الضالع: ظاهرة إطلاق الأعيرة النارية في الأعراس كابوس يؤرَّق السكان
تقرير/ إبراهيم ناجي

لم تستقر الضالع أمنياً بشكل كامل كما كان يتوقعه أغلب المتفائلين من سكانها لمجرد خروج القوات العسكرية التابعة لـ"صالح" والتي سرعان ما تحالفت وأيّدت مليشيات الحوثي في مهاجمة الضالع من مختلف الجهات نهاية مارس 2015م , لتكون هزيمتها في هذه المحافظة كأول محافظة تحررت مع نهاية مايو/ أيار2015م, إلا أن عدم التسريع بتطبيع الحياة المدنية والخدمية والأمنية جعل من الحلم مجرد خيال وبرزت العشوائية ونقاط الجباية والاستحواذ على أسلحة متوسطة وخفيفة ومعدات قتالية لتكون في حوزة مجاميع مليشياوية تتبع عناصر بالمقاومة الجنوبية بالقرى والحارات يتصرفون بها خارج إطار الجيش والأمن المنشود ، حتى أن مدينة الضالع التي تعد "افتراضاً" عاصمة للمحافظة المكونة من 9مديريات بلا خدمات ولا ماء وبدون إعادة إعمار في ظل هجرة فردية وجماعية لأغلب مسؤوليها للعاصمة المؤقتة عدن ..

عودة "الظاهرة" رغم التحذيرات

وبالعودة لموضوعنا الذي أردنا طرقه في هذه الأسطر "ظاهرة إطلاق الأعيرة النارية بالأعراس" والتي عادت  بكثرة في مدينة الضالع الأيام القليلة الماضية ، الأمر الذي أرّق حياة السكان , لما لهذه الظاهرة من عواقب وخيمة كونها تشكل الخطر الأكبر على حياتهم وحياة أطفالهم  إذا ما نظرنا لحالات الإصابة والقتل التي تعرض لها أطفال بفعل الرصاص الراجع من الهواء.

وتشكل ظاهرة إطلاق النار في الأفراح إحدى الظواهر الاجتماعية الخطيرة التي يعاني المجتمع اليمني بشكل عام والضالعي بصورة خاصة ، بعد أن صارت الظاهرة مخيفة تستخدم عند الأفراح والمناسبات التي تشهدها على امتداد القرى ولم تُستثنَ المدن من ذلك.

لتخلّف هذه الظاهرة كوارث مأساوية كثيرة في الأسر والعائلات ، راح ضحيتها عدد غير قليل من الأبرياء الذين لا ذنب لهم سوى أنهم جاؤوا لتهنئة أصحاب الفرح ومشاركتهم فرحتهم وتقديم واجب اجتماعي نحوهم أو أنهم كانوا على أسطح منازلهم ولو في مناطق بعيدة عن مكان العرس.

وعلى الرغم من التحذيرات التي يطلقها مسؤولون ووجاهات وخطباء إلا أن استمرارها بشكل متفاوت زاد حدتها الأسبوع الأول من شهر فبراير ,ووصل ببعض المعرسين وذويهم  استخدام - في جل هذه الأعراس-   رشاشات متوسطة ومضادات طيران23 وقنابل صوتيه7/12 جعلت المواطن متخيلاً نفسه  في جبهة حرب وقتال وليس في حفلة عرس معتادة!!!.

غياب الضمير المجتمعي

 الشخصية والوجاهة الاجتماعية بمدينة الضالع / محسن أحمد النقيب ، يتحدث عن غياب الضمير المجتمعي لدى مطلقي الأعيرة النارية في الأعراس، كونهم لا يفكرون بالآخر وما قد يتعرض له جراء هذه الظاهرة التي ذهب بسببها دماء أطفال كانوا يلهون ويلعبون في مناطق بعيدة من مكان الأعراس إلا أن الرصاص الراجع من الجوّ خطف حياتهم في لمح البصر.

مؤكداً استفحال هذه الظاهرة في ظل غياب الجهات الرسمية الغائبة تماما في مدينة الضالع والتي يُفترض بها وضع حد وصولاً إلى معالجة مثل هذه الظواهر الخطيرة كونها لا تختلف عن قتل العمد مع سبق الإصرار والترصد, موضحاً أنه يتفاجأ كغيره عندما يجد أغلب مطلقي النار هم جهات مسؤولة إما أمنية أو مدنية واتخذت من ذلك عادةً للتباهي والتفاخر الذي غزى مؤخراً أغلب البيوت في الضالع وضواحيها !.

ونوّه النقيب إلى أن: " البعض يظن أنه بإطلاق النار يدخل الفرحة والسرور إلى نفوس المحتفلين بالعرس لكن نقول له أن أغلبية الناس يشكون من هذه الظاهرة والتي إلى جانب كونها خطيرة فإنها مزعجة وتؤدي إلى حالات من الفزع والخوف والإزعاج لدى الأطفال ، وتشكل مصدر إزعاج للمرضى والشيوخ" . موضحاً إلى أنه : " حان الوقت لمحاربة هذه الظاهرة بشكل فعلي" ,مقترحاً وسيلة ضغط اجتماعي مغادرة كل عرس يتم فيه إطلاق الرصاص كون حياة الناس وأمنهم تهم الجميع.

 

أين دور السلطات؟!

 

وأشار مواطنون ومتضررون من حوادث إطلاق العيارات النارية في الهواء بأن هذا الفعل بات مشهداً مألوفاً في موسم الأعراس والمناسبات , ومما يزيد من خطورتها أنها تُطلق داخل الأحياء وبين البيوت ، إضافة إلى أن معظم مستخدميها في الغالب من فئة الشباب، ويعتبر المواطنون ظاهرة إطلاق الأعيرة النارية  أسوأ وسيلة يمكن التعبير فيها عن الفرح، وهو خطر لا مبرر له، وسلوك اجتماعي غير حضاري، قد يحوّل ليلة الفرح إلى حزن ومأتم " لا قدر الله"..

ولم يكاد يمر أسبوع - في مدينة الضالع - إلا وفيه عرسين إلى ثلاثة أعراس تتحول فيها المدينة إلى جبهة مفتوحة يتباهى فيه المعرسون في إطلاق آلاف الأعيرة النارية يتخلل ذلك إطلاق "طلاعات" نارية ورشاشات  إلى الهواء دون أي اعتبار لما سيحدث!! ، كون الرصاص الراجع قد تسبب في أوقات سابقة بمقتل طفلة غرب مدينة الضالع بمنطقة الحميراء قبل أشهر تقريبا وطفل آخر شمال مدينة الضالع, والأعجب أن واقعة إزهاق أرواح بريئة مقيدة ضد مجهول لحد اليوم , ناهيك عن تعرض نوافذ بعض المنازل لمثل هذه الطلقات الطائشة والذي قد يتحول فيها الفرح إلى حزن والزواج إلى مأتم  الجميع في غنى عنه لو تجنبوا استخدام مثل هذه الأسلحة إلى الهواء ..

وأرجع الناشط السياسي في الحراك الجنوبي بالضالع / عبدالرقيب الجعدي عن أسباب عودة ظاهرة إطلاق الأعيرة النارية بمختلف الأسلحة في الضالع إلى غياب السلطة الصارمة والرادعة وعدم وجود الجهات التوعوية والمحذرة من مخاطر وأضرار إطلاق الأعيرة النارية في الهواء.

وأوضح "الجعدي" مدى عبث هؤلاء بكميات الرصاص المفرغة في الهواء ، مشيراً إلى أن : " هؤلاء عابثون ومبذرون تحصلوا على هذه الذخائر بدون أي عناء أو تعب ولم يعرفوا أهمية الطلقة الواحدة وقيمتها أيام الحرب ، فلا غرابة من تصرفاتهم هذه فهم لم يشاركوا في الحرب ولم يعانوا ما عاناه المقاومون .."

حلول لا بد منها

 وتطرق الناشط "عبدالرقيب الجعدي" إلى  بعض الحلول للحدّ من هذه الظاهرة المقلقة للسكينة العامة  من خلال تفعيل دور الأمن للقيام بدوره بملاحقة كل من يطلق أعيرة نارية في الأعراس وسجنه وإجباره على دفع غرامة مالية ،إضافة لقيام خطباء المساجد ومنظمات المجتمع المدني بدورهم التوعوي في التحذير من هذه الظاهرة الخطيرة وبيان نتائجها الكارثية على المجتمع .

واختتم الناشط الحراكي مطالباته مؤسسات السلطة المحلية في المحافظة للقيام بواجباتها ومسؤولياتها في تفعيل وتنفيذ القانون لمحاربة ظاهرة إطلاق النار في الأعراس  و تفعيل الوثيقة المجتمعية  التي قدمها مجلس مدينة الضالع لمحاربة هذه الظاهرة والتي تم التوقيع عليها من كل مكونات وفئات المجتمع بما فيها السلطة المحلية  في المحافظة.

ومثل ذلك ينظر أخصائيون اجتماعيون لظاهرة إطلاق الأعيرة النارية بكونها تندرج قديماً تحت العادات والتقاليد، وكانت تعد تعبيراً عن الفرح ، ونوعاً من إخبار الناس بانعقاد الفرح، خاصةً في ظل بُعد المسافات بين الناس في القرى والبوادي في تلك الفترة، وعدم توفر وسائل الاتصال.. بعكس واقعنا اليوم المختلف تماما ، حيث أصبحت المدن مزدحمة، وتطورت وسائل الاتصال، الأمر الذي ينبغي التخلي عن هذه الظاهرة المزعجة والخطرة، المسببة لمآسٍ وخيمة على الأسرة والمجتمع من خلال القضاء عليها عن طريق التعليم والوعي، إضافة إلى التشديد من قبل الأجهزة المعنية للتخلص من هذه الظاهرة نهائياً" .

 

سلاح الدولة في غير موضعه!

الكاتب الصحفي " زكريا محمد محسن" يقول : "انتشرت في الآونة الأخيرة في الضالع ظاهرة سيئة وخطيرة ، وهي إطلاق قذائف 23 والدوشكا وقنابل صوتية شديدة الانفجار في الأعراس وحتى في حفلات عقد القران ومناسبات أخرى" ، وأشار إلى أن :" إطلاق تلك القذائف يأتي من على المدرعات أو الأطقم تقليداً لدى بعض سخاف العقول حتى استفحلت هذه الظاهرة وأصبحت واقعاً معاشاً في ظل الصمت المجتمعي إزاء هذه الظاهرة وكذا تغاضي الجهات الأمنية وتقاعسها عن أداء مهامها وضبط ومعاقبة من يطلقون هذه الأعيرة النارية وقذائف 23 والدوشكا في الأعراس رغم أنهم معروفون للقاصي والداني ويستخدمون سلاح الدولة بغير وجه حق"  – حسب قوله.

اعتقاد غير صحيح!

في الغالب يعتقد مطلقو الرصاص في الهواء أن قيامهم بهكذا فعل يجلب البهجة والسرور إلى نفوسهم ونفوس أهل العرس، وعلى اعتبار أنها عادة توارثوها أباً عن جد حسب قولهم..

أحد مطلقي النار في عرس في حارة المطار جنوب مدينة الضالع يحكي عن قدراته في استخدام السلاح وكيفية إطلاق النار في الهواء بعيداً عن المناطق المكشوفة والآهلة بالسكان , مشيراً على أنه تعوّد على اصطحاب بندقيته "الآلي" عند حضوره لأي عرس ، رغم أن ذلك كلّفه الكثير من النقود كثمنٍ لشراء الرصاص الذي يطلقه في الهواء ،إلا أنه يعتبر ذلك هديةً منه للعريس!

 

ديننا الحنيف ينهى

وأخيراً وزيادة في التحذير من هذه الظاهرة الموغلة في الانتشار ، فها هو ديننا الإسلامي الحنيف يبين لنا عدم مشروعية إطلاق الأعيرة النارية في الهواء بالأعراس أو غيرها لمَا لهذه الظاهرة من أضرار وإقلاق للسكينة العامة والخاصة . يتحدث أحد دعاة الدين عن الأمر بقوله: ” لقد كتب الله تعالى الإحسان على كل شيء، وحرم أذية الخلق بلاحق ، وجعل كفّ الأذى من أفضل خصال الإسلام، فعندما سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الإسلام أفضل ؟ قال “من سلم المسلمون من لسانه ويده” ، وجعل كف الأذى واجباً على المسلم وحقاً لأخيه المسلم ، وطُرُق أذية المسلمين وعامة المواطنين عديدة متنوعة ومنها ظاهرة إطلاق النار فضلاً عن الألعاب النارية وإطلاق المفرقعات في كل الأوقات دون مراعاة ليل أو نهار بلا مبالاة بمشاعر المكلومين والمحزونين دون اهتمام بترويع الأطفال والآمنين”.

 

متعلقات
سجون الحوثي.. جرائم وانتهاكات على مرأى ومسمع من العالم
مؤسسة الصحافة الإنسانية ترصد وفاة 60 حالة وإصابة أكثر من 7 آلاف شخص خلال شهر فقط
التسرب المدرسي معضلة تهدد مستقبل الطالبات في ردفان
تقرير: "دثينة وقبائلها".. لا حياد في الحرب على الإرهاب
الأمم المتحدة تتهم جماعة الحوثي الانقلابية بعرقلة العمليات الإنسانية للشعب اليمني