عند زيارتك إلى مكاتب بريد محافظة أبين ولا سيما عند صرف المعاشات لغرض استلام راتبك الشهري، ستشاهد زحاماَ شديداَ من نساء ورجال وشباب وعجزة ومعاقون ومرضى ورجال في سن الهرم والشيخوخة كلهم يجتمعون تحت حرارة الشمس وعلى الرصيف .. يجمعهم هدف واحد وغاية واحدة هي الحصول على معاش التقاعد أو الشهري. .. لماذا هذه المهانة والعذاب ؟ اتفق الجميع على هذا السؤال، صرخات مدوية تتبعها كلمات سخط تخرج من أفواه هذا الحشد الكبير.. (الأمناء) حملت همَّ هؤلاء المتقاعدين والموظفين وتجولت وسط الزحام لرصد معاناتهم والذي ليس لهم ذنباَ سوى أنهم خدموا الدولة لأكثر من ثلاثين عاماَ بإخلاص وحاولت رصد المعاناة وصرخات المحتشدين المؤلمة والمحرقة والتقت عدداَ منهم لمعرفة سبب هذه المعاناة:

معاناة ما بعدها معاناة

 في البداية تحدث إلينا المواطن "هادي خرباش" وتملأ عيناه الحزن المؤلم ويقول : "نحن نشعر عند استلام المعاش بالحزن و الأسى نتيجة الزحام فيشعر الشخص عند محاولة استلام المعاش في الطوابير المصفوفة أن روحه تكاد تخرج من جسده " ، وأضاف : "أيام من العذاب ، وأنا كل ما أجي أسال ،عن المعاش يقولوا ما فيش صرف! أو كملت الفلوس!! وأنا من منطقة بعيدة عن المدينة.."

 أما المواطن "صالح أحمد صالح" متقاعد يقول: " يا ابني نحن من الساعة ست الصباح ولكن نحن لا نستطيع أن نوقف , وأنا كما تشوف عجوز وطاعن في السن وأعاني من أمراض كثيرة, وأقول لكم بصراحة لا يوجد نظام داخل مكاتب بريد محافظة أبين يسهل المر علينا , ويجب على إدارة البريد أن يعطوا حقنا دون مماطلة أو تسويف."

زحمة وبهذلة

أحمد علوي القصم ؛ جلست بجواره وكان حزيناَ جداَ يضحك ويحزن ويبتسم ويتشاءم مرة أخرى وقال: "ماذا تريد مني؟ .. هذه الزحمة والبهذلة كلها بسبب وعود إدارة البريد بلودر .." وأضاف: "نحن اشتغلنا سنين مع الحكومة وعوضاَ على ما قدمناه ويحصل الواحد منا على معاشه الشهري بعز وشرف أصبحنا وكأننا نشحت.."

 وعود عرقوبية

 المواطن السيد "علي مجزوم" 50 عاماَ يقول: "جئت من أقصى البلاد من أرض الجبل وهو بعيد عن إدارة مكتب البريد وإلى الآن لم أستلم المعاش !.." ويضيف : "ولكن للأسف الشديد كلام إدارة بريد المنطقة وعود في وعود وخلصت الفلوس في المواصلات ولم نستلم المعاش!! " وأضاف: "أناشد الجهات ذات الاختصاص بأن تبادر بأسرع وقت ممكن لإعطائنا معاشنا والحالة لا يعلم بها إلا الله سبحانه وتعالى.."

أين النظام؟!

أما المتقاعد "عبدالله ناصر حسن" فيقول: "يا ناس نحن نريد نظاماً مثل بقية الدول المجاورة ، أنا منتظر موظفو البريد الخاص بلودر لما يأتوا وصابر من الأكل والشرب ..أين الرحمة ؟ يعطونا معاشنا أو يحترموا إرادة المواطنين أو يشوفوا لهم حل في معاشاتنا الشهرية كبار السن.."

وعلى الرغم مما عرضناه من شكاوى فإن هناك مشكلة أخرى تبرز بالذات عند كبار السن ومن يعانون من أمراض صحية، حيث يقول أحد(المتقاعدين) إن طوابير البريد وطولها يزيد من أعبائهم الصحية إضافة إلى الأعباء النفسية. ويقول أحد كبار السن إنه لا تتوفر لدى مراكز البريد أجواء مريحة وأن هذه الأجواء تزيد من تشاحن المواطنين وتصل إلى حد المشاجرة بالأيدي .. كذلك أن صحته لا تساعده على الانتقال إلى مراكز البريد لأكثر من يوم أو الوقوف في الطوابير.

واختتم حديثة برسالة لهيئة البريد بقوله: " خدمنا الدولة لأكثر من ثلاثين عاما، فلا نهنأ عند كبر سننا وفي نهاية مشوار خدمتنا!!"

زيادة المعاناة

وقال عدد من المواطنين وشيوخ كبار السن والمتقاعدون لـ" الأمناء" إن مكاتب البريد قد أرهقتهم كثيراً جراء المعاملات اللا إنسانية من قبل العاملين في إدارة البريد، مشيرين إلى أنهم أصبحوا يلهثون يومياً من بريد إلى آخر من أجل استلام معاشاتهم التي تم تحويلها لمكاتب البريد ولا يجدونها، مؤكدين على أن الوضع المعيشي أصبح صعباً جداً ويتجرع المواطن يومياً غلاء الأسعار وتردي أوضاع البلاد التي أصبحت لزاماً على المواطن أن يتجرع مرارتها وأثقلت كاهله ، مشيرين إلى أن مكاتب البريد قد ساهمت هي الأخرى في زيادة من معاناة المواطنين نتيجة عدم توفر السيولة الكافية وغيرها من الأعذار الأخرى من قبل مكاتب البريد..

وطالب المواطنون من مدراء عموم مكاتب البريد بالمحافظة أن يقوموا بالإشراف والنزول إلى مراكز مكاتب البريد ليروا بأم أعينهم المعاناة المستمرة للموظفين من أجل حصولهم على حقهم المشروع (المعاش الشهري) وأن يقوم بتوفير المولدات الكهربائية الخاصة عند انقطاع التيار الكهربائي..

نموذج للمماطلة والتسويف

 ويقول أ."مختار محمد العبد"  : أن عدداَ كبيراَ من السكان المحليين في المناطق الوسطى ومناطقها يشكون من مماطلة وتسويف مكاتب البريد الخاص بالمدينة أثناء ذهابهم لاستلام مرتباتهم, بحجة عدم وجود مبالغ مالية فيه حيث أن ذهابهم وإيابهم بشكل مستمر سبب لهم متاعب مالية كبيرة ..ومستغربين في الوقت نفسه من وجود عدد كبير من التجار الذين يستلمون مبالغهم المالية دون عناء أو مشقة! ، ويطالب المواطنين القائمين على مكاتب البريد بالمحافظة بتوفير مبالغ مالية يستطيعون من خلالها استلام مرتباتهم الشهرية بكل سهولة ويسر..

بشر على هيئة أشباح

وفي آخر التقرير تساءلت : "هل هذا الكم البشري بشر حقيقيون؟! أحياء تدب في أجسادهم الحياة ؟!أم أنهم أشباح على هيئة بشر؟ّ لماذا هذا العذاب ؟! لماذا يعاملون بهذه القسوة وماذا فعلوا حتى يستحقوا هذا العذاب؟! كثرت التساؤلات.. أخذت نفسي وتركتهم وكانت كل العيون تتجه نحوي ينتظرون مني متى تُسمع كلمتهم عبر الصحف..