بعد مرور قرابة السنتين على تحريرها من ميليشيات الموت والخراب، المتمثلة في جماعة الحوثي المدعومة من طهران وقوات الرئيس المخلوع صالح، مازالت مدينة عدن تحاول لملمة جراحها للعودة إلى الحياة من جديد، كعادتها في كل المنعطفات المؤلمة، التي مرت بها خلال العقود الماضية، فقد عرفها سكانها والعالم، مدينة لا تعرف الانكسار ولا تخضع للملمات.
وتشهد عدن اليوم عودة تدريجية وبطيئة لحياة طبيعية مفترضة، فالحدث كان كبيراً ومؤلماً ومكلفاً، والعدو مازال يترصد, غير أن أهالي المدينة كعادتهم، يصرون على تجاوز الآلام والخسائر، وفي المقابل، فحكومة الشرعية لم تقم بواجبها بإعادة الحياة بوتيرة سريعة، بل تتلكأ كثيراً حيناً، وأحياناً تشكو من عجزها الكبير، لينعكس هذا كله على رؤوس المواطنين، بانقطاع الماء والكهرباء وعدم توفر المشتقات النفطية لعدن، وهذا أوجد نغمة كبرى لدى الناس، قائلين بأن هذه هي العاصمة، وليس أي شيء آخر!، وكان يجب أن تكون أنموذجاً للتعمير والبناء لا أنموذجاً للأزمات وخراب البيوت، حسب قولهم.
الانفراج الذي يعيشه اليوم أكثر من مليون مواطن في مدينة عدن، ما زال منقوصاً بعد مرور ما يقارب العامين على تحريرها من الحصار الجائر، فهؤلاء ينتظرون الكثير ليعودوا إلى حياتهم السابقة كما كانت قبل الحرب، بعدما تدهورت حياة الناس ومعيشتهم وبعدما فقدوا كل مقومات الحياة الكريمة حينها، وفقد البعض أحباءه إما بآلة القتل أو بالأمراض والأوبئة التي فتكت بالمئات منهم.
الأمل بانتصار ثاني
ومثّل الانتصار العسكري الذي تحقق في عدن والجنوب عبر بوابة المقاومة الجنوبية وبدعم من التحالف العربي العمود الفقري لعودة الحياة؛ لكن الحكومة لم تقم بواجبها في توفير الميزانيات التشغيلية للعاصمة وما حواليها، وبذلك يتمنى المواطنون انتصاراً ثانياً لا يقل صعوبة عن الأول في عودة الحياة إلى طبيعتها في المدينة المسالمة والمقاومة في آن واحد، ما يفرض الالتفات أولاً إلى تطبيع الحياة في المدينة، وتأمين احتياجات ساكنيها من كهرباء وماء وأمن وخدمات أساسية ، وإعادة الخدمات إلى أحيائها، و إيواء النازحين الذي تدمرت منازلهم أثناء الحرب ، فبعد قرابة السنتين من الحرب العدائية المدمرة التي انتهجتها ميليشيات جماعة الحوثي والرئيس السابق صالح لم تستطع مئات الأسر العودة إلى منازلهم.
ويقول "حمدان القعيطي " الطالب في كلية الإعلام، وأحد سكان العاصمة عدن : " إن ميلشيات الحوثي وصالح أثناء الحرب دمرت منازل ومدارس ومنشآت حكومية وأجمل فنادق المدينة ومستودعاتها التجارية، بل أحالت بعض المباني إلى ركام، كما دُمر جزء كبير من البنية التحتية لجميع الخدمات الأساسية مثل أسلاك ومحولات الكهرباء وخطوط وشبكات والمياه، حتى المتنزهات لم تسلم من عبث الميليشيات، التي تعرضت لتدمير ولم يسلم بعضها من أيادي السرقة عند اقتحامها المدينة والسيطرة عليها وقبل إرغامها على الخروج منها " ، مضيفاً: " صحيح فبعد مرور أكثر من السنة وبعض الشهور من تحرير المدينة مازال المواطن فيها يعاني من انقطاعات الكهرباء المستمر وفترات انعدام لمشتقات النفطية حتى المياه ، ولكن علينا أن نعلم أن الحرب لا تزال قائمة ، والعدو مازال يبت سمومه عبر عملائه في المحافظات المحررة والجبهات المشتعلة، وعلى الرغم من ذلك إلا أن الحياة بدأت تعود رويداً إلى المدينة، إلا أن هذه العودة تحتاج إلى مزيد من الوقت لمعالجة الآثار التي خلفتها الحرب القذرة , وتلاشي فساد منظومة حكمت لسنوات".
أما "وافي هاني" ناشط المجتمع المدني يقول : " إن عدن بعد تحريرها بسنة تعاني من أبنائها و المحسوبين عليها لجانب مؤامرات العدو ، فالاستغلال من أبنائها لبعضهم بات من الممكن أن يلاحظه أي زائر للمدينة ، فمثلا عمليات السمسرة التي باتت مشروعة في جميع فروع بريد عدن بين الموظف و المواطنين الذين ينتمون لنفس المدينة ، ودس الوجع في احتياج الناس أو سائقي الباصات الذين يشقون على أبناء هذه المدنية ويزيدون من معاناتهم برفع أجور المواصلات عن عمد ومن تلقاء أنفسهم ولأسباب تكون عادةً في انعدام المشتقات النفطية.. وغيرها الكثير من عمليات استغلالية يمارسها الإخوة أبناء المدينة فيما بينهم.."
بين كل هذه تبقى العزيمة قوية لدى سكان العاصمة عدن التي أبت أن تكون تحت رحمة الغزاة، مهما قاموا بتعذيبها بمسلسل الخدمات.