عام على انتهاء الحرب العبثية التي انتشرت في مدن جنوب اليمن كسرطان خبيث ، تعود الذكرى المؤلمة الأولى لرحيل مئات الشهداء بطابعٍ خاصٍ يملؤه رُكام المنازل .
لا حديث يساوي وجع طفل حرمته الحرب أم و أب و أخوة و رفاق ، كلمات قالتها لنا أسهار زوقري ابنة الشهيدة د. هيفاء زوقري إحدى نساء الثورة الجنوبية ، و من بين ركام منزلها المقصوف ، ذلك المنزل الذي شيّدته د. هيفاء بسنوات تعب وعمل قضتها سعياً في حياة كريمة لأولادها ، عام دون أم ما أوجعها من أيام ! ، اليوم هو تاريخ عيد ميلاد شهيدتنا 29 مايو أتى حاملاً وجع الفقد و الحرمان استوطن قلوب أبنائها الخمسة ، لم يفق بعضهم من هول الصدمة بعد ، يتساءلون : كيف سيحتفلون بعيد ميلادها؟! .
د. هيفاء من مواليد عدن 29/مايو / 1965م درست في مدارس عدن و (ثانوية عبود) ثم استكملت تعليمها الجامعي بمجال الطب النّفسي في روسيا الاتحادية (موسكو) عُرِفت الشهيدة زوقري بمواقفها البطولية ، وما أن بدأت الثورة الجنوبية وتأسّس الحراك الجنوبي في عام 2007م كانت هي إحدى مناضلات العاصمة عدن اللواتي نشرن القضية الجنوبية ، لم تخيفها القبضة الحديدية لقوات القمع و القتل ، حملت على عاتقها آلاف المنشورات الورقية الخفيّة التي أربكت قوات القمع القادم من صنعاء .
ومع استمرار الالتفاف الشعبي حول الثورة الجنوبية وضعت بصمتها الإيجابية بين أحرار 16 فبراير كانت أماً مثالية ، شاركت زوقري في تطوير وتمكين نساء الجنوب سياسياً من خلال تشكيل مجلس نسوي موحد قدّمت ما تستطيع لنبذ الخلافات و المضي في تحقيق أهداف الثورة الجنوبية .
وبهمّة صافحت الحرب الثانية ولم تتردد الشهيدة هيفاء بأن يتحول منزلها الكائن في دار سعد إلى نقطة استقبال جرحى المقاومة الجنوبية ، وإسعافهم ، ورفد الجبهات القريبة بالغذاء .
حدثنا زكريا البانشو أحد أبطال المقاومة في دار سعد عنها قائلاً : "طالما حثّتنا على الثبات ، نتذكر كلماتها في بداية الحرب حين قالت: "إنها الحرب الأخيرة ... إما أن نصمد أو نقبل المذلّة ألف عام "".
وما أن دخلت الحرب شهرها الثالث حضر الأول من مايو حاملاً وجعاً بنكهة الموت ، مختطفاً شهيدة الوطن د. هيفاء زوقري بصاروخ كاتوشا حوّل منزلها إلى مقبرة و أصاب أولادها بجروح متفاوتة ، كان خبر استشهادها تعيس على ساحات الشرف وجبهات القتال .
وكأن الشهيدة على علمٍ بأن هذه حربها الأخيرة التي ستشهدها في أرضها و عاصمتها ، فقررت أن تكون حجر أساس يستند بها هذا الوطن الذي حلمت به طويلاً ... رحلت مجبرة على عجل ، و لم تتذوق طعم الانتصار الذي صنعته على مدى سنوات من السلميّة وأشهر من الحرب ، نتذكر رسالة الدكتوراه التي حصلت عليها بدرجة امتياز أهدتها بمحبة إلى شهداء ثورة الجنوب الذين سبقوها ، متحديّة قوات الظلم في جامعة عدن ، فقابلها اعتراض وسخط رئيس الجامعة أحد كبار رموز الشرّ ، وغدت رسالتها المتميزة منتصرة ولو بعد حين.
انجلت الحرب بنصرٍ أصبحت فيه زيارة المنازل المهدّمة واجب بعد زيارة قبور الشهداء التي تمتدّ كسطور رواية احتضنت مئات الأحرار و الحرائر من بين تلك السطور .
كانت كلمات الثائرة أمل قاسم موجزة رسمت حزنها في يوم ميلاد الشهيدة زوقري بأربع كلمات قالتها : ( فقدنا أختاً بحجمِ الوطن ) .
سيدتي الشهيدة د. هيفاء احملي سلامنا إلى ندى ،وعافية ، وفيروز ، وسالي ، إلى كل من استشهد مدافعاً عن أرضه ، نعلم أن أجسادكم رحلت عنّا لكن أرواحكم ماكثة في قلوبنا ، سنمضي جميعاً على نهجكم ، ولن نتنازل عن الحرية و الكرامة ، ناموا بمجدٍ مخلّدين في صفحات الثورة الجنوبية و مقاومتها الشامخة .