصر على قادة الجنوب فحسب بل على كافة النخب السياسية والثقافية الجنوبية ومعهم عامة الناس من الشعب، حيث اندفع الجميع بكل حماسة نحو مزعوم (المشروع الوحدوي) دونما أدنى تفكير عن النتيجة المتوقعة لذلك التعاطي الساذج، حتى وإن وجد هناك العدد اليسير من الجنوبيين الذين كانت لهم وجهة نظر مخالفة حول الدخول في ذلك المشروع إلا أنهم التزموا الصمت وقبلوا بالأمر الواقع خوفاً من ردة فعل الجميع تجاه معارضتهم لمزعوم الوحدة، باعتبار أن أياً كان حينها سيظهر معارضته أو رؤيته المخالفة سيُصبِح وبكل تأكيد غير وطني بل وخائن للوطن وللأمة..
لم يمضِ على يوم إعلان الوحدة سوى وقت قصير حتى برزت إلى السطح جملة من المخاوف التي وقفت بوضوح أمام الجنوبيين، وباشرت صنعاء مخططاتها بفتح نشاط العمليات الإرهابية التي استهدفت الشخصيات الجنوبية في السلطة، ففي 26 أبريل 1992 تعرض "عبد الواسع سلام" وزير العدل لمحاولة اغتيال، وفي نفس الشهر انفجرت قنبلة في منزل "سالم صالح محمد" عضو مجلس الرئاسة، وفي 14 يونيو 1992 جرى اغتيال "هاشم العطاس" شقيق رئيس الوزراء حيدر أبو بكر العطاس، وفي 21 يونيو 1992 اغتيل مستشار وزير الدفاع ماجد مرشد، وفي 20 أغسطس 1992 تعرض منزل الدكتور ياسين سعيد نعمان لهجوم صاروخي، وفي 10 سبتمبر 1992 تم إلقاء قنبلة في منزل الدكتور ياسين أودت بحياة اثنين من مرافقيه، وفي 29 أكتوبر اثنان من أولاد علي سالم البيض نجيا من محاولة اغتيال أدت إلى مصرع ابن شقيقته في تلك العملية، وفي 15 نوفمبر 1993 تعرض منزل نجل البيض لإطلاق نار من ثكنة عسكرية، وفي 17 ديسمبر 1993 منعت الشرطة العسكرية سيارة رئيس حكومة الوحدة حيدر أبو بكر العطاس ومرافقيه من دخول صنعاء ولم يسمح لهم بالدخول إلاّ بعد توسط الشخصية القبلية الشمالية مجاهد أبو شوارب.
وعلى الرغم من محاولة الجنوبيين اللجوء إلى الحوار السلمي لإيجاد مخرج للأزمة إلا أن ذلك لم يشفع لهم، حيث التقى طرفا النزاع على أكثر من طاولة مفاوضات عربية ودولية أهمها لقاء (عمَّان) الذي جرى فيه التوقيع على وثيقة العهد والاتفاق بين الطرفين ليتنصل الرئيس اليمني عنها بعد مضي أيام قليلة على توقيعها، فأعلن الحرب على الجنوب ليتضح جلياً حينها أن صنعاء كانت قد أعدت العدة لشن تلك الحرب منذ وقت مبكر لا يرتبط أو يتزامن إعدادها ذلك بالأزمة بين الطرفين، وهنا يتأكد للجميع حقيقة السبب الرئيسي الذي جعل من صنعاء غير آبهة بدمج جيشي الدولتين خلال السنوات الثلاث التي تلت العام 1990م، إذ اكتفت بإهمال الجيش وعملت من خلال أياديها على كشف مدى جاهزية جيش الجنوب والعمل على خلخلته وإخراجه عن الجاهزية وتشتيته، في نفس الوقت دأبت على استكمال إعداد الوحدات العسكرية التابعة لها وإيجاد خارطة توزيع لوحداتها في المناطق الحساسة في الجنوب، كما أعدت خططاً عسكرية بمساعدة خبراء عراقيين حول طريقة شن الحرب لاحتلال الجنوب، وفي نفس يوم إعلان الحرب 27 أبريل شرعت صنعاء تنفيذ أولى خطواتها من خلال ضرب المعسكرات الجنوبية المرابطة في أراضي الشمال .
حيث باشر اللواء الأول مدرع التابع للفرقة الأولى بقيادة علي محسن الأحمر بمحاصرة لواء المدرعات الجنوبي المتمركز بمحافظة عمران في الشمال وتفجير الحرب هناك حتى تم تدمير ذلك المعسكر، وكان هذا عقب خطاب الرئيس اليمني يوم 27 أبريل 1994م بساعتين فقط، وفي نفس الوقت بدأ التوتر بذمار حيث قامت القوات التابعة للعربية اليمنية بإرسال تعزيزات حول جبال آنس بذمار وتطويق لواء باصهيب الجنوبي المتمركز هناك، وقامت بتفجير الحرب عندما أصبح قوام القوات الشمالية يفوق عدد وعدة لواء باصهيب، كما قامت الوحدات العسكرية التابعة للعربية اليمنية مدعومة بمليشيات القبائل والمتطرفين الإسلاميين بشد الخناق على اللواء الرابع مدفعية الجنوبي الموجود هناك وتدميره، كما تم محاصرة بقية الوحدات العسكرية الجنوبية الأخرى كاللواء الخامس مضلات في خولان بصنعاء اليمنية ، واللواء الموجود في جبل الصمع في صنعاء أيضاً، في حين بادر اللواء الثاني مدرع وقوات العمالقة التابعة للعربية اليمنية والمتمركزة في الجنوب بمهاجمة مواقع القوات الجنوبية القريبة منها، وهذا ما يؤكد النية المسبقة للعربية اليمنية التي خططت للحرب ضد الجنوب وكانت الخطة تهدف إلى السيطرة على الطرق الرئيسية التي تربط بين المحافظات والمناطق الجنوبية، إذ عملت تلك الوحدات العسكرية الشمالية على تطويق العاصمة عدن لقطع الإمدادات وعرقلة تقدم الجيش من قبل اللواء الثاني مدرع بمنطقة العند على المدخل الغربي للعاصمة عدن، أما لواء العمالقة الذي بلغ قوامه أكثر من ستة عشر كتيبة في أبين فقد قام بقطع المدخل الشرقي للعاصمة عدن وعزلها عن حضرموت وشبوة المهرة.
الجهاد ضد الجنوب
في العام 1990 م عندما فرض الحزب اﻻشتراكي اليمني الحاكم في الجنوب قرار الدخول مع الجارة (الجمهورية العربية اليمنية) بوحدة اندماجية، وبعد مضي وقت قصير شرعت الجماعات الإسلامية المتطرفة (المجاهدين العائدين من أفغانستان) باستهداف الشخصيات الجنوبية في صنعاء وبلغ عدد الجنوبيين الذين جرى اغتيالهم حوالي (153) قيادي جنوبي ، وجاءت تلك اﻻغتياﻻت ضمن اتفاق بين علي محسن الأحمر، الزنداني، الشيخ عبدالله اﻷحمر،علي عبدالله صالح، أسامة بن ﻻدن ، إذ توعد الأخير باجتثاث الحزب اﻻشتراكي اليمني والسيطرة على الجنوب وإقامة دولة إسلامية تخضع للجهاديين ، وهذا المخطط كان قبيل إعلان وحدة مايو 1990م، لكن إعلان الوحدة لم يوقف التواصل والتخطيط بين المجاهدين من اﻷفغان العرب والقوى الحاكمة في صنعاء، فاستمر المخطط في القضاء على الجنوبيين واجتثاث القيادات الجنوبية.
في العام 1994 م عندما أعلن الرئيس اليمني "علي عبدالله صالح" الحرب على الجنوب سبقت تلك الحرب حملات تعبئة دينية إذ شرع المتطرف عبدالمجيد الزنداني المقرب من "أسامة بن لادن" بحملات دينية تحريضية ضد الجنوبيين، وأتبعها بعدة فتاوى دينية تجيز الحرب على الجنوب واحتلاله ونهبه وقتل الأطفال والنساء واعتبار الجنوب غنائم حرب، وعندما اندلعت الحرب على الجنوب شارك آﻻف الجهاديين في اجتياح الجنوب واحتلاله وتدميره، وعقب احتلال الجنوب، نشطت تلك الجماعات المتطرفة وأصبحت الشريك القوي في الحكم، فعملت على توسيع قاعدة تواجدها وإقامة الكثير من معسكرات التدريب، بالإضافة إلى فتح المعاهد الدينية واﻻنفراد بمنهج دراسي متطرف، والسيطرة على أهم مراكز السلطة والحكومة وامتلاك مقدرات كبيرة، وهو اﻷمر الذي منحها فرصة لتوسيع رقعة تواجدها واستمراريتها حتى اليوم.
وفي 7 يوليو من نفس العام 1994م وصلت قوات الشمال العاصمة عدن معلنةً النصر ليبدأ الجنوب مرحلة جديدة من الظلم والتنكيل وفق سياسة احتلالية ممنهجة اتبعها شركاء حرب احتلال الجنوب، حيث لم يقتصر الأمر على مجرد السيطرة على ثروات الجنوب ونهبها والانتشار العسكري وطرد الجنوبيين من وظائفهم المدنية والعسكرية، بل تعداه إلى اتباع سياسة قذرة استهدفت الهوية الجنوبية واستهدفت العقل الجنوبي ومحاولة ضرب الإنسان الجنوبي وجعله مجرد كائن بشري غير قادر على التفكير وتطوير قدراته العلمية والاقتصادية والسياسية، حيث جرى فتح أبواب الجنوب على مصراعيها أمام الفكر الديني التكفيري المتطرف وشرع حزب الإصلاح والجماعات التكفيرية بغزو عقول الشباب وتجنيدهم ببث الأفكار المغلوطة والمتطرفة في عقولهم وجرى ربط الكثير من المصالح المعيشية بنشاط تلك الجماعات التي كانت قد باشرت فتح معاهد ومدارس لها في الجنوب قبل الحرب، واتخذت من المدرسة والمسجد مكاناً لفرمتة وتغذية عقول الشباب بأفكارها التي تخدم سياساتها وتضمن ديمومتها في الجنوب، هذا فيما جرى تخصيص فرق أخرى تقوم بمهام استقطاب الشباب الذين لم يلتزموا دينياً بمحاولة إفسادهم بمدهم بالمخدرات واستقطابهم كعصابات لممارسة الجرائم وغيرها، يقابل ذلك حرمان الجنوبيين من التعليم والتأهيل العلمي وجعلهم مجرد عاطلين عن العمل لا يجيدون التعاطي مع ظروف الحياة ومواجهة مشاكلها.
أبرز ملفات حرب صيف 94م المسكوت عنها
لعل من أبرز ملفات تلك الحرب القذرة التي طالت الجنوب، هو ملف المخفيين قسراً، أو ما بات يطلق عليهم (جماعة السيلي) باعتبار اختفاء غالبيتهم بمعيّة القيادي الجنوبي صالح منصر السيلي الذي كان يمثل الشخصية الأبرز في تلك الحرب وما سبقه من صراع سياسي برز فيه السيلي كصاحب موقف صارم من خلال محاولاته إنقاذ وضع الجنوبيين بعد الوحدة عام 1990م ، فبالإضافة إلى موقفه المتحفظ من مشروع وحدة مايو 1990م أيضاً شرع مباشرة في طرح وتبني سياسة جديدة للتعاطي معها بموازاة الوضع الذي تفاجأ به قادة الحزب الاشتراكي عند انخراطهم في سلطات دولة الوحدة، ورأى السيلي أنه من الضروري أن يكون للحزب الاشتراكي - كحزب يمثل الجنوبيين - أصول وممتلكات واستثمارات خاصة به نظراً لما وجد عليه حزبي المؤتمر الشعبي العام والإصلاح اليمني (شركاء السلطة) وعمد إلى انتهاج سياسة اقتصادية خاصة إذ شرع بشراء أصول وممتلكات في صنعاء وعدن بالإضافة إلى تأسيس شركات صغرى بأسماء شخصيات في الحزب الاشتراكي، ثم اتخذ من موقعه الأخير كمحافظ لمحافظة عدن مكاناً مناسباً لإعادة لملمة وإنقاذ ما تبقى للجنوب من خلال الشروع في توزيع الأراضي العامة على الجنوبيين ومحاولة تشجيع رؤوس الأموال الجنوبية لكن الوقت القصير لم يشفع له بالوصول إلى مبتغاه فالحرب قد اندلعت قبل أوانها وخارج رغبات الجنوبيين.
يضاف إلى ذلك أن السيلي كان له اليد الطولى في إدارة أوضاع الحرب في الجنوب منذ اندلاعها وحتى دخول قوات صنعاء إلى عدن ظل السيلي مرابطاً في غرفة العمليات ولم يغادرها حتى لحظة واحدة، لذلك يعتبر آخر قيادي جنوبي كبير يغادر عدن وتشير مصادر مقربة منه أنه أصيب بصدمة نفسية عند دخول قوات الشمال إلى عدن وفضل الموت على الهرب لكن الكثير ألحّوا عليه وأقنعوه بمغادرة عدن واللحاق بقادة الجنوب الذين غادروها في أوقات سابقة إلى دول الجوار.
وبالنسبة لمغادرة السيلي فقد غادر عدن في اللحظات الأخيرة، على متن سفينة تحمل اسم "عطية الرحمن" تتبع شخص صومالي، اسمه "علي نور"، اتجهت بهم نحو سواحل أرتيريا، لكن تم اعتراضها من قبل زوارق أخرى وأرغمت على التوجه نحو سواحل الحديدة اليمنية، وهذه هي الرواية القريبة إلى الواقع والتي خلص إليها الكثير من المتابعين لملف المخفيين بمن فيهم منظمات حقوقية أكدت على وجود قرائن تؤكد هذا الكلام.
هذا في حال تناولنا موضوع المخفيين الذين غادروا بمعيّة السيلي لحظة مغادرته للعاصمة عدن، لكن هناك العشرات من الجنوبيين بينهم طيارين وقادة عسكريين ومدنيين آخرين تعرضوا للاعتقال مع دخول قوات الاحتلال اليمني إلى عدن يوم 7 يوليو 1994م وفي الأيام التي تلت ذلك اليوم، في حين تعرض العديد من الجنوبيين للأسر في جبهات القتال في عدن وأبين ولحج وغيرها، وجميع أولئك الأسرى جرى اقتيادهم إلى أماكن مجهولة وتغييبهم حتى هذه اللحظة.
وطول السنوات الماضية الممتدة من عام 1994م حتى اليوم ظل هذا الملف طَي التجاهل حتى من قبل المنظمات الحقوقية والإنسانية، كما تعرض للتخاذل من قبل الأحزاب السياسية اليمنية التي حاولت الظهور من حين إلى آخر من موقع الأحزاب المعارضة.
وحتى أن ما يسمى بثورة التغيير التي شهدتها صنعاء عام 2011م والتي جاءت وفق ما يسمى بالربيع العربي والتي أفضت إلى مبادرة سياسية خليجية لحل الأزمة وما لحقها من خطوات تندرج في إطار تلك المبادرة كمؤتمر الحوار اليمني ومخرجاته ، لكن جميع تلك الخطوات تجاهلت ملف المخفيين قسراً باستثناء مجرد إدراج هذا الملف في جداول يوميات مؤتمر الحوار من خلال ما تبناه أحد الأعضاء المشاركين (فهمي السقاف) وجرى التعاطي معه كمجرد توصيات في إحدى يوميات ذلك الحوار ليتلاشى الخوض في ذلك الملف في اليوم التالي، ولم تتطرق إليه ولو بمجرد تلميح له أياً من فقرات ونقاط مخرجات مؤتمر الحوار.
في الحراك الجنوبي وبسبب غياب التنظيم الحقيقي والعمل المؤسسي الذي انتهجته مكونات الحراك الجنوبي ظل التعاطي مع هذا الملف من زاوية الاجتهادات الشخصية وأحياناً يتم الاكتفاء بالتطرق إلى الملف في تصريحات صحافية أو بيانات وبشكل غير واضح لم يعطِ لهذه القضية التوصيف القانوني السليم والدفع به إلى المنظمات الحقوقية.
وإجمالاً لم يجرِ التعاطي مع هذا الملف من قبل أي منظمة حقوقية يمنية رغم كثرتها وتعددها ويعود ذلك إلى إفراغ الجنوب من أي منظمات مستقلة إذ لم يصرح أو يسمح بقيام أي منظمات حقوقية وإنسانية تحمل طابعاً جنوبياً وتم حصر مسألة منح التصريحات على الشماليين فقط وبإشراف ومراقبة الأجهزة الاستخباراتية اليمنية.
من يتحمل مسؤولية الكشف عن مصير المخفيين قسراً؟
بعد سلسلة من الأحداث والمتغيرات التي شهدتها اليمن والتي قادت إلى الوضع الراهن الذي نتج عنه انقسام عصابة صنعاء، وبروز طرفي صراع يتمثل بالرئيس اليمني السابق (صالح) وحلفائه كالحوثيين وغيرهم من قبائل الشمال والطرف الثاني (علي محسن الأحمر) و الرئيس اللاحق (هادي) وحزب الإصلاح اليمني، وجميع هؤلاء كانوا في حرب صيف 1994م عبارة عن كتلة واحدة شاركت في الحرب واجتياح الجنوب ونهب ثرواته وارتكاب وممارسة كافة أنواع التنكيل بالجنوبيين وتدمير مقومات الجنوب ونهب ثرواته، ففي تلك الحرب كان (صالح) هو رئيس اليمن، وكان (هادي) وزيراً للدفاع، وكان (علي محسن الأحمر) قائداً للفرقة الأولى مدرع والرجل الأول في الجيش اليمني بالإضافة إلى علاقته بالمجاهدين الأفغان والعناصر الإسلامية المتطرفة التي أسهمت بشكل فاعل في اجتياح الجنوب آنذاك، وهذه الشخصيات الثلاث التي شاركت في الحرب والسلطة قبل وخلال الحرب وبعدها تتحمل المسؤولية عن كل ما جرى في عهدها، وبما أن تكتل منظومة احتلال الجنوب قد تفكك وأصبح بعضه يعادي البعض الآخر لكن كل أطراف الصراع تلتزم الصمت حيال الملفات الكبيرة ومنها ملف المخفيين قسراً من الجنوبيين ولم يجرؤ أحد أطراف النزاع حتى هذه اللحظة التطرق لهذا الملف ولو من باب إصدار بيان رسمي يخلي مسؤولية طرف من الأطراف، ويعلن من خلاله نفي وجود أي علاقة لهم بإخفاء مئات الجنوبيين بينهم قادة عسكريين ومدنيين، ليظل هذا الملف مثله مثل ملف الإرهاب في موقع يشكل فوبيا لدى كل الأطراف المتصارعة وغيرها، إذ يتحاشى الجميع التطرق إليه وكشف خفاياه باعتباره من الأسرار الخطيرة التي يؤكد تحفظهم هذا بأنهم شركاء ولهم علاقة بكل الجرائم التي يخشون التطرق إليها رغم أهميتها والفائدة السياسية التي ستتحقق للطرف البريء في حال إثارتها وتحميل الطرف الند للمسؤولية.
وبما أن الأمر بات واضحاً لدى الجنوبيين بخصوص تنصل منظومة الاحتلال اليمني التي شاركت في غزو الجنوب عن هذا الملف يتحتم على قوى الثورة الجنوبية والمقاومة الجنوبية الضغط على حكومة الشرعية وسلطاتها العليا تحديداً تجاه كل من الرئيس اليمني (هادي) ونائبه (علي محسن الأحمر) بالكشف عن ملابسات هذه الواقعة وتفنيد تفاصيلها أمام الجميع بإصدار بيان رئاسي يوضح كل ما يتعلق بهذا الملف إما بالإقرار بالمشاركة في جريمة الإخفاء ومحاولة إقناع أقارب وذوي المخفيين بما حدث أو تحميل الرئيس السابق (صالح) المسؤولية أيضاً بفضح كل ما يتعلق بالمخفيين وتقديم ما يثبت وجودهم بمعيّة (صالح).