شهد العام 2016 الكثير من التحولات في الجنوب ، فهو أول عام يأتي في ظل تحرير أغلب المدن والمحافظات الجنوبية من مليشيات صالح والحوثي ، ويمكن للمراقب أن يلحظ أن سنة كاملة مضت كانت انطلاقة وقفزة كبرى إلى مستقبل مختلف تماما عن الظروف والواقع السيء الذي شهدته عدن خصوصا والجنوب عامة إبان سنوات حكم صالح ونظامه المرتكز على ولاءات لوبي الفساد المنتشر كالسرطان في مختلف أجهزة ومؤسسات الدولة. ولعل عدن كمدينة تمتلك رمزية خاصة، فكانت المنطلق المؤشر لحالة تغيير شامل تمتد رأسياً وأفقياً إلى مختلف مناطق الجنوب، كان اللواء عيدروس الزبيدي القائد الذي حمل في عهده تباشير المستقبل والتغير العاصف ويمكن اعتبار الرجل الشخصية المحورية الأهم خلال العام 2016 م بلا منازع .
واجه الزبيدي تحديات صنع مداميك هذا التغيير برفقه زميله مدير أمن عدن / شلال علي شائع وطاقم السلطة المحلية ، وخاضت عدن معركتها ضد الجماعات المتطرِّفة، التي كان أكثر المتشائمين يعتقدون أنها لا شك واقعة في براثن هذه التنظيمات أمر لا مفر منه إلا أن صمود الزبيدي ورفاقه تحول بوقت قياسي من الدفاع إلى الهجوم واستطاع تطهير عدن تماماً من التنظيمات الإرهابية على مستوى الوجود والشعارات والأنصار والنفوذ وحتى الفكر ، أصبح الفكر المتطرف يواجه خطر المفاهيم الجديدة التي تبثها السلطة الجديدة في وعي الشباب ولم يتبقَ أمام تنظيم القاعدة إلا عمليات انتحارية يائسة هنا أو هناك ، أما صناعة قرار المحافظة الأهم في الجنوب فتصاغ عباراته في مبنى إدارة المحافظة بالمعلا حيث تقطن سلطة عدن وإدارة الأمن العام بقيادة شلال شائع ، وربما كان انتصار عدن ملهماً لبقية المناطق المجاورة ، فسُحِقت جماعات الإرهاب من المكلا كلياً بعد عملية شاملة بإسناد مباشر من التحالف العربي بقيادة الإمارات العربية المتحدة والسعودية ، وفرض محافظ لحج ناصر الخبجي ومدير الأمن أيضا هيبة النظام وتساقطت أوكار الفوضى والإرهاب ، وبدأت الحياة تعود إلى طبيعتها في مختلف المؤسسات الرسمية وعلى مستوى المدينة ككل.
الكيان السياسي دعوة لإنهاء الانقسام
كانت دعوة القائد عيدروس الزبيدي القوى السياسية الجنوبية إلى الانضواء في إطار كيان سياسي واحد ، هي نقطة محورية جاءت كخطوة جريئة فرضتها الحاجة إلى إنهاء سنوات الانقسام التي سيطرت على الواقع الجنوبي في إطار مكونات الحراك ، مما عكس حالة من النزاع والتشرذم المستمر ، ولقيت الدعوة موجة من التأييد الشعبي وكانت مؤشراً مهماً على قدرة القوى السياسية على إيجاد كيان متوافق عليه يكون الإطار الشرعي والممثل للإرادة الشعبية الجنوبية بعد تضحيات كبيرة وغالية قدمها أبناء الجنوب سواء أثناء مراحل النضال السلمي أو الحرب التي لازالت رحاها تدور ويقدم فيها أبطال المقاومة الجنوبية تضحيات بطولية في مختلف الجبهات ، معنى هذا أن الكيان الموحد للجنوب سيسهم في حل القضية الجنوبية بشكل جذري ويتعاطى مع المجتمع الدولي الذي ما انفك يكرر تذمره من الانقسام الجنوبي ، ولكن أهمية الدعوة أنها صدرت عن جهة رسمية يعترف بها المجتمع الدولي كجزء لا يتجزأ من الشرعية وفي هذا العام عادت الحياة إلى طبيعتها في عدن ودارت عجلة التغيير لتمنح الأمل والتفاؤل..
وعن ذلك يقول "منصور زيد" مدير مكتب محافظ عدن : " استطاعت سلطة عدن تجاوز الكثير من العراقيل ، والأيام حبلى بالمفاجآت التي تثبت أن هذا الشعب يستحق السلام والاستقرار والحياة في ظل دولة عمادها المؤسسات وتسير وفق سيادة النظام والقانون ، فالإرهاب يحمل مشروع الموت ، وسلطة المقاومة الجنوبية تحمل مشروع الحياة والرفعة والكرامة.."
أما الناشط المدني والإعلامي "سيف الحالمي" فيقول بأن : " أهم الصعوبات التي أعاقت سرعة تطبيع الأمور في عدن متعددة يأتي على رأسها الطابع الأمني الذي نعتبره طبيعي لأي مدينة خرجت من حرب طاحنة ، ثم الجماعات التي تمارس أعمال الفوضى وإقلاق الأمن والمدعومة رأساً من نظام صنعاء نتيجة وشائج العلاقة القوية بين تلك العصابات والجهاز الأمني للمخلوع علي عبدالله صالح ، كما أن المدينة عاشت لسنوات لحالة شلل تام في المجال الخدمي ، والمؤسسات كانت تعمل بنسبة ضئيلة من قوتها الرسمية ، ولاشك أن القطاع المدني أيضا توجد فيه معوقات تحتاج إلى عمل دؤوب ، فالفساد المالي والإداري والمحسوبية كانت سمة بارزة وكانت تركة ثقيلة تركتها السنوات السابقة.. ، المحافظ الجديد عيدروس الزبيدي وطاقم السلطة المحلية الجديد استطاع في ظرف فترة قصيرة إيجاد نقلة نوعية على كل الأصعدة ، وأصبحت عدن تنفض غبار السنوات الماضية ولا يقلل من هذا بعض الأعمال الإجرامية التي قد تقع في مكان في العالم ونراها تقع في أكبر الدول وأقواها على المستوى الأمني ، وأحب الإشارة إلى أن منهجية المحافظ الزبيدي تعدت حدود عدن وامتد تأثيرها إلى بقية المناطق في الجنوب بالإضافة إلى امتلاك الرجل لكاريزما القيادة وقدرته على استقطاب شرائح اجتماعية واسعة وقفت إلى صفه بسبب قيادته للمقاومة الجنوبية وقدرته على احتواء مختلف العراقيل ودعوته إلى قيادة جنوبية رشيدة استجابة للإرادة الشعبية في الجنوب" .