عدن: فسيفساء حاضرة الجزيرة
عبد الخالق الحود

عدن حاضرة بلاد الجزيرة العربية، وأول مدينة بنيت على غرار مدن أوروبا وبنفس النمط والطراز. مدينة أذابت الفوارق وأزالت الطبقات وتمازجت في حواريها الضيقة الأجناس والألوان. تخالطت في شوارعها اللغات واللهجات، وعلى مذابحها وأصوات كنائسها وفوق مآذن مساجدها، تعايشت أديان وطوائف ومعتقدات وطقوس وعبادات، وقدّمت فوق جبالها نذور وقرابين، وشهدت ميادينها وشوارعها وساحاتها احتفالات ومهرجانات وتجمّعات. إستوطنها أدباء وكتاب ومفكّرون وفنانون.

تناقض جامع

يحقّ لأي كان أن يتساءل: كيف لمدينة صغيرة جمع كل متناقضات الحياة فوق ترابها؟ وكيف لكيلومتر واحد في حي كريتر،مثلاً، أن يحوي مسجداً ومدرسة بناهما أبو عبد الرحمن بن أبان بن عثمان بن عفان "رضي الله عنه"، و ملاصق لهما كنيسة "بروتستانتية "يرفع أعلى سقفها صليب، وغير بعيد عنهما أقام الهندوس معبداً، بل معبدين، يؤدّون  فيهما صلاتهم وكأنهم وحدهم من يعيش في هذه المدينة، وعلى مرمى حجر تسمع أصواتاً ترتفع من حسينية توسّطت أكثر من ستة مساجد للسنة.

تمازج فريد


هنود، ومجوس، ومسيحيون أرثاذوكس وكاثوليك، يهود، ومسلمون... خليط غريب من الديانات والملل والنحل، قناعات متعاكسة، فرق وطوائف كثيرة ومتنوّعة ذابت في فسيفساء مجتمعية كقطع سكّر حواها كوب شاي تقدمه "مقهاية عبدان" الشهيرة.
 فن التعايش
دروس ضربتها  المدينة وقدّمتها كتجربة إنسانية قلّ أن تتكرّر في فن التعايش وقبول الآخر المختلف، فتجد فيها حارات لليهود وأخرى للبهرة تسكنهما أسر حبشية وبنغالية وإنجليزية وصومالية، وأخرى للعرب تحوي بين جنبات بيوتها الضيقة مغاربة وأقباط وأسبان وأفارقة وفدوا إليها من كل حدب وصوب.
سارت الحياة بالجميع هادئة، وإن تتابعت على المدينة صراعات وهجمات وحروب وغزوات وانقلابات قلبت أحوالها وبدّلت وجوه حكامها وساستها، غير أن المدينة حاولت الحفاظ على طابعها الجامع والنأي بنسيجها المجتمعي بعيداً عن التفتيت.

فقر وسياسة

لا ينكر منصف أن حرب صيف 94م كانت قاصمة الظهر لمدينة  قطعت شوطاً كبيراً في الإنفتاح الثقافي والسياحي، وما التراجع المريع في حقوق المرأة إلا نموذج واحد لما أصابها من سوء وتقهقر. تراجع تفاقمت نتائجه وتداعياته بمرور الوقت بمبرّرات شتّى نظر لها، أو جرى توجيهها نحو زاوية القياسات الدينية ذات الطابع السياسي.
وطالت أيادي العبث والفساد والمتاجرين كل جميل فيها بالهدم والتدمير لماهو قائم، وبالإهمال والتثبيط والإقصاء لكل ماهو إنساني، فتقهقرت الحياة المدنية والثقافية والفنية والفكرية فاسحة المجال لأضدادها.
وشغل الناس باللهاث خلف لقمة العيش وتأمينها، وكان لكل من اشتغل بالثقافة والفنون، وما يمت إليهما بصلة، الضرر الأكبر من تخلّي الدولة عن قطاعاتهم التي صنّفت رسمياً بأنها فضلة.
هنود، ومجوس، ومسيحيون أرثاذوكس وكاثوليك، يهود، ومسلمون...


تاريخ الطوائف والأجناس بعدن
- المسيحيون:

كان من الطبيعي أن يبني الإنجليز في أماكن تواجدهم الكنائس البروتستانتية، فأقاموا 12 كنيسة في عدن وحدها، وكنيسة واحدة في الضالع ظلّت تمارس دورها الديني حتى بعد رحيل الجيش البريطاني من عدن، لكن هذه الدور تعرّضت للإهمال وتقلّص عددها الى 5 كنائس فقط.
وتاريخ الوجود المسيحي في عدن قديم جدّاً حيث أرسل الملك الرومي قسطنطين، عام 502، بعثة إلى المدينة لتبني كنيسة ليتعبّد فيها تجّار الإمبراطورية الرومانية أثناء نزولهم عدن، ولا يعرف تحديداً مكانها بالضبط.

- اليهود:

يلفّ تواجد اليهود في عدن والضالع ويافع الغموض وندرة المعلومات، فلا تاريخ معيّن يبيّن ذلك، لكن الثابت أنهم سكنوا تلك المناطق قبل وجود الإنجليز بفترات طويلة.
واللافت علاقتهم الحميمة بالمسلمين، وهذا ثابت من روايات وأحاديث متواترة.
وتمركز كبار التجّار منهم في كريتر والتواهي، واشتغلوا بتجارة الذهب والإستيراد والتصدير، إلى أن غادروا بشكل جماعي إلى "أرض الميعاد"، بحسب معتقداتهم، بعد استيلاء الصهاينة على أرض فلسطين. وقارب عددهم، بحسب المصادر، البريطانية الـ50 ألف نسمة. 
      
- الهنود:

كان للبينيان والهندوس ستّة معابد في كريتر، هي: تيفاني وشيفا والمعبد الواقع في شارع بنين، وفي التواهي معبد يقع على الطريق المؤدّي إلى مستشفى باصهيب، بالقرب من مكتب ضابط الميناء القديم، وفي الشيخ عثمان معبدان يقعان خلف ليك لين.

- البهرة:

ومنهم مسلمون شيعة لهم مساجدهم الخاصّة، أشهرها المسجد الواقع في القطيع على طريق العيدروس، بمآذنه الجميلة المطرّزة، والمسجد الآخر الواقع في شارع الشيخ عبدالله. وفد جزء منهم من الهند، والجزء الآخر جاء من صنعاء، بسبب الإضطهاد الديني وازدهار التجارة في عدن، ولا يزال كثير منهم يمارسون مختلف الأعمال وخاصة التجارة.  تتّسم حياتهم بالنظام والإلتزام بعملهم وعبادتهم واستغلال مميز للوقت.

- الفرس:

وهم من طائفة الزرادشتية، نسبة إلى نبيهم زرادشت، والزرادشتية ديانة ظهرت في وسط إيران قبل المسيحية بألف سنة ولا يتجاوز أتباعها المائة ألف نسمة، موزّعين بين إيران والهند وأمريكا الشمالية، ديانتهم تقوم على ثلاثة أركان: الفكر الصالح، العمل الصالح والقول الصالح.
ومن سكن عدن منهم ينحدر من مناطق: كوجرات وسدرات وسيجنيور، ويعود أصلهم إلى بندر كوساه في إيران، كان عددهم في عدن قبل الإستقلال ألف نسمة.
و في عام 1988م  تناقص ذلك العدد، بفعل عوامل عدّة حتّى وصل إلى ثمانية أفراد فقط. ولهم المعبد الشهير في برج الصمت، والحقيقة أن لهم برجين أو معبدين، هما برج الهواء وبرج النار أو برج الصمت، برج الهواء هو المعبد الذي بجانب الصهاريج، وهو الذي تقام فيه العبادة، وبرج الصمت، المقام أعلى الهضبة، ’وتؤدّى فيه طقوس الموتى، ويعاد تاريخ  بنائها إلى 1866م على أرجح الروايات. 

" عن موقع   "  العربي " 

 

متعلقات
سجون الحوثي.. جرائم وانتهاكات على مرأى ومسمع من العالم
مؤسسة الصحافة الإنسانية ترصد وفاة 60 حالة وإصابة أكثر من 7 آلاف شخص خلال شهر فقط
التسرب المدرسي معضلة تهدد مستقبل الطالبات في ردفان
تقرير: "دثينة وقبائلها".. لا حياد في الحرب على الإرهاب
الأمم المتحدة تتهم جماعة الحوثي الانقلابية بعرقلة العمليات الإنسانية للشعب اليمني