المرأة الجنوبية.. كيف مرَّ عليها يومها العالمي؟
لقاءات/ منـــى قــــائد

نظراً لأهميةِ المرأةِ ومكانتها في المجتمع تم تخصيص يوم (8 مارس) من كل عام؛ للاحتفال بإنجازاتها السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية..

"الأمناء" أولت - بحلقتين متتاليتين - حيِّزاً خاصاً للمرأة الجنوبية على وجه التحديد، وما عانته من إرهاصاتٍ في حياتها وبالذَّات في العقود الأخيرة، التي مرَّت بها بتحولاتٍ دراماتيكية، تسبَّبت بتراجع دورهنَّ كثيراً عن ما كُنَّ قبل العام 90م، حيث كانت تقاسم الرجل كل المهام، بما فيها المهام العسكرية والقتالية.. فإلى تفاصيل الحلقة الثانية:

مفارقات عجيبة!

وتأخذ المرأة الجنوبية وضعًا استثنائيًا، ترسم فيه زوايا مشهد حياتها وحقِّها في العمل والتصدي للعنف الممارس ضدها، ووضعية النساء والأطفال في الحروب وما تخلفه بعدها من مآسي ومعاناة، وهنا تبدأُ المفارقة الضبابية الأعجب، حيث تعيدنا المرأة الجنوبية، لأول مرة يتم الاحتفال فيها بهذه المناسبة، في 8 مارس 1909 بأميركا، وكان يعرف حينذاك باليوم القومي للمرأة في الولايات المتحدة الأميركية؛ بعد أن عيّن الحزب الاشتراكي الأميركي هذا اليوم للاحتفال بالمرأة تذكيراً بـ( إضراب عاملات مصانع "الغزل والنسيج" في نيويورك)، حيث تظاهرت النساء تنديداً بظروف العمل القاسية، وبعدها شهد العام 1856م خروج آلاف النساء للاحتجاج في الشوارع بــ "الخبز والورود"، وتكرر المشهد نفسه في 8 مارس 1908، فمثَّل هذا التاريخ محطة لمراجعة الطريق وتصحيح الانحراف، لكن التساؤل الفارق الذي يطرح نفسه هنا هو: أين تلك النسوة الجنوبيات اللاتي تمَّ تسريحهنَّ من مصانع "الغزل والنسيج" وبقية المؤسسات الجنوبية الأخرى؟!، وهل سيعدن التفكير مرة أخرى لانتزاع حقوقهن المغتصبة التي دهستها عجلات بعض الانتهازيين؟!.

ظروف خاصة

وبداية لقاءاتنا كانت مع الأخت/ صفاء علي صالح عوض - عاملة في إحدى محلات التجميل منذ (7 سنوات) - قالت: " نتيجة لبعض الظروف الأسرية الخاصة ، إلى جانب وضع البلاد المتردي ، خرجت إلى سوق العمل من أجل تحسين وضعي المعيشي وكذا التطوير من نفسي والاعتماد عليها .. والآن أطمح أن يكون لدي محل خاص بي".

أما الأخت/ صفاء ناجي - عاملة في إحدى محلات الملابس النسائية خريجة علوم إدارية - قالت: " أنا يتيمة الأب والأم .. ونتيجة لظروفي الخاصة هذه وكوني أكبر إخوتي بدأت العمل بعد الثانوية العامة مباشرة، فكنت أعمل وأدرس جامعة في ذات الوقت من أجل أن أعيل إخوتي وأساعد نفسي على العيش بكرامة وسط ظروف معيشية صعبة وقاسية".

وواصلت قائلة: " وعدم الرضا في العمل يكمن في الظروف المتذبذبة التي تعصف في البلاد أثرت بشكل سلبي على تنقلاتنا من أماكن عملنا إلى بيوتنا ، خاصة في فترة المساء، إلى جانب تعب الدوام (فترتين) وكذا عدم وجود حقوق لنا كعاملات في مثل هذه الأماكن الخاصة على عكس المرافق والشركات الكبيرة الخاصة .. ولكن يبقى الأمل قائم في قلوبنا بأن عدن ستعود إلى سابق عهدها وأفضل".

الاعتماد على النفس

بينما الأخت/ يسرى - طالبة جامعية سنة ثالث وعاملة في إحدى المراكز منذ أربع سنوات - قالت: " ما دفعني للعمل ظروف عائلية خاصة جدا.. هي ما جعلتني ألتحق بسوق العمل من أجل أولاً أن أُعيل نفسي على مصاريف الجامعة ، وكذا مساعدة عائلتي في مصاريف البيت ".

وشاطرتها الرأي الأخت/ نوال فتحي والتي قالت: أن خروجها للعمل كان من أجل ظروف خاصة متعلقة بأمور الزواج وكذا الديون والجمعيات (الهكابي).

عنصر فاعل

فيما الأخت/ انتصار فضل - خريجة دبلوم محاسبة تعمل في محل ملابس نسائية منذ أكثر من سنتين - قالت: " إن الدافع الأساسي لانخراطي بسوق العمل هو تحقيق طموحي بأن أكون عنصراً فاعلاً في المجتمع وليس تابعاً فيه.. والعنصر الثانوي الذي جعلني أتشبث بالعمل والثبات فيه هو ظروف البلاد حاليا .."

وأضافت:" الحمد لله رغم ذلك اشعر بالارتياح والرضا في عملي كون أن (90% إلى 95%) من زبائني هن عنصر نسائي".  

أكثر لتزام وأمانة

كما كانت لأرباب العمل نظرة إيجابية لعمل الفتاة ، حيث قال الأخ/ فهمي العنتري صاحب محل الملكة في الحجاز مول : "إن اختياري للفتاة في العمل أولاً لأن ما يتم عرضه من ملابس وفساتين خاصة بالنساء هذا يتطلب وجود امرأة لذلك الأمر .. كون المرأة تشكل راحة لزبائن المحل أكثر من الرجل، إلى جانب كونها أكثر التزام وانضباط من الرجل في مواعيد العمل، وكذا أكثر أمانةً وإخلاصاً في عملها عن أخيها الرجل" .  

عجز القطاع العام

وأيضا كان للوسط المجتمعي نظرته حول عمل المرأة ، حيث كانت أول وقفاتنا مع الأخ/ أبو وحي جمال الذي قال:(مثل هذه الأعمال أصبحت معروفة في مجتمعنا منذ سنوات، وإقبال الفتيات عليها ناتج عن عجز القطاع العام في استيعاب الأيادي العاملة.. وبالرغم من ذلك يعاني هذا القطاع حالة من الركود وعدم التوسع بسبب الأحوال التي مرت بها البلاد وستظل مسألة عمل الفتيات في هذا القطاع حالة مفروضة على عمل المرأة).

أما الأخ/ عيدروس فيصل كانت له نظره مغايرة حول عمل المرأة فقال: (أنا ضد عمل المرأة لأن مكانها السليم هو في بيتها).   

بادرة جيدة

وللشخصيات المجتمعية نظرة حول عمل المرأة ، فقالت المحامية/ هدى الصراري : " برزت المرأة في الكثير من مجالات العمل وتصدرت واجهة الأعمال الحكومية/الخاصة ، وأثبتت نجاحها الباهر وثقة مرؤوسيها، ومن هذه المجالات التي كانت حكراً على الرجال عمل الفتاة في المولات والسوبر ماركت والمحلات الخاصة.. ونتيجة انعدام الوظائف الحكومية اضطرت الفتاة للعمل وخوض تجربة العمل الخاص ولاقت نجاحاً وقبولاً من العامة ".

وواصلت قائلة: "وباعتبار مجتمعنا ذكوري إلا أن ضغوطات الحياة هي من سمحت للفتاة بالخروج والعمل في تلك الأعمال التي هي من رأيي بادرة جيدة تشجع فيها الفتيات للخروج والاعتماد على أنفسهن في مواجهة أعباء الحياة والظروف الاقتصادية الصعبة ، في الوقت الذي صار رب العمل يعتمد اعتماداً كلياً على الفتاة في العمل وذلك لخصوصية بعض المحلات بعرض بضائعها ومنتجاتها للعامة .. لكن بوجود الفتاة تتلاشى ثقافة العيب والعادات خصوصاً وإن كان الزبائن هنّ من النساء والعوائل".

وأضافت: " كما أصبحت الفتاة واجهة مقبولة لاحترام مكان العمل وجديته وثقة الزبائن ورب العمل لأنها أقل استهتاراً من الشاب وأكثر التزاما بأداء مهام عملها وتطويره وخلق بيئة عملية ملائمة ".

اكتسبته بعد مشقة

بينما يقول د. "مأمون محمد عزعزي" بأن : " احتفال العالم بهذه المناسبة إنما يأتي تقديراً لدورها في مختلف نواحي الحياة، وليس فقط لكونها نصف المجتمع ، واستحقت المرأة هذا اليوم الذي اكتسبته بعد مشقة ولم يكن منحة لها.. وكان للحركة العمالية في بداية القرن العشرين آثارها التي أدت إلى الاحتفال بهذا اليوم والذي يتيح لنا فرصة التعرف والاحتفال بإنجازات المرأة" .

وواصل قائلا: " وقد شهدت الألفية الجديدة تغيراً كبيراً في الآراء والمواقف والاتجاهات التي تؤمن بها المرأة، حيث انتشرت فكرة المساواة والتحرير".  

وتابع قائلا: " ويمكن للمرء أن يفكر بأن المرأة حصلت على المساواة الحقيقية.. ولكن الحقيقة بأن المرأة في العديد من الدول لا تزال غير موجودة بأعداد مساوية للرجل في مجالات العمل .. وبالرغم من ذلك فقد ظهرت العديد من التطورات مثل تولي المرأة منصب رئاسة الوزراء ، وذهبت الكثير من الفتيات إلى المدرسة والجامعة وأصبح للمرأة القدرة على تكوين أسرة ناجحة ".

إنشاء أول فكرة

وبين مؤيد ومعارض لعمل الفتاة ، وبين الكفاح والإصرار على أن تكون عنصراً فاعلاً في المجتمع ، كانت للصحيفة وقفة قصيرة مع الأخت/ رندا محمد عبد الله الحسني صاحبة أول فكرة إنشاء مشروع خاص بالنساء (مطعم) في مدينة عدن فقالت: " جاءتني فكرة إنشاء المطعم بعد فترة الحرب، حيث توقفنا جميعاً عن أعمالنا التي كنا نمارسها قبل تلك الفترة.. فكان لابد من أن أعمل شيئاً أنعش فيه وضعي وعائلتي وأحاول أن أطور فيه من نفسي .. خاصة وأن الوضع الاقتصادي متدهور والحال متوقف".

وواصلت قائلة: " طبعا في بداية مشروعي واجهتني العديد من الصعوبات، لكن مع المثابرة والاجتهاد والإصرار على تحقيق حلمي تجاوزت كل هذه الصعوبات والمعوقات ".

وأشارت قائلة: "من الملاحظ في مدينة عدن توجد العديد من المطاعم السياحية ذات السمعة الطيبة والتي تسير على نفس الوتيرة – تعتمد على العنصر الذكوري في العمل – لذا فكان الغرض من إنشاء هذه الفكرة (المطعم) هو أن يكون خاصاً بالنساء بدرجة أساسية ومن جميع الجوانب ابتداءً من الشيف إلى المباشرات إلى الزبائن (النساء) وهذا الموضوع بحد ذاته يعمل على تشجيع وتحفيز المرأة على العمل.. كما أن اعتماد العنصر النسائي في العمل هذا يجعل الزبائن (النساء) يأخذن راحتهن في الأكل والشرب على عكس بقية المطاعم ".

إشعال الأمل 

وحول توقعاتها في درجة نجاح المشروع قالت: " كلنا نعلم أن البلاد تمر بوضع سيء وتدهور اقتصادي ملحوظ .. لكن إذا سيطر علينا هذا الأمر واستسلمنا إلى هذا الوضع فلن يتغير فينا شيء .. لذا لابد من أن نشعل شمعة الأمل في وجه الظلام ونتفاءل بغدٍ مشرق ونعمل على تطوير بلادنا بسواعدنا نحن أبناء هذه المدينة الصامدة ".  

وواصلت قائلة: " فعمل بعض المشاريع صغيرة كانت أم كبيرة ستساعد على إنعاش الحياة، كما ستعطي صورة حلوة لعدن التي لم تعرف الانكسار يوما.. وهذا بدوره سيعكس أروع الصور لهذه المدينة الباسلة وإن كانت هناك بعض المنغصات في حياة المواطن البسيط .. ولكن يبقى الأمل بالله كبير .. لذا أشجع كل امرأة على العمل والمثابرة مهما كان مشروعك صغير ابدأي بالقليل ومع الأيام سيكبر ويتوسع بإذن الله".          

كل المجتمع

وتعدُّ المرأة كلَّ المجتمع، فهي النصف الأول في المجتمع، وهي صانعة النصف الآخر (الرجولي)، كما أنها الشريكة والمكملة للرجل في عملية النهوض والعمران المجتمعي، وكذا السرّ في نجاح المُجتمعات والوصول بها إلى بيئة صحية مُتطوّرة من خلال إشراكها في مُختلف الأعمال، واستغلال قُدراتها التي تتوفّر فيها بشكل جيّد.

           

      

 

متعلقات
سجون الحوثي.. جرائم وانتهاكات على مرأى ومسمع من العالم
مؤسسة الصحافة الإنسانية ترصد وفاة 60 حالة وإصابة أكثر من 7 آلاف شخص خلال شهر فقط
التسرب المدرسي معضلة تهدد مستقبل الطالبات في ردفان
تقرير: "دثينة وقبائلها".. لا حياد في الحرب على الإرهاب
الأمم المتحدة تتهم جماعة الحوثي الانقلابية بعرقلة العمليات الإنسانية للشعب اليمني