تبقى لحج بمديرياتها ومناطقها الكثيرة المتباعدة، في كل نواحي الحياة السياسية والأمنية والاقتصادية، تحت سطوة المعاناة، في خضم واقع بات ينهك المحافظة، ويشغل بال الكثيرين من أبنائها الذين يأملون أن تكون على أقل تقدير كأي محافظة أخرى، من حيث الخدمات وإعادة فتح المؤسسات والمرافق الحكومية والعمل فيها.
موطن الفن وملهمة الشعر
وتعدُّ لحج محافظةً تليدة بعبق تاريخها وحضارة أصلها، فقد كانت منذ زمن قبلة للزوار وملهمه للشعراء وموطنا للفن الذي صدحت به حناجر فنانيها طربا، وتتغنى بهم فرحا وتزدان بهم فخرا بفعل إبداعاتهم وجمالية أدائهم وفخامة أصواتهم..
كما أنها لحج الخضيرة والعريقة بجبالها وسهولها ووديانها وتلك البساتين والأشجار التي تطرز ثوبها، فكانت تغرد الطيور على أفنانها ولا تكاد أن تبرح عن تلك الأفنان لحظة، لكنها اليوم تحولت من واقع الإخضرار إلى يباب وخراب، فتظل منسية رغم ما قدمت من خيرة شبابها ورجالها من كل مديرياتها في سبيل أن تنتصر وتتخطى الصعاب، وتتجاوز العثرات وتنزع الأشواك الشائكة المزروعة، وحتى تبقى لحج مستقرة وآمنة ومزدهرة تتوفر فيها كل مقومات الحياة ليتنفس أهلها وينفضون من على كاهلهم ولو قليلا غبار المعاناة ليعيش أبناؤها على الأقل كباقي المحافظات الأخرى وهم مرتاحي البال.
ففي خضم هذا الواقع المأساوي والمرير التي تشهده وتعيشه محافظة لحج بكل مديرياتها ومناطقها يجد المواطن البسيط نفسه في مواجهة المعاناة والتحديات التي تقف أمامه ويصارع إرهاصات الحياة التعيسة والمعقدة ويسعى إلى التغلب على تلك التحديات وإجهاض هذا الواقع المتردي.
مكاتب البريد وأبوابها المؤصدة
في كل مكان ومديرية من مديريات المحافظة، يبقى مكتب البريد جزءا لا يتجزأ في صلب تلك المعاناة، فلا تجد إلا أبوابه مؤصدة طوال أيام الأسبوع بل شهور، ويبقى المواطن يحرس وينتظر ونساء ينتظرن كل يوم أمام تلك الأبواب وتحت سطوة الشمس من أجل استلام معاشه الشهري الذي يعتبر مصدر دخله الوحيد ليكتوي بلهيب الشمس وهو جالسٌ أمام البوابة يعد الدقائق والساعات ويقرع أبوابه لعل القائمين على البريد يكونون بداخله أو يأتون ويفتحون أبوابه ولكن لم يشفع له الانتظار أو تلك القرعات التي تعبر عن استيائه الشديد مما يحصل من تلاعب ليعود فيما بعد إلى منزله خالي الوفاض منهكا وتعيسا حزينا ومهموما حاملا خبر عدم توفر سيولة في البريد ليبقى البريد شغله الشاغل وتمر الأيام وهو يلهث وراء راتبه الشهري من أجل استلامه.
مياة شبه معدومة وكهرباء متعثرة
وباتت المياه أيضاً شبه معدومة، لتصبح لغزا محيرا يزيد من تعميق أزمات الناس، ويفاقم المشاكل عليهم؛ بسبب انقطاعها، حيث إن مشاريع المياه لم تعد شغالة في أغلب المديريات، على مستوى المحافظة الكبيرة في سكانها ومساحتها..
وفي الوقت الذي أصبح الناس فيها يبحثون عن مياه نظيفة، تروي عطشهم وتقضي حوائجهم، حتى انهم قد باتوا يعتمدون في بعض المديريات بدرجة أساسية على ماء (البوز) أو ما يعرف بالوايت؛ للحصول على المياه، هذا فضلا عن كهرباء متعثرة ومرور عام كامل عن انقطاعها ويبدو أنها تواجه صعوبات كبيرة في إعادة تشغيلها وتوصيلها لبعض المناطق والمديريات في المحافظة الذين هم بحاجة ماسة إلى الكهرباء حيث تظل تحت الظلام ليظل سكانها تحت رحمة هذا الواقع الذي فرض نفسه وبات ينهك جسد المحافظة.
وهنالك مسلمة أخرى، وهي أنك لا ترى إلا القمامة مكدسة في الشوارع والأزقة والمجاري تطفح والمستنقعات الآسنة التي تزكم الأنوف وتنشق منها الرؤوس، بسبب رائحتها النتنة ومناظرها التي تسيء إلى جمالية المدن والتي فرضت نفسها وغيرت من واقع أفضل إلى سيء حتى إنها باتت تعرقل من حركة سير الناس في شوارعها وأزقتها، والمشكلة الأكبر في ثنائية انعدام الماء وزيادة القمامة، هو أن الأخيرة باتت تؤرق الناس، وتشكل خطراً كبيراً على صحتهم، فهي بيئة لا شك جالبة للأمراض بشتى أنواعها..
ويبقى الأمل حاضراً
وتستمر فصول معاناة كبيرة في مختلف الاتجاهات في محافظة لحج، بكل مديرياتها ومناطقها، لتدفع بالتالي هي ومثيلاتها ثمن تحقيق وحدة ظالمة، وكذا تتواصل معاناة أهالي المحافظة، بسبب غياب الدولة حتى هذه اللحظة؛ لكن الأمل يبقى معلقا ويستمر الجهد مع قيادة المحافظة الجديدة سواء العسكرية أو السياسية من أجل إعادة تطبيع الحياة، رغم الصعوبات وقلة الدعم، ومن ثم البدء في معالجة المشكلات والاختلالات الحاصلة وفتح وتفعيل المؤسسات والمرافق التابعة للدولة لتعود إلى العمل وفرض الدولة هيبتها حتى تعود لحج إلى طبيعتها وانتشال المحافظة من تحت ركام هذا الواقع المأساوي الجاثم على المحافظة وأبنائها حينها يشعر المواطن بالسعادة ويتنفس أهلها الصعداء..