تعكف حالياً اللجنة التحضيرية المشكلة بقرار من محافظ محافظة لحج الدكتور ناصر الخبجي ، بالتحضير للفعالية الأربعينية لتأبين السلطان الثائر "علي عبدالكريم العبدلي"، والمتوفى بالمملكة العربية السعودية بتاريخ 20 نوفمبر 2016م، عن عمر 94 عاماً، قضى منها تقريباً 59 عاماً وهو منفي خارج الوطن عقاباً لمواقفه النضالية المشرفة والمعادية للاستعمار البريطاني.
ويعد السلطان "علي عبدالكريم العبدلي" من مواليد عام 1922 م، في "الحوطة " عاصمة السلطنة العبدلية آنذاك - حالياً عاصمة محافظة لحج - ويعتبر الابن الأصغر للسلطان "عبدالكريم فضل"، وقد تولى السلطان" علي " الحكم في 19/11/ 1952 م، كان منذ صغر سنه يتحلى بميول إلى القومية ضد الاستعمار البريطاني ، وبعهد حكمه رفض الانضمام إلى اتحاد إمارات الجنوب العربي، فكان هذا الرفض أحد أقوى الأسباب للإطاحة بالسلطان " علي " من الحكم، فقد كان مؤيداً لمشروع الرابطة تحت مسمى "وحدة الجنوب العربي" وتأييد هذا المشروع علناً رافضاً مشروع الفيدرالي البريطاني رفضاً قاطعاً آنذاك، فقد كان صاحب بُعد نظر كبير في الجانب السياسي نتيجة لتعليمه المبكر ودراسته لأمور حكم السلطنة وسياسة الاستعمار بجنوب اليمن.
التآمر البريطاني
وأثناء ما كان السلطان العبدلي يقوم بزيارة رسمية إلى (إيطاليا)، ونتيجة لمواقفه المعادية لبريطانيا والمؤيدة لمشروع الرابطة وأيضاً دعمه الكبير بتحويل شارع لحج، لشارع داعم أساسي للرئيس "جمال عبدالناصر"، شعرت آنذاك بريطانيا بالخطر الكبير من هذا السلطان وقلقت جداً من نتائج زيارته لروما، وقررت في 10/7/1958م، بسحب اعترافها بالسلطان " علي عبدالكريم " وفرض على" السلطان " قرار المنع الإجباري من العودة إلى مسقط رأسه م / لحج ، أو أي منطقة مستعمرة بعدن ، وعطفاً على ذلك القرار الظالم مكث السلطان بجمهورية مصر العربية بعد استقبال كبير للسلطان من قبل الرئيس جمال عبدالناصر ، والذي أرسل طائرة خاصة بنقل السلطان من إيطاليا ومباشرة إلى مصر، ومنذ عام 1958 وحتى 2016 م ، ظل السلطان خارج الوطن، وقد تمكن السلطان من زيارة مسقط رأسه لحج التاريخ والحضارة بعام 1996 م، ولفترة محدودة ليعود إلى مصر متنقلاً ما بين جمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية حتى وفاته بمدينة جدة بتاريخ 20 نوفمبر 2016م عن عمر 93 عاماً، ولفترة 58 عاماً وقرار بريطانيا ساري المفعول ويطبق عنوة على السلطان الثائر "علي عبدالكريم" بالرغم من تحرر بلادنا من الاستعمار البريطاني وأيضاً البلدان العربية الأخرى!.
السلطان يكرم المحافظة
ولا تزال اللجنة التحضيرية تقوم بالإعداد لتأبين السلطان علي عبدالكريم العبدلي كـ" رسالة تكريم ما بعد الموت" لهذه القامة الوطنية القومية الثائرة ضد الاستعمار البريطاني ، وأيضاً لمواقف السلطان المشرفة بالحرب على الجنوب بعام 1994م و عام 2015م ولا يسعنا المقام بذكرها مفصلاً، بينما بالأمس وهو حي وأمام عيون الجميع فلا نقدر على تكريم السلطان "علي عبدالكريم" بأبسط الأمور ولو من باب الدعم المعنوي لمواقفه المشرفة والتي يذكرها التاريخ بأحرف من نور، وللحقيقة فإن السلطان بحياته هو من كرم المحافظة بتحويل "قصر الروضة" وعدد من الأراضي إلى صرح علمي لكلية الزراعة داخل المحافظة، بالرغم من الاحتفال بالذكرى الـ49 لعيد الاستقلال المجيد ، ومع ذلك لا يوجد لدينا مبنى خاص بكلية الزراعة أو جامعة باسم محافظة لحج، والمتابع لتاريخ العبدلي سيعلم عن أسباب بناء " مدرسة المحسنية " كصرح علمي كبير جداً بتلك الفترة، وأيضاً " وقْف " لهذه المدرسة مساحة من الأراضي بأكثر من 1000 فداناً ، واليوم المدرسة المحسنية "أطلال" عبارة عن أكوام من التراب تحكي عن تاريخ مجيد للتربية والتعليم بعهد العبادل سلاطين لحج ، بينما الدولة اليوم غير قادر على إعادة ترميمها وتأهيلها ولو من إيرادات الوقف الخاص بها ، وبعد أن قصفها الطيران نتيجة لتواجد مليشيات الحوثي داخلها بالحرب الأخيرة على الجنوب واحتلال الحوطة ، لهذا اليوم الناس تبكي على الزمن الجميل، فما يزال مخطط استهداف حضارة الجنوب مستمراً من قبل قوى الشر و الظلام.
محبة الحاكم العادل
وكان لشخصنا الشرف أن نكون من أعضاء "لجنة إعداد الكتاب" عن حياة السلطان علي عبدالكريم العبدلي ، ومن خلال مرافقة وكيل السلطان "سند عياش عوض ألبان " بزيارة عدد من المواطنين الذين عاصروا السلطان بفترة الحكم، فوجدت الجميع يتحدث بلسان واحد عن السلطان المرحوم " علي عبدالكريم " معتبرين ولادة هذا السلطان عبارة عن " نعمة من الله أنعم بها على لحج وأهل لحج " ، حيث كان ولا يزال السلطان هو "بمقام الأب " لأبناء محافظة لحج.
واقتبست "الأمناء" بهذا التقرير جزئية مما تحدث بعض المواطنين عن السلطان " علي " والذي سيتم عرضه بفلم وثائقي بذكرى التأبين، ومن محافظة عدن " كريتر "، قال اللواء " أحمد مهدي المنتصر "، عن السلطان علي العبدلي، كلاماً ذرفت عيناه بالبكاء وهو يتذكر مجد العبدلي ، مختصراً الحديث قائلا: " السلطان علي عبدالكريم فقيدنا فقدناه ولن نفتقده ؛ لأن بصماته موجودة اليوم في كل واحد من أبناء لحج" ، معتبراً السلطان تاريخ نضال ، ومن يتجاهل لحج في التاريخ فهؤلاء هم من جيروا أنفسهم للهوى المتبع .
وأضاف الوالد "السيد علي عبدالرحمن المنصب" من مواطني قرية الحمراء، وصفاً للسلطان حيث قال : " السلطان "علي" رجل مثالي يحب شعبه ويبادله شعبه بالمحبة، وهو سلطان وقف ضد الاستعمار البريطاني بفترة حكمه وبفترة البقاء خارج بلاده ، وكشف " المنصب " بأن السلطان كان يعتبر لحج " دولة مستقلة " ترتبط بعدن، وأضاف بأن الثورة ضد الاستعمار كانت في بدايتها ثورة عبدلية يترأسها السلطان علي عبدالكريم ، ونتيجة لهذا الموقف تآمر عليه الاستعمار وهو في خارج البلاد .
وعلى جسر القريشي، من داخل المسجد التاريخي لقرية القريشي تحدث الوالد " علي محمد علي عبد الشيبة " وهو رجل طاعن في السن لكنه لايزال بقوته العقلية، فقد ولد السلطان علي عبدالكريم وهو بسن الشباب، وعندما علم بغرض زيارتنا عن السلطان علي ، تنهد كثيراً الوالد " علي الشيبة " ، وهو يتذكر ذلك الزمن الجميل مقارنة بما يشاهده اليوم ، فقد تحدث عن واقعة حصلت ومن خلالها قابل السلطان علي عبدالكريم شخصياً واصفاً السلطان بالسلطان العادل ، معتبراً حكمة كان يعتمد على تحقيق العدل بالحق من خلال تواجد المحاكم والمحامين ، واصفاً السلطان بالمتواضع والذي لا يصعر خده عن الناس ومحب لتحقيق العدالة مع رعيته ، وأردف : " من يقول بأن عهد السلاطين عهد ظلم أقول لهم.. لا.. وألف لا.. ، فعهدهم عهد عدالة وخير كبير بل إن السلطان " عبدالكريم فضل " إذا سأله أحد وهو مار بسيارته يتوقف ويستمع ويتقبل الكلام وينصف المظلوم في حينه " .
ورداً على أحد الأسئلة ، قال " الشيبة " :" بفترة حكم السلاطين قابل السلطان شخصياً، ولكن منذ قيام الثورة وحتى اليوم لم يستطع مقابلة أي محافظ !."
كما كشف عن قيام السلطان بإدخال نهضة تعليمية كبرى بلحج من خلال بناء المدرسة المحسنية، وأيضا تأسيس مصنع " محلج القطن " وإدخال " الكهرباء " إلى لحج ، وتذكر حال بستان الحسيني بعهد العبدلي وما هو عليه اليوم البستان، وتأسف جداً عن عدم تكريم السلطان علي عبدالكريم من قبل الدولة بفترة حياته ، وناشد محافظ محافظة لحج بإعطاء الرعاية والاهتمام وتكريم الحاجة " مريم بنت صالح مهدي العبدلي " والتي تعتبر من بقايا الزمن الجميل وروائح بستان الحسيني وتاريخ لحج الأصيل .
مفارقات عجيبة!
كما هو معروف بأن السلطان " علي عبدالكريم " من مواليد 1922 م ، تولى الحكم وعمرة 30 عاماً " عمر الشباب " وهو من أسرة حاكمة ، ومع ذلك كان بقلب رجل وطني ثوري مناضل جسور ضد الاحتلال البريطاني ، وتم تنصيبه سلطاناً على لحج عام 1952 م، وحكم لمدة 6 سنوات حتى 1958 ، عام التآمر على السلطان من قبل بريطانيا ، وخلال الـ 6 سنوات هز الإمبراطورية البريطانية التي لا تغيب عنها الشمس ، ولا يزال حتى اليوم بعد مماته وهو الأسد الذي يخاف الاستعمار من تاريخه العظيم وتأثيره الكبير على الشعب الجنوبي ، فأين اليوم شبابنا من هذا الثائر والنضال الشريف والتعمق في سيرة حياته العظيمة ؟ فمنذ بناء " المدرسة المحسنية " بدأ الاستعمار الهجوم الاستعماري الفكري ، لإدراكه بأن العلم نور وانتشار النور سيقضي على مخططاتهم داخل الجنوب ، ولهذا نشاهد اليوم شباب يحملون شهادات تعليمية ولكنهم لا يعرفون القراءة والكتابة ! فكيف لهؤلاء أن يسلكوا طريق النضال الذي وضع حجر أساسه السلطان وهو بعمرهم الشبابي ، فالمستعمر نشر الاستعمار الثقافي في الجنوب لإدراكه بأنه أقوى من العسكري وهو نفس الاستعمار الشمالي منذ تحقيق الوحدة وحتى اليوم .
الخبجي يكرم السلطان
عطفاً على قرار المكتب التنفيذي بمديرية الحوطة بتسمية شارع الحوطة الرئيسي باسم السلطان علي عبدالكريم ، فقد أصدر المحافظ د.ناصر الخبجي القرار التاريخي بتسمية الشارع الرئيسي داخل عاصمة المحافظة الحوطة باسم السلطان علي عبدالكريم العبدلي، "أسد العبادل ضد الاحتلال البريطاني"، وقد بارك عامة المواطنين هذا القرار معتبرين المحافظ ومدير عام مديرية الحوطة بالطريق الصحيح بإحقاق الحق وزهق أي باطل وتكريم المناضلين العظماء من أبناء هذه المحافظة لحج الولادة بالرجال الشرفاء لخدمة وطنهم وأهلهم.
لقد حاولت "الأمناء" نقل صورة مختصرة جداً عن حياة السلطان العبدلي السلطان علي عبدالكريم فضل العبدلي 1922 2016م، وهي فترة 94 عاماً، وأنا أعترف بعدم قدرتي الوفاء ونقل الصورة كاملاً عن مراحل حياة السلطان بهذا المقام المتواضع ، فهذه القامة العملاقة صدرت بحقها كتب وأبحاث ، متوفرة بالمكتبات والإنترنت ، لمن يريد معرفة تاريخ السلطان العبدلي بشكل متكامل وموسع، لذا نقول : إلى متى سنظل نحن أبناء الجنوب لا نتذكر ونمجد المناضلين الشرفاء وهم أحياء؟، إلا بعد فوات الأوان وهم في بطن الأرض، اليوم لدينا قيادات عديدة بخارج الوطن هل سيكون مصيرهم النكران كما حدث للسلطان؟ وبعد الممات نكتفي بالنعي وتشكيل لجنة تحضيرية للتأبين مع إصدار كتاب ؟ وندفن تاريخ العظماء بصمت؟ أو حان الوقت وإعلان اليقظة ونكون إخوة بجسد وقلب رجل واحد وندرك معنى "الوطن يتسع للجميع " ونجسد مبادئ التسامح والتصالح ونعمل بيد واحدة لبناء وطننا الجنوبي ، وسرعة الالتحاق بالأمم المتطورة والعيش الكريم والتفاخر بين الشعوب بالتنمية الشاملة والعقول الراقية من خلال بناء الدولة المدنية العادلة في مختلف المجالات ، هذا وإلى أن نلتقي بأربعينية المرحوم المناضل الثائر السلطان علي عبدالكريم العبدلي ، والتي فيها سوف تتكشف حقائق عديدة ، فربما عندما نسمعها ونشاهدها نتمكن من تغيير ما هو بأنفسنا حتى يكرمنا الله تعالى بالخير الدائم والسعادة بعيداً عن الأحزان التي أنهكت الجسم الجنوبي ، وكفى تآمراً ضد بعضنا البعض إكراماً لدماء الشهداء والجرحى ، وكل من توفي وهو مقهور من نكران الجميل والمعروف منذ ما قبل انطلاق الثورة 1963 وحتى اليوم .