إن نمط الأسرة الريفية أكثر إحكاماً في تنظيمها من الأسرة الحضرية .. وتلعب العصبية القبلية دوراً هاماً في تنظيم العلاقات ، وضبط السلوك بين أفراد العائلة ، والمجتمع في هذه المناطق الريفية يعرفون بعضهم بعضاً ، فالتزاور بين أهالي الجيرة الواحدة أمر مألوف وعادي ، وتبادل أدوات النظافة ، والأدوات المنزلية ، وفرح العائلة في المنطقة هو فرح الجميع إلى غير ذلك من مظاهر التواصل الاجتماعي.. " الأمناء" خرجت بهذا التقرير وإليكم تفاصيله:
للقرى سلوك مميز
في لقاء خاص مع كبار السن يحدثوننا عن نمط الأسرة الريفية وكان من بينهم الوالد / عبدالله لجدل من أهالي قرية "القاع" بريف أبين يحدثنا عن ذكريات أيام زمان فيقول: «للقرية طابع أهلي مميز، يربط الناس ببعضهم بعضاً، فالزيارات بين العائلات والأهل والأصدقاء، لا تحتاج لمواعيد مسبقة. قد يزورك زائر في الساعات الأولى من الصباح، أو حتى في وقت متأخر من الليل، على عكس سكان المدينة، المجبرين على الالتزام بالوقت والموعد المحدد مسبقاً. ناهيك عن مشاركة كافة أهالي القرية في الأعراس وفي المناسبات والمصائب والمحن ، قد يجتمع عدد كبير من الضيوف والزوار في بيت أحد أهالي القرية لتناول طعام الفطور، الذي يمكن أن يختصر على خبز من الحبوب مصحوباً مع اللبن وصليط الجلجل البلدي ومع ذلك لا يجد صاحب المنزل في ذلك أي إحراج أو غيره، بل على العكس تماماً تكون الجلسة واللمّة أكثر حميمية وأهلية، من مثيلاتها من سهرات المدينة التي يبدو عليها طابع البذخ والإسراف».
يتذكر الوالد / الخضر عمر حسين من أبناء (العين) , بعض عادات أهل الريف ليبوح ببعض من هذه الكنوز قائلاً: «يجتمع الناس في حفلات الأعراس، وتوجه الدعوات إلى كافة أهالي القرية، وإلى بعض القرى البعيدة والقريبة ، يجتمعون لتناول طعام الغداء في بيت أهل العريس، وعلى الأغلب في مكان واسع، للقيام بالرقصات وإلقاء القصائد الشعرية، التي تعتبر من أهم عادات وتقاليد الريف. بعد تناول عشاء العريس، توجه الدعوات للقيام بزيارات إلى منازل أهل القرية، حيث يصطحب كل واحد من أهل القرية بعضاً من الضيوف والزوار، لأنهم أصبحوا زوار القرية، ويقع على عاتق كافة أهل القرية الاهتمام بهم والقيام بواجب الضيافة» .
القيم الاجتماعية والدينية
الوالد" قاسم بدور" من أبناء الصرة من كبار وجهاء المنطقة يتحدث عن بعض المعاني والقيم الاجتماعية والدينية لعادات وتقاليد أهل الريف، فيقول: «ليس غريباً أن يبقى أهل الريف أكثر تمسكاً بالحفاظ على العلاقات الاجتماعية والأسرية أكثر من مجتمع المدينة، لأن طبيعة الحياة في القرية، أقل تعقيداً وتشابكاً من تلك الناشئة في المدينة ، أضف إلى ذلك أن جميع الأديان والكتب السماوية، تدعو إلى الحفاظ على التواصل والتراحم بين الناس، خاصة ذوي القربى.
فتجد أصحاب الشأن يسهمون في المصالحات بين الفرقاء المتنازعين، وأكثر ما يتجلى ذلك قبل قدوم الأعياد يجتمع الناس لمعايدة بعضهم بعضاً في الأعياد والمناسبات ، والاشتراك في توزيع هدايا العيد. كذلك الحال في شهر رمضان وفي العشرة الأيام التي تسبق عيد الأضحى المبارك. فالكثير من الخلافات والمنازعات التي تنشأ بين الناس، قد لا تصل إلى المحاكم أو الشرطة، لأن أهل الخير يتدخلون ويبذلون أقصى جهدهم لفك الخلاف وإحقاق الحق وإصلاح ذات البين، قد ينتهي نزاع كبير ببوسة ذقن وشربة فنجان من القهوة! ، وهذا بالتأكيد قد لا نجده يحدث في المدينة».
التمسك بالعادات رغم مرور الزمن
الوالد / عبدالله عبدربه حبيبات تحدث عن عادات وتقاليد الريف ويقول : " ويتميز أهل الريف، بعاداتهم وتقاليدهم، وعدم تخليهم عنها ومحافظتهم عليها على الرغم من مرور الزمن وتطور أساليب الحياة ، ورغم البعد والمسافات التي تفصل القرى وتبعد الناس عن بعضهم بعضاً لم تقف هذه المسافات ومشاغل الحياة حائلاً دون ذلك، فيجتمعون من كل القرى، ويتشاركون في الأفراح والأتراح .
أما سكان المدينة ، أو الإنسان المتحضر ، فقد أدى تحضره إلى ضعف في العلاقات بين الناس حتى في نفس الجيرة ، فالساكن في أي عمارة من العمارات الكبيرة يعرف هذا حق المعرفة .. فقد تمر أعوام دون أن يتعرف على جيرانه في نفس العمارة ، بل قد تمر المناسبات دون أن يتبادل التهنئة مع سكان العمارة نفسها !.."
ويضيف : " وقد تكون العودة إلى العلاقات الاجتماعية كالماضي ، أو كأحسن ما كانت عليه ، من الصعوبة جداً ، وذلك لأن الجيل الناشئ كأبناء الإخوة والأخوات ، وصل بهم الحال أن أحدهم لا يتصل بالهاتف لأنه لا يعده شيئاً ، وبهذا تكونت لديهم عادات ذات مستوى منخفض من الصلة أو شبه معدوم ، وارتباطاتهم فقط أصبحت مع الأصدقاء ، لأنهم يسيرون على ما تمليه عليهم أهوائهم ، لا على ما فرضه عليه ربهم .. وربما لا يزيح الغبار عن هذه العلاقات الفاترة إلا بالتعامل مع الله في احتساب الأجر ، والعزيمة الصادقة ، ومعرفة أجور وبركات الصلة .."
السيدات وخبز التنور والعصيد..
السيدة "أم علي " وهي ربة منزل من قرية ريفية من ريف أبين تصف عادات أهل القرية بأنها أغلى من الذهب وتتابع القول: «في حالات الأفراح والأعراس تقوم النسوة بزيارة أهل العريس، حاملين معهم خبز التنور أو العصيد ، تخفيفاً عن أهل العريس ،إضافة إلى جلب الحطب لأهل بيت العروس ، يتعدى الأمر ذلك كالطلب من إحدى بنات الجيران المبيت والنوم عند جارتها، التي غاب عنها زوجها لسبب من الأسباب. حتى في حالات الوفاة، تجد الكثير من النسوة ينامون في مكان العزاء، من دون أخذ الإذن من الزوج أو الأخ والأب. وعلى ذكر العزاء، من المعيب عندنا أن تقوم ربة المنزل بنشر الغسيل على الأسطح أو الشرفات، إذا كان عند أحد الجيران حالة وفاة .
كما يتم تأجيل إقامة الأعراس والأفراح في القرية لمدة لا تقل عن الشهر وقد تصل إلى أكثر من ثلاثة أشهر، في حال وفاة أحد الأشخاص في القرية، حتى وإن كانت لا تربطك به علاقة قربى، فاحترام مشاعر بعضنا بعضاً من عاداتنا وتقاليدنا التي ورثناها من أيام الأجداد أيام الزمن الجميل ".