يمشي على كرسي متحرك داخل أزقة كلية الآداب بجامعة عدن، يتحرك بثقة رغم فقدانه الحركة منذُ سنين، و رغم عدم قدرته على الوصول إلى الجميع ليسلّم عليهم لكنه يمنحهم ابتسامة بريئة يعبّر خلالها عن حبه محاولاً إخبارهم تفاصيل كثيرة يعجز عن وصفها أحيانا وأحايين أخرى يعجز كرسيه المتحرك من الحركة بالسرعة المطلوبة ، لكنه يملك داخل قلبه عزيمةً وإصراراً ذللا له كثيراً من معوقات الحياة.
من هنا بدأت القصة
في عام 1988 م ولد أحمد علي أحمد حسن في مديرية المعلا بالعاصمة عدن بطريقة طبيعية ، ونما كأي طفل حتى سن الخامسة أُصيب بحُمّى شديدة تم إسعافه آنذاك إلى مستشفى الصداقة وهناك تم إجراء فحوصات كثيرة لجسده الصغير وإعطائه جرعاً مختلفة من علاجات متنوعة ، بسبب تخبط الدكاترة بأسباب المرض وضعفهم في تشخيصه ، إلا أنهم قرروا لـ (أحمد) حقناً طبية نوع ( كرنزول ) بنِسَب كبيرة جداً ، مما أثرت تلك الحقن عن صحة أحمد وأًصيب بمرض الروماتيزم الأكبر ، تم نقله إلى مصر للبحث عن بلسم لجراحه لكن دون فائدة وظلت صحة أحمد تتدهور وأوجاعه تتعاظم يوماً بعد الآخر وجسده الصغير يصارع المرض الذي أوشك على أن يفتك به .
في عام 1998م تم نقل أحمد إلى الأردن وهناك تم معرفة المرض وتشخيصه ومنحوا أحمد العلاجات اللازمة التي ستعيد لـ أحمد عافيته ولو بشكل بطيء ، كانت العلاجات غالية ونادرة وظروف أسرة أحمد قاسية وبعد استكمال رحلته العلاجية قرر الدكتور إعادته إليه بعد ستة أشهر ووصف لهم علاجات متعددة لعلاج طفلهم ، عادوا إلى عدن فلم يجدوا بعض العلاجات النادرة التي كانت توجد في بعض بلدان الخارج والبعض وجدوها في عدن واستمروا في مواصلة علاج صغيرهم حتى أوشك موعد العودة إلى الأردن حيث كانت ظروفهم قاسية وحالهم لا يعلمه إلا الله ، لكنهم حاولوا جاهدين البحث عن طريقة يستطيعون بها العودة ، فطرقوا باب وزارة الصحة دون جدوى حيث تحدث أحمد بوجع بأنهم رفضوا قبول الملف بحجة أن المرض مستعصٍ ويستحال علاجه ، بينما التقرير الذي كتبوه في الأردن مسجل فيه بأنه من الممكن علاج المرض ولكن خلال مراحل قد تتجاوز عدة سنوات ، وبعد أن وصلت الأسرة مرحلة اليأس عادت بأحمد إلى المنزل محاولين توفير الأدوية بشكل مستمر وبسبب ارتفاع سعر العلاج وندرته توقف أحمد عن استخدام العلاج في عام 2000م مما أدى إلى تدهور صحته واستياء حالته ولكن إحدى الدكاترة نصحته بالعودة واستخدام العلاج بسبب الالتهابات الحادة التي كان يشعر بها في مفاصل جسده ومنذ عام 2012م وحتى اليوم داوم على العلاج بشكل مستمر وقال بأن صحته الآن أصبحت أفضل من السابق بكثير .
صراع لأجل التعليم
لم تجبر الإعاقة أحمد على البقاء في المنزل وترك الدراسة بحجج مختلفة منها صعوبة نقله إلى المدرسة و حاجته إلى مرافق بشكل مستمر و صعوبات في التعامل مع زملائه داخل الفصل ومع بعض المدرسين الذين لا يدركون طرق التعامل مع الفروق الفردية للطلاب بشكل عام ، لكن أسرته ساعدته ونمت حب التعليم في قلبه فلم ينهزم أو يتراجع والتحق في مدرسة قتبان بالمعلا لإكمال المرحلة الأساسية ، ثم أكمل دراسة الثانوية في معهد 14 أكتوبر ، لم يتوقف أحمد عند المرحلة الثانوية فما زال طموحه كبير وهدفه عظيم فقد التحق بكلية الآداب قسم الخدمة في عام 2016 م تم قبوله في قسم علم الاجتماع كلية الآداب جامعة عدن ، ورغم الصعوبات التي تحاول عرقلة مسيرة حياته إلا أن داخل قلبه أمل كبير يتحدى به كل المعوقات ، اشترك أحمد مع بعض طلبة كلية الآداب مع أحد الباصات ينقلهم إلى الكلية ثم يعيدهم إلى منازلهم وحينما يصل حرم الكلية يستخدم كرسيه المتحرك ليتنقل به داخل الكلية ، لكنه يجد صعوبة في التحرك وخصوصا عند دخول القاعات التي ليس فيها طريق للكراسي المتحركة ، و يحزن أحمد حين يقرر لهم المحاضرة في الدور الثاني لأنه لا يستطيع الوصول إلى داخل القاعة و يحرم الفائدة ولكنه لا يبرح الكلية حتى انتهاء وقت المحاضرة وكأنه يشعر بثمة إحراج أن يغادر في الوقت الذي لا يزال رفاقه يدرسون ، تمنى أحمد من رئاسة الجامعة الاهتمام بالمعوقين وتسهيل حركتهم داخل الكليات وعمل طرق احتياطية واسعة لمقاعدهم المتحركة لأنهم يحبون التعليم ويسعون من أجل إكمال تعليمهم بكل ما منحهم الله من قوة ، وتمنى أحمد من الشباب بأن يكملوا دراستهم فلديهم فرصة اليوم لن يجدوها غداً لأن سنين أعمارهم تمر فليس لهم قيمة إلا بالعلم ولن يغيروا من حياتهم إلا باتباع طريق العلم ، وتحدث عن زملاء دراسته وأساتذته بالقول بأنه يكنّ لهم كل الحب فهم متعاونون جداً معه و يحاولون مساعدته بشتى الوسائل و الطرق.
أما عن حلم أحمد فقال بأن حلمه أن يكون مهندساً فلديه خبرة في مجال هندسة الجوالات وقد أخذ عدة دورات في مجال الهندسة ، وأما عن دراسته الجامعية فهي فقط لتطوير ذاته والمحاولة في التأثير عن بقية المعاقين لكي يكملوا مشوارهم التعليمي ، وأضاف بأنه يحب الدراسة وأسرته تشجعه على ذلك ، وتمنى بأن يشاهد المعاقين يكملون دراستهم الأكاديمية و يحصدون الشهادات العلمية في الدراسات العليا ، لأن الإعاقة إعاقة العقل و ليست إعاقة الجسد فطالما الله وهبه عقلاً سليماً فلا يعتبر معاق ، أحمد لا يستحي من إعاقته أو يخجل من كلام أحد فقد عوّضه الله قوّةً و عزيمةً تفوق إعاقته بكثير .