رغم الهدؤ النسبي الذي كان قد ساد الضالع على فترات متفاوتة سابقة والتي عندها شعر المواطن بالأمن والاستقرار والعيش بسلام بعد انتفاء كل بؤر الصراع وويلات الفوضى وتلاشي الخوف والاضطرابات التي اكتوت بها الضالع خلال أعوام ثلاثة مضت إلا أن عودة الانفلات الأمني وظهور الجماعات المسلحة من جديد وبشكل أشد مما كانت عليه سابقا , اثار مخاوف المواطنين من احتمل ان تشهد المحافظة فصل دمويا على يد متعاطفين مع جماعات أنصار الشريعة بابين.
ففي الوقت الذي كان الجميع ينتظر قرب الانفراج في وضع الحلول الناجعة للقضية الجنوبية خاصة في ظل إشراف إقليمي لما يسمى بالحوار الوطني وإدراج قضية الجنوب ضمن أولوياته إذ بالضالع تعيش مرة أخرى وقد تكون ليست الأخيرة , مع ثورة من نوع خاص وهي ظهور قوى تهاجم مواقع عسكرية باسم الجنوب وقيام بعض مجاميع ملثمة بالاستيلاء على سلاح جندي مار بالشارع وتركه بدون سلاح أو حتى حارس منشأة حكومية كما حدث قبل أمس الأحد حيث قام شخصين ملثمين على دراجة نارية باستفسار احد جنود الأمن على بوابة مبنى التعليم بالمدرسة الصفراء وجرجرته ليخبرهم عن رئيس لجنة النظام والمراقبة للشهادة الأساسية وعندما أبعدوه عن مكانه العام اعتدوا عليه على حين غفلة واخذ سلاحه الآلي والهروب إلى جهة غير معلومة ..
تعيش الضالع هذه الأيام على وقع أحداث دامية ودوي لعلعة الرصاص وأزيزها وخاصة في الليل والذي يبقى معها المواطن في الضالع ينتظر الموت في كل لحظة بل انه يموت بالليلة الواحدة ألف مرة , وبين هذه المشاهد مجتمعة تظل الضالع منهكة فاقدة الوعي حتى إشعارا أخر.. وفي ظل الفراغ الأمني الذي تشهده المحافظة تظل الاتهامات متبادلة بين مختلف القوى المتصارعة فمابين من يوجه أصابع الاتهام لبقايا النظام ومن ينفذ مؤامراتهم واجنتدهم يقصد بذلك الحراك المنادي بفك الارتباط وتقرير المصير وبين من يعتبر الفوضى إرادة نضالية سلكها أبناء الضالع حتى تحرير الضالع خاصة والجنوب العامة حسب زعمهم.
وبالمقابل فالحراك يتهم القوى المنادية بالتغيير بمحاولتها الدؤبة لإلغاء الثورة الجنوبية وإظهار القضية الجنوبية كقضية مطلبية وسطحية مع دعم كبير تقدمه لأنصارها بالضالع بحجة تشكيل مجالس أهلية الغرض منها تفريخ قوى النضال الجنوبي وتقسيم المقسم أصلا, وصولا للجلوس على طاولة الحوار وتمثيل الجنوب والخروج بأهداف مجتزئة وناقصة والتضحية بدماء كل الشهداء ناهيك عن التنازل عن القضية الجنوبية خدمة لأهداف مصلحيه ..وفي ظل ما يحدث من جدل يخشى كثير من المراقبين حدوث صدامات في الضالع ومدن جنوبية أخرى يصعب معها لملمة الجراح وخاصة إذا ما علمنا ألاعيب بقايا النظام القذرة في الزج بين خصومه "المعارضة والحراك الجنوبي"التقليديين في صراع بلا نهاية.
ومن المرجح أن يفضي إلى تصدعات في منظومة الوحدة الاجتماعية الجنوبية قاطبة في ظل تصاعد أزمة داخلية تخنق رأس النظام السياسي في البلد من الصعب التكهن بنتائجها في هذا الظرف المعقد والحساس ، ولا يختلف اثنان على أن ظهور قوة ثانية أكثر تنظيما توحدها رافعة إيديولوجية على صعيد المسرح الجنوبي تحمل أجندة مغايرة لمطالب القوى الجنوبية بمختلف مكوناتها بالتأكيد ستشكل شوشرة متعبة على مكون جنوبي شعبي لم يختمر في حلقات تنظيمية أو بالأصح لا تجمعه حلقات تنظيمية مماثلة ناهيك عن دخوله في معارك منهكة في صميم بنائه السياسي والاجتماعي وما يعانيه من قسوة مفرطة من قبل الإعلام اليمني العربي والذي تجاهل تضحياته الجسيمة طوال أربع سنوات ونيف.
وفي وسط المشهد برزت ردة فعل قوية تجاه الأمر الواقع حيث تعيش الضالع أياما استثنائية ليست ككل الأيام , حيث تتعرض بعض المواقع العسكرية بالمحافظة لهجمات مسلحين مناؤين رغم التأييد الشعبي لإسقاط موقع دار الحيد والذي ظل لسنوات محل جدل بين مواطنيين وقيادات عسكرية بحكم وجوده وسط حي شعبي سكاني ولما يمثله من معلم تاريخي.. إلا إن الهجمات اتسعت لتصل إلى مواقع بعيدة عن المدينة وقريبة من اللواء, في ظل اتهام الجهات الأمنية الدائم لعناصر الحراك المسلح كما تسميه رغم أن بعض المواقع التي تم مهاجمتها في وقت سابق واتهمت فيها عناصر الحراك انكشف زيف الاتهام حيث اعترف احد جنود اللواء35مدرع في موقع الكرب بمهاجمته لزملائه والذي أدى إلى مقتل ثلاثة وإصابة رابع ولازال رهن الاعتقال منذ اعترافه قبل أسابيع على قيامه بفعلته معللا ذلك بحبه لأل البيت وتقربه للسيد بدر الدين الحوثي حسب محاضر التحقيق الخاصة.
وصلت الأمور ذروتها بقيام مسلحين بمهاجمة كتيبة الجرباء ونقاط عسكرية أخرى منتشرة حول مدينة الضالع , من جانبه قال قيادي في اللقاء المشترك بمحافظة الضالع أن أعمال العنف التي برزت في الآونة الأخيرة يقف ورائها شخصيات نافذة من بقايا النظام فقدت مصالحها بفعل الثورة تدفع ببعض الأشخاص لارتكاب مثل تلك الأعمال بغرض عرقلة مسيرة التغيير في الضالع والوطن كافة..
تفريخ القوى الجنوبية من اجل الحوار
مع اقتراب التنازلي لانعقاد الحوار الوطني المزمع إقامته والهالة الإعلامية والدعائية المبشر بها والتي ما انفكت متواصلة منذ التوقيع على المبادرة الخليجية ولكون القوى المتحاورة هي نفس القوى التي ما تزال مهيمنة على الشأن اليمني منذ زمن ليس بالقصير مع تغير الأوجه والمسميات الأمر الذي مهد بروز قوى ذات ثقل اجتماعي وسياسي ما تزال رافضه لمثل هكذا حوار وان بدت متناسقة ومتفقة في الرفض لكنها أيضا هي الأخرى مختلفة تماما من حيث الهدف والسبب الذي جعلها ترفض الجلوس للحوار.
ولكون القضية الجنوبية هي محور الارتكاز وبحسب وصف إحدى كبريات الصحف العربية بأنها تمثل حجر عثرة أمام الحوار المزمع عقده في وقت لاحق من هذا العام على الرغم من "دعممة" طرفي السلطة الحاكمة أمام إصرار الجنوبيين عدم دخول الحوار إلا وفق شروط مسبقة وهامة في نفس الوقت أهمها الجلوس على طاولة حوار بين طرفين شمال وجنوب , وهو ما ترفضه تماما سلطة النظام الحالم المختلط, ولذلك برزت في الأيام القليلة الماضية حوارات وندوات ومسنودة بدعم كبير هدفها إيجاد مجالس أهلية في المحافظات ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب لحيث والظاهر حفظ الأمن ومعالجة قضايا مجتمعية وفي الباطن استقطاب فئات كبيرة من فئات الشعب الجنوبي باستخدام مثل هذه المسكنات والدخول باسم الجنوب على طاولة حوار الطرشان الذي ربما قد تم تحديد ماهياته ومخرجاته مسبقا ورغم انف القوى الجنوبية المطالبة بالاستقلال والتحرير "قوى الحراك الجنوبي".
وعلى الرغم من الضمانات التي يصدرها ساسة وقيادات في المعارضة اليمنية بخصوص القضية الجنوبية خاصة إذا ما قبلوا ودخلوا الحوار الوطني إلا أن بعض الجنوبيين والحراكيين بالذات ينظرون للحوار على انه فخ جديد يطيل أمد بقاء الوضع الراهن وهو الاحتلال الشمالي للجنوب ـ حسب وصف الحراك ـ وان الجلوس على طاولة الحوار دون شروط أو اعتراف رسمي شمالي بوضعية احتلال الجنوب بمثابة خيانة أخرى للجنوب تضاف إلى رصيد من يقبل بالحوار بل هو شرعنه للوحدة وطمس للقضية الجنوبية ولذاك فهم ينظرون من هذه الزاوية وبالتالي كان لزاما عليهم كجنوبيين منع هذه المجالس والتجمعات التي لها ارتباطات بالنظام أو بالمعارضة بأي وسيلة كانت ومهما كلفهم من ثمن حسب وصفهم..