في تساؤل يفرض نفسه: من المسؤول عن تدمير العقل البحثي الجنوبي ؟ 1-2..مركز أبحاث الكود الزراعي بأبين هل يعود مجده من جديد؟!
استطلاع/ أحمد حسن العقربي

وجهتنا هذه المرة كانت محطة (مركز أبحاث الكود الزراعي) بمحافظة أبين الزراعية الواعدة مصدر أمننا الغذائي والتي عبث بها تتار وبرابرة المغول وجحافل الوحش الإرهابي "جنكيز خان اليمن".

فما أشبه اليوم بالبراحة بما عبث به تتار العصر الحوثيون والعفاشيون والظلاميون أعداء العلم والمعرفة ، وها هي منطقة (الكود) الزراعية شاهدة عيان على ما عبث بها هؤلاء الوحوش وما قاموا به من تدمير وحرق ونهب لأكبر محطة أبحاث زراعية على مستوى الجنوب ودول الجزيرة والخليج بل وعلى مستوى الشرق الأوسط والتي تأسست عام 1946م .

 

البحث عن حقيقة تدمير المركز البحثي

 

وأنا في طريقي إلى منطقة الكود بمحافظة أبين أثار انتباهي واستغرابي تلك الأسوار الطويلة والعريضة والواسعة بمحاذاة الساحل التي تحتجز الآلاف من الكيلومترات التي استحوذ عليها لصوص الأرض والفاسدون ، فلم يقف استغرابي وحزني عند هذا الحد بل شدني قلقي وفضولي الصحفي أن أسأل أحد ركاب السيارة وهو من أبناء منطقة الكود الزراعية ومن المهندسين الزراعيين المغضوب عليهم من انطبق عليهم خليك في البيت منذ عام 1990م! ،  قلت له ما هذا العبث بالبحر والأرض ؟ ، قال: " لقد نصحنا كثيراً أنه لا يجوز حجز السواحل وعلى الكثبان الرملية المحاذية للساحل وحثينا أصحاب الشأن بأن تغرس أشجار أو تزرع نباتات في هذه الكثبان الرملية لإيقاف زحف الرمال على الساحل ! "

 

صدمة الاندهاش !

 

وصلنا منطقة الكود وأثار اندهاشي وحزني المشاهد المدمرة ، فرأيت مباني وأصول المحطة لم يبقَ منها إلا أطلال!  فتنهدت تنهُدات حزينة ، ثم تنفست الصعداء فقلت في نفسي وأنا استجر ذاكرة أبين الزراعية راثياً لها .. إنها حضارة زراعية سادت ثم بادت.. فأين أشجار المانجو والموز؟! ها هي اليوم قد تحولت أشجارها إلى عيدان للاحتطاب! أما جنائنها الخضراء الغنّاء وفواكهها قد تحولت إلى غابات من أشجار السيسبان الطفيلي التي تترك أثراً سلبياً على التربة الزراعية! ،  إنه مشهد مؤلم بكل ما تحمله الكلمة من معنى.. أحد المواطنين البسطاء من أبناء الكود قال لي ساخراً: " عادك ما شفت من الجمل إلا ذيله!.. لكن عندما ستصلون إلى مبنى محطة الكود ستنصدمون بمشاهد أكثر إيلاماً خصوصاً إذا كنتم قد زرتموها في وقت سابق قبل هذا العبث والتدمير الوحشي لإحدى المعالم الوطنية والإقليمية العلمية التي شكلت أساس مدماك أمننا الغذائي على مستوى الجنوب " .

 

ماذا جرى للورشة الفنية؟!

 

وصلنا محطة الكود الزراعية الساعة العاشرة صباحاً ، وهناك وجدت المحطة ومبانيها خاوية على عروشها أو أشبه بالأطلال لما تبقى من الحضارات العمرانية القديمة ، لم أجد أحدا سوى عدد من أبناء المنطقة ، البعض منهم من الباحثين الزراعيين والمنتسبين لهذه المحطة ، وجدتهم يبكون الأطلال ويبكون مجد محطتهم ، قالوا لنا : " الله يجازي من كان السبب!.. " ، استأذنتهم فلم يمانعوا من تجولي بين أطلال المحطة ، قالوا : " لا رقابة عليك سوى ضميرك الصحفي تنقل فهذا الواقع المؤلم بأمانة ".

وعلى التو اصطحبني البعض من الباحثين والمواطنين هناك فتجولت بين المباني المدمرة والأطلال الباقية الشاهدة على وحشية التتار الذين دمروا المحطة ، واطلعت عن قرب عن آثار التدمير لبقايا مبنى المحطة وأقسامها وبقايا محتوياتها المبعثرة والمتكلسة بمواد الطين ، ووجدت كل مباني المحطة قد أصبحت أثراً بعد عين ، وخاوية على عروشها! ،  فلم أجد حتى نافذةً أو باباً أو حتى بقايا أثاث مكتبية سوى آثار التدمير والتشرخ الذي طال جدران الأطلالية ، وواصلت تجولي حتى وصلت مبنى المختبر المدمر الذي أصبح هو الآخر في حكم كان هنا!!، فلا أجهزة ، ولا مختبرات ، ولا تجهيزات ، وبعضها ثمينة بملايين الدولارات!.. فلم أجد سوى هياكل إسمنتية فقط لم تقدر على حملها أيادي اللصوص والتخريب الذين باعوا ضمائرهم وتلوثوا بثقافة الفيد أو نتيجة حقد دفين على العلم والمعرفة، إنهم التتار ووحوش القرون الوسطى، بعدها اصحطبوني وعلامات الحزن تنبلج على جباههم على محطتهم البحثية ، إلى أن وصلت إلى رفات الورشة الفنية التابعة للمحطة التي طالتها أيادي التدمير،  إنها كانت منذ تأسست هذه الورشة في عام 1946م، تعتبر أكبر ورشة فنية على مستوى الجنوب والخليج والجزيرة العربية حينها مزودة بمنظومة هندسية وآليات حديثة ومكنة زراعية وتركترات وجرارات وسيارات وأدوات ووسائل إنتاج زراعية ، فضلاً عن ما تحتضنه من ذوي الكفاءة من الكوادر الهندسية المحترفة والمتخصصة في مختلف أعمال الصيانة والهندسة الزراعية ليس على مستوى أبين وإنما على مستوى الوطن والمنطقة الإقليمية بأسرها في ذلك الزمان من الحاصلين على مختلف التخصصات الفنية والبحثية الزراعية والحاصلين على شهادات الدكتوراة والماجستير والبكلاريوس والمعاهد الفنية  ، فضلاً عن الخبرات الفنية والهندسية الزراعية المتداولة منذ أن تأسست هذه المحطة كمرجعية فنية زراعية متميزة ، واليوم للأسف لم نرَ منها إلا هياكل أسمنتية وحديدية أصابها الصدأ إذا بها قد صارت في حكم المتهالكة ، حيث دمرت أصولها البحثية وعقلها الفني الهندسي! .

أحد الفنيين المنتسبين لهذه الورشة تحدث معي والدمع يتساقط من عينيه قائلاً : " دمروا حلمنا ! ..إنهم يأجوج ومأجوج الذين أفسدوا في الأرض وأكلوا الأخضر واليابس..إنه الحقد على الإنسان وعلى الحياة وعلى الحرث والنسل.."

 

وداعاً مكتبة المحطة!

 

ثم اتجهت إلى المكتبة البحثية العلمية التي كانت تحتضن الآلاف من التقارير العلمية البحثية والأبحاث لعلماء وكبار المهندسين والباحثين الزراعيين في مختلف التخصصات للنشاط الزراعي الذين أرسوا مدماك تطوير النهضة الزراعية في أبين وغيرها من المحافظات الجنوبية الزراعية.. إنها صدمة حقيقية صدمت بها أنا كصحفي وإعلامي وربما للإعلاميين الذين قد يزورون أطلال هذه المحطة جراء تدمير هذا المتحف العلمي الزراعي التراثي الأصيل الذي كان يتناغم مع آخر المستجدات البحثية الزراعية على مستوى العالم.. إن ما حدث لهذه المحطة البحثية هو بكل المقاييس العلمية المنطقية هو قتل للعقل ولذاكرة الجنوب العربي والزراعية.

هذا المشهد المؤلم أعاد بنا للذاكرة التاريخية  السوداء للمغول الذين أحرقوا مؤلفات العلم والثقافة والأدب والمعرفة والفلسفة الإسلامية في عاصمة الدول العباسية بغداد وبحقد دفين على المعرفة والثقافة .. إنه الحقد اللدود الذي قاده المتوحش والهمجي قائد التتار جنكيز خان وهو نفس هذا التوحش الذي تمثله قراصنة ووحوش العصر الحوثيون والعفاشيون تجاه شعب الجنوب وتدمير مقوماته ومقدراته.

 

متعلقات
سجون الحوثي.. جرائم وانتهاكات على مرأى ومسمع من العالم
مؤسسة الصحافة الإنسانية ترصد وفاة 60 حالة وإصابة أكثر من 7 آلاف شخص خلال شهر فقط
التسرب المدرسي معضلة تهدد مستقبل الطالبات في ردفان
تقرير: "دثينة وقبائلها".. لا حياد في الحرب على الإرهاب
الأمم المتحدة تتهم جماعة الحوثي الانقلابية بعرقلة العمليات الإنسانية للشعب اليمني