التعليم في الجنوب وتدهوره .. خِنجرٌ في قلوب أبنائنا
تقرير/ الخضر عبدالله

يتراجع التعليم في المحافظات الجنوبية بشكلٍ مستمر، فمعظم المدارس خالية من التعليم، وأضحى الكثير من المدرسين المختصين بالتدريس في خانة جلب البدلاء بنصف الراتب، والذهاب للبحث عن وظيفة أخرى لتحسين المعيشة، ومئات الطلاب والطالبات باتوا على وشك السقوط في براثن الجهل والأميّة في عصر العلم والضوء والكلمة، وكل ذلك جراء جملة من التقصيرات التي تبدأ من إدارات التربية في المحافظات مروراَ بالكادر التربوي وصولاَ إلى وليّ الأمر والذي لم يضبط ابنه للالتزام على المواظبة والحضور إلى المدرسة، ومن هذه المسببات نجد أننا أنتجنا جيلاً معوقاً فكرياً ومشوه المعالم والشخصية، وكل ذلك يندرج تحت بند تراجع التعليم بشكل ملحوظ في المدارس، والكثير من البنين والبنات باتوا تحت خط الأمية..!

 "الأمناء" حاولت أن تقترب من موضوع التعليم في المحافظات الجنوبية، ورصدت لكم أهمَّ ما يُعانيه وضع التعليم..

حجر الأساس

كانت البداية مع شريحة المعلمين، حيث تتحدث "خديجة علوان" - وهي معلمة  تربوية - عن أسباب تدني مستوى التعليم:" تعد عملية التعليم حجر الأساس في بناء الدول , بل لا نبالغ إن قلنا أنها وحدها من تصنع الحضارات التي يحق لها البقاء والانتشار ، فقوّة أي بلد من بلاد العالم تعتمد على قوة تعليمها , ونستطيع القول باختصار أن التعليم هو الترمومتر الذي نقيس من خلاله قوة البلدان وضعفها , لذا نجدها تشغل بال المهتمين والمدركين في حجم أهميتها, إلا أننا لا نزال في بلادنا ولاسيما المحافظات الجنوبية نشكو من استمرار تندي مستويات التلاميذ " .

وأضافت :" وكذلك ظاهرة (البديل) ، هو شخص قد يكون مؤهلاً أو غير مؤهل يدرس بدل المعلم الرسمي بمبلغ ويكون متفق بينه وبين الإدارة ، المعلمون المغتربون هم معلمون رسميون أسمائهم موجودة في كشوفات العمل لكنهم لا يباشرون بسبب اغترابهم ، فيكون اتفاق على خصم مبلغ من رواتبهم وممكن يأتوا بمدرس بدلاً عنه , ومجالس الآباء والأمهات غير مفعل في الفترة الأخيرة ، وهذه أيضا إحدى المشكلات في التعليم ، الحلّ منظومة متكاملة من اتفاق الخدمة المدنية والتربية والمالية والبريد بتصحيح الوضع  في مسار العملية التربوية" .

أسباب عديدة..

في البداية قال الأستاذ/ عبدالله علي أحمد - أخصائي تربوي- :( إن تدني المستوى التعليمي والتربوي  في المحافظات الجنوبية يعود إلى أسباب عديدة ، وقام بتلخيصها ـ في النقاط التالية : ظاهرة ترفيع الطلاب الراسبين ، وعدم وجود استراتيجية تعليمية أو سياسية صحيحة لوضع منهاج دراسي واحد للتعليم ، لأن  ما يدرسه التلاميذ والتلميذات - وعلى حد قوله - ما هو إلاّ عبارة عن مقررات دراسية توليفية ، بالإضافة إلى قصور في المقررات وعدم مواكبتها لتطورات العصر واحتياجات الزمن ،وعدم وجود نسبة عالية من المعلمين المؤهلين تأهيلاً جيداً ، وغياب عملية التقييم الصحيح والتقويم المناسب للإدارات المدرسية ، والافتقار إلى المعنيات ووسائل الإيضاح ، وكذا إلى المباني المدرسية المتكاملة ، بالإضافة إلى الكثافة الطلابية في معظم المدارس ، إن لم يكن في جلها" .

ويواصل الأستاذ  / عبدالله حديثه الشيق حول ظاهرة تدني المستوى ويقول : (( لا أنسى أن أقول بأن هناك ضعفاً واضحاً وملحوظاً في إعداد المعلم ، ناهيكم عن محدودية تدريبه وتأهيله أثناء فترة خدمته في التدريس ، ، وأجدها فرصة لأقول ومن على منبر " الأمناء " بأن ظاهرة تسرب الطلاب من مدارسهم ازدادت في الآونة الأخيرة ، وينبغي أن يكون هناك تعاون جاد ما بين المدرسة والأسرة حتى نتمكن معاً في القضاء على هذه الظاهرة ، نعمل سوياً من أجل أن ينشأ لنا جيل واعٍ فاهم متسلح بالعلم والمعرفة " .

أسباب تدني التعليم

من جانب آخر قال الأكاديمي/  خالد صالح العولقي ,ملخصاً حديثه بالنقاط الآتية حول تدني مستوى الطلاب في المدارس: (كثافة المنهج، ظاهرة الغش التي أصبحت منتشرة في ربوع المحافظات الجنوبية كسياسة لجيل قادم أمي، وعدم المتابعة من قبل جهات الاختصاص في المحافظات والمديرية حول تعليم وطرقه العلمية، وكذا عدم متابعة أولياء الأمور لأبنائهم الطلاب..)

ويستمر الأستاذ/خالد العولقي ,في حديثه ويقول : (( أتوجه بالنصيحة للإخوة والأخوات مدراء ومديرات المدارس أن يختاروا مدرسيهم بأمانة وبالذات للسنوات الأولى من (1-4) وبالأخص سنة أولى وثانية ، ولكن للأسف الملاحظ بعض الإدارات يهمها إشغال الفراغ بمدرس لهذه المراحل وفي الأخير يؤدي إلى عدم تغيير أي شيء في سلوك الطالب التعليمي ، بحيث مع الطالب إلى سنة ثانية وبالمثل أيضاً في سنة ثالثة يرفع إلى سنة رابعة وهكذا ومن هنا تبدأ الكارثة والألم أن الطالب لا يعرف إخراج الحروف الهجائية لأي كلمة !..))

ويواصل الأكاديمي / خالد العولقي الحديث معنا حول أسباب تدني مستوى الطلاب والطالبات في المحافظات الجنوبية : عدم تأهيل المعلمين والمعلمات، وعدم وضع المعلم المناسب في المكان المناسب أي أن يعلّم ويدرس وفق تخصصه ، وأيضاً عدم اختيار الإدارات المدرسية الكفؤة ، بل ما يحدث هو التعيينات وفقاً للمحاباة والتحايز والجوانب السياسية، وعدم تفاعل وارتباط البيئة بالمدرسة ، وعدم تفعيل مجالس أولياء الأمور من قبل الإدارات التربوية والمدرسية، وأخيراً ضعف المكانة الاجتماعية للمعلم أو المدرس وعدم إعطائه حقه..

حظوة التأهيل

أما الأستاذ /صالح حسين السالمي- وهو مدير مدرسة - فيقول : ( من الأسباب المساهمة في تدني مستويات التلاميذ : أن معظم المعلمين في مدارسنا لا يمتلكون المقدرة على توصيل مفاهيم التعليم إلى أذهان التلاميذ كونهم لا يحظون بالتأهيل المناسب ، بالإضافة إلى صعوبة وحشو بعض المقررات الدراسية التي تخلف الملل والسأم سواء للتلميذ أو المعلم ، وكذا عدم تنويع المعلم لطرائف التدريس وإعطاء كل درس طريقة مصفية تشد التلميذ إلى المادة الدراسية وإغناء هذه الطرائف بالأساليب السهلة البسيطة أثناء شرح الدرس ، مما يسهل عملية تقبلها وفهمها لدى التلميذ، ولا ننسى هنا أن نذكر شطحات بعض المعلمين للأسف الشديد في اتباع أساليب جامدة وأحياناً قاسية في معالجة الفروق الفردية للتلاميذ واستخدام ألفاظ السخرية من أخطاء التلاميذ ، مما يولد الخوف والخجل عند التلاميذ ، وبالتالي زرع الكراهية في نفوسهم للمادة الدراسية والمعلم! ) .

ويضيق في سياق حديثه قائلاً: ( لا يعمل بعض المعلمين أثناء تصحيح أعمال التلاميذ على توضيح الأخطاء التي وقعوا فيها ، ما يؤدي بهم إلى اعتبارها صحيحة ، ناهيكم عن عدم مراعاة الأسر بدراسة أبنائهم والاهتمام بتفتيش كراساتهم وتوجيه أبنائهم إلى المراجعة والاستذكار ، وبالإضافة إلى وجود هوّة كبيرة في معظم الأحيان في العلاقة ما بين أولياء الأمور والمدرسة ، فالاعتماد الكلي على المدرسة لا يكفي ، فلابد من زيادة ولي الأمر للمدرسة بشكل متكرر وللحصول على نتائج مثمرة من هذه الزيارات ، وهناك الآباء والأمهات عند استدعائهم للحضور المدرسة  ، إما لتدني مستوى أبنائهم التعليمي أو لعدم كتابتهم للدروس أو إهمالهم المدرسية ، فإما أنهم  يحضرون على مجرد حضور أو أنهم يتجاهلون هذا الأمر ، ما يزيد التلميذ إهمالاً وضرباً على الحائط بكافة التوجيهات والإرشادات والنصائح التي تقدم لهم من المعلمين في المدرسة ).

عملية مركبة

الأستاذ/ لطفي حسن - تربوي – قال : " تدني مستوى التعليم للخوض فيه يتطلب مساحةً كبيرةً من الوقت لمناقشته ؛ لأن تدني مستوى التعليم هي عملية مركبة من مجموعة متراكمة من السلبيات على مستوى الكتاب المدرسي وجودته وفاعليته في نمو معارف وسلوك ومهارات ومتطلبات العصر أو من ناحية المعلم وقدراته في توصيل القرارات أو الإدارة القادرة على التخطيط والتنفيذ والمتابعة والتي تفرغ نفسها للعمل التربوي والتعليمي ومتابعته وليس للعمل السياسي .

وكذلك المبنى المدرسي الذي بدوره يمثل الأهمية في التصميم وسعة الفصول الدراسية وعدد التلاميذ حتى يستطيع المعلم توصيل المعلومة إلى التلاميذ ويستفيد التلاميذ من شرح المدرس".

ويتابع حديثه : "  انهيار التعليم وغيره يمكن أن يتم تلخيصه في عمليات النجاح والنقل الأوتوماتيكي للطلاب ، وعند دراسة مستوى التلميذ نجده صفراَ وخير دليل على ذلك صراخ العديد من الأكاديميين في الجامعات أنه لا يوجد أي دور للتعليم الأساسي والثانوي ، فجميع الطلاب في مستوى أول جامعة لا يجيدون القراءة والكتابة!.."

متعلقات
سجون الحوثي.. جرائم وانتهاكات على مرأى ومسمع من العالم
مؤسسة الصحافة الإنسانية ترصد وفاة 60 حالة وإصابة أكثر من 7 آلاف شخص خلال شهر فقط
التسرب المدرسي معضلة تهدد مستقبل الطالبات في ردفان
تقرير: "دثينة وقبائلها".. لا حياد في الحرب على الإرهاب
الأمم المتحدة تتهم جماعة الحوثي الانقلابية بعرقلة العمليات الإنسانية للشعب اليمني