بات يعرف مرض " السرطان " بطاعون العصر ، حيث تشير الدراسات بأن هذا المرض يدمر حياة الآلاف من البشر حول العالم سنويا ، فليس له عينة محددة ولا أسباب محدودة لوجوده، فهو لا يفرق بين الكبار والصغار ولا الرجال و النساء فمن المحتمل وجوده بأي إنسان .
وبهذا الصدد، نظمت جمعية مكافحة أورام الأطفال الخيرية بعدن يوم الإثنين الماضي مهرجان الطفولة لصالح مرضى سرطان الأطفال ، كشف ذلك المهرجان معاناة عشرات الأطفال الذي تحملوا أوجاعاً فاقت أعمارهم بسنين كثيرة ، تساقط شعر رؤوسهم كأوراق الخريف ، وأصبحت أجسادهم هزيلة لا تقوى على تحمل ذلك الوجع الكبير الذي حل بهم جميعا ، رغم قساوة الواقع وإهمال الدولة لم يستسلموا لذلك المرض الخبيث ، وبقيت أجسادهم الصغيرة تقاوم بطرق مختلفة ، رغم الإهمال الكبير الذي يحفهم إلا أن اللمسة الإنسانية التي منحتهم جمعية مكافحة الأورام كان لها أثر كبير على نفوسهم جميعا ، وكانوا يتحركون كـ عصافير صغيرة خرجت من القفص بعد سنين .
قصص أولئك الأطفال قاسية وموجعة جدا ، وتحتاج إلى رعاية كاملة من المختصين الذين للأسف تَرَكُوا أسر الأطفال يصارعون الوجع لوحدهم متحملين كل هموم الدنيا فوق عاتقهم راضين بأقدار الله وصابرين على كل شيء .
الطفل أحمد محمد الذبحاني ،واحد من الذين اختارهم الله لهذا المرض ، أُصيب قبل حوالي خمس سنوات بمرض سرطان الدم من الدرجة الثانية ، بداية مرضه لم يستطع الأطباء تشخيص حالته جيدا فمنحوه علاجات خاطئة علها تخفف أوجاعه فلم يستطع الدكتور تخيل جسد أحمد الصغير يحمل وجع مرض كبير بحجم السرطان لكنه عرف ذلك حينما ظهرت أعراض ذلك المرض وخصوصا انتفاخ البطن و تضخم الكبد ، عرف الطبيب المرض ولم يعرف الطريقة التي يستطيع من خلالها إخبار والديه بذلك المرض الخبيث .
صدمة قاسية!
أخبرهما بذلك فكانت صفعة القدر قاسية لهما ، فلا شيء في الدنيا يوازي ابتسامة طفلهما الصغير " أحمد " لكنهما حمِدا الله على كل شيء ، وبدأ مشوار الوجع يرافق تلك الأسرة باحثين عن بلسم علاج لجسد أحمد ، تم نقله إلى أحد مشافي مصر ، وهناك مكث أربعة أشهر لأخذ جرع الكيماوي التي غيرت ملامحه البريئة و أضعفت قواه الجسدية وكادت أن تقتل بسمة شفتيه ، و عاد الطفل الصغير إلى عدن بملامح مختلفة لكنه يشبه أحمد!، مكث في عدن عدة أشهر وأبلغ الأطباء والديه بأن عليهما العودة إلى مصر من أجل جرعة أحمد الثانية ، وفي ذلك الحين دقت طبول الحرب وتوقفت عجلة الحياة وأصبح من الصعب السفر إلى الخارج لكن إصرار والديه و مساعدة أصدقائهما استطاعت الأسرة العودة مجددا لعلاج أحمد وأخذ جرعته اللازمة .
أم أحمد كانت تعمل في إحدى المؤسسات و طالبة في قسم الدراسات العليا بجامعة عدن ، وكانت لديها منحة دراسية إلى الخارج لكنها تركت كل ذلك وبقيت بجانب طفلها الصغير محاولة مشاطرته الوجع ومنحه أقساط الراحة و السعادة ، تحدثت بوجع قائلة : أنها تركت كل شيء من أجل صحة أحمد ومشاهدة ابتسامته البريئة ، وأضافت بأن أصعب ما يتصوره الإنسان أن يرى فلذة كبده يعصره الألم ويقف عاجزاً عن صنع أي شيء ، وذكرت بأن أحمد غالبا يستيقظ في وقت متأخر من الليل بسبب شدة الألم ولا تجد له إلا دموعها ودعواتها الصادقة راجية من الله بأن يلبس صغيرها لباس العافية ويخفف عنه أوجاعه ...
معاناة أسرة ورسالة مريض
إما والد أحمد فقد ظهر أكثر صبراً و قوةً ، وتحدث بشفافية قائلا : " أكثر ما يوجعني حشرجة صوت ابني عند الألم ، نظراته توجعني و دموعي تتجمد في مقلتيَّ ، وأحاول مواساته والسؤال عن صحته لتخفيف أوجاعه ، أحمد الله على كل شيء فقد بدأت صحته تتحسن وبدا يستجيب للعلاج بشكل كبير " .. وفي الختام وجدنا (علي) شقيق أحمد ( 13 )عاماً .
والذي من خلال حديثه شعرنا بأننا أمام رجل يدرك كل أوجاع الحياة ، تحدث عن أخيه قائلا : " كنت أشعر بمعاناة أحمد و أتألم لأوجاعه ، ولكنني كنت أحاول إخفاء ذلك الألم لكي لا أضاعف آلامه ، كنت أتظاهر بالقوة رغم خوفي عن سلامته ، كنت دائما أخبره بأنه سيتعافى و سيعود كما كان في السابق " . وأضاف: " كنت دائما بجوار أخي ، وتخليت عن الخروج للشارع أو اللعب مع أصدقائي "
لم يكن أحمد وحيدا في مواجهة قدره ، فقد تحملت أسرته جميعل دفاعا عن صحة أحمد وبحثا عن بلسم يعافي أوجاعه كلها ويعتق جسده الصغير من مرضه الخبيث ، وفي مهرجان الطفولة ظهر أحمد فوق خشبة المسرح قويا متماسكا قدم خلاله كلمة الأطفال المرضى والتي جاء فيها : " نحن أطفال مرضى السرطان نناشد القلوب الرحيمة و العقول النيرة وأصحاب الخير ونقدّم دعوة صادقة من قلوبنا الصغيرة التي أنهكها المرض وألمه دعوة إلى أهل المروءة والعطاء لتقديم يد العون لنا و لأسرنا الصابرة معنا والمحتسبة عند الله حتى نكمل رحلة الألم بإذن الله عز وجل للوصول إلى محطة الشفاء وذلك بمساعدتكم و وقوفكم معنا ".