وداعاً محمــد هادي صـــــــــــالح
فضل سعيد شايف

في وسط جوٍ من الحزن ودعت منطقة عقيبة م / ردفان ابنها البار محمد هادي صالح ووري جثمانه الطاهر مقبرة المقيصرة في مساء التاسع من مارس 2016م بعد صراع مع مرض ألمّ به منذ فترة.

ويعد الفقيد محمد هادي أحد الذئاب الحمر الذين نذروا حياتهم من أجل صنع ذلك الحدث الكبير على الإطلاق في تاريخ شعبنا العظيم إنه يوم الرابع عشر من أكتوبر الخالد من عام 1963مع كوكبة من رفاقه الأبطال الذين خلدوا أنفسهم في لوحة هذه الثورة.

 لقد نشأ وتربى الفقيد كغيره من المناضلين في ردفان في مدرسة نضالية انتهجت روح المقاومة والإصرار والعزيمة الرافضة للاحتلال وآلت على نفسها إلا أن تصنع الأحداث والمآثر والبطولات التي رصع بها تاريخ ردفان الناصع المستمد مقوماته من ذلك الإرث التاريخي العظيم للمقاومة الشعبية في المنطقة والتي يستحيل على المؤرخين والباحثين والمهتمين بتاريخها و تاريخ الثورة الاكتوبرية المرور عليها دون الغوص في تفاصيل ملاحمها لا باعتبارها المقدمات التاريخية لقيام الثورة فحسب بل لأنها أيضا تختزن في مكنوناتها ورمزيتها دلالات أصالة وعظمة شعب واجه إمبراطورية لا تغيب عنها الشمس وانتصر عليها بعد احتلال دام 129 عاما .

حقا لقد كان لهذه المدرسة التي أنشأها أجدادنا الأوائل والتي تعود بدايتها الأولى إلى القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين طبقا لما رواه المؤرخ حمزة علي لقمان في كتابه ((معارك حاسمة في تاريخ اليمن )) مبينا في ذلك قوة وأصالة المقاومة الردفانية وما أبلت فيه من بلاء حسن من شراسة وبسالة في مقاومة الاستعمار رغم فارق العتاد والعدة بينهما.

وفي بداية عشرينيات القرن الماضي أخذ جيل الآباء على عاتقهم راية المقاومة وسطروا ملاحم بطولية أخرى ضد الغزاة والمحتلين لا تقل أهمية وقوة عن دور آبائهم إن لم تكن أفضل حالا منها.

وكانت معركة الحمراء في بداية أربعينيات القرن الماضي بقيادة عددٍ من الرموز الوطنية  منهم منصر و شايف محمد الاصهفي ومحمد هادي العيسائي وسالم غالب الغزالي وراجح غالب لبوزه وصادق المريخيم ومثنى طالب البكري وغيرهم من الهامات التي لا يتسع الحيز لذكرها، قد مثلت إضافة بارزة في السجل التاريخي للمقاومة الردفانية نظرا لما شكلته من تحول في مسار العملية النضالية ولما منحته من دافع معنوي وإلهام شعبي ساعد على  تنامي فاعلية المقاومة ولما لحقها من انتفاضات شعبية عدة ،منها معركة الثمير عام 1957م التي تمكن فيها هؤلاء الآباء من الصمود الأسطوري في وجه القوات الغازية وكبدوها خسائر بشرية ومادية ومعنوية منها إسقاط طائرة مقاتلة بريطانية في نفس المنطقة ومقتل قائدها وأجبروا القوات الاستعمارية على الانسحاب والعودة إلى تموضعاتها السابقة.

ومما لاشك فيه أن جيل الفقيد يعد استمرارا وتواصلا لجيل الأجداد والآباء باعتباره امتدادا ورافدا تاريخيا أصيلا للأجيال السابقة وامتدادا نضاليا لمخرجات المدرسة الثورية الكلاسيكية التقليدية، ولِما قامت به من دور ومهام في سبيل الحفاظ على التاريخ النضالي وتأصيله وترابطه بين الأجيال السابقة والحالية بحكم التوارث والترابط الجيني، انطلاقا من أن الجديد يخلق في أحشاء القديم وفقا للمقولة الفلسفية المعروفة والتي تؤكدها حقيقة الواقع لجيل الفقيد ومساهماته في بعض مراحل المقاومة السابقة مع جيل الآباء ، وبشكل عام فإن جيل الفقيد لم يقف دوره عند حدود المساهمة في بعض الانتفاضات المحلية التي شهدتها المنطقة بل تعدى ذلك من خلال اشتراكه الفعلي وبفاعليه في الدفاع عن ثورة 26 سبتمبر 62  وكان الفقيد أحد الذين هبوا من ردفان والجنوب بشكل عام للدفاع عن هذه الثورة في كل من المحابشه والمفتاح والوعلية وحجه و خولان  وغيرها من المناطق  في الشمال وعند عودة الفقيد ورفاقه  في عام 63 إلى منطقتهم ردفان اشتركوا في تفجير ثورة الرابع عشر من أكتوبر بقيادة الشهيد راجح غالب لبوزه واستمر دورهم عقب ذلك في مواصلة الكفاح المسلح في جبهتي ردفان الشرقية والغربية حتى 30من نوفمبر 1967.

وعقب تحقيق الاستقلال كان الفقيد أحد الرجال الأوفياء الذين قدموا إسهامات فعلية في بناء الدولة وإرساء دعائمها ودافعوا عنها ببسالة في الكثير من مواقع الشرف والشهادة وظل حاملا للواء الوطن في قلبه وفعله ولم يَكلّ أو تسيطر على روحه الطاهرة الاستكانة والخذلان إلى أن تم إحالته إلى المعاش ظلما ودون معاش يقتات به وأسرته الكريمة ،وبما أن اليأس لم يكن ديدنا للفقيد فقد ظل طوال حياته المتبقية يكدح براحة ضمير من أجل توفير لقمة العيش الحلال إلى أن فتك به المرض وشل حركته الدؤوبة ومع الأسف دون أن تلتفت إليه الجهات المعنية كواجب وطني تجاهه وتجاه الكثير من رفاقه المناضلين. .

ومن المؤسف أيضا أن الكثيرين من مناضلي الثورة لم يتم الالتفات إليهم وتقدير أدوارهم ناهيك عن انعدام الرعاية والاهتمام الذي يليق بتاريخهم و بهاماتهم النضالية فمنهم من قضى نحبه و منهم من لازال قعيد فراش المرض منتظرا ذلك الأجل المحتوم ومنهم من يصارع من أجل البقاء في ظل ارتفاع تكاليف الحياة المعيشية وتقدم العمر بهم وفي ظل الصمت المطبق من قبل الجهات المعنية دون أن تقوم بدورها الذي ينبغي أن يكون تجاه هذا الرعيل الذي نذر حياته من أجل التحرير والاستقلال. .

لقد كان الفقيد أيضا مثالا للتضحية وتعمقت في وجدانه سلوكيات مثاليه أيضا منها حب الناس واحترامهم واعتزازه بنفسه وبتاريخه النضالي.

إن السلوك الذي جسده الفقيد في حياته يعد سلوكا عاما للكثيرين من المناضلين من مختلف جبهات النضال، الذين تواروا عن الذاتية وحرموا من أبسط ما يمكن أن يقدم لهم كواجب وحق قانوني وأبوا الحصول على الكثير من المستحقات التي كان بمقدورهم الحصول عليها أسوة بآخرين تمكنوا من ذلك بهذه الطريقة أو تلك ولكنهم رفضوا سلوكا كهذا، لأنه في نظرهم ينتقص من اعتزازهم بأنفسهم وبتاريخهم، ولأنه في الأساس طريق مرفوض ومدان من قبلهم ، منذ أن تخلقت في ذاتهم روح التسامي لما هو أكبر وأهم

 

إننا ونحن نرثي هذه القامة الثورية فإننا ندعو القيادة السياسية ممثلة بفخامة الأخ رئيس الجمهورية ونائبه إلى إعادة النظر في طبيعة المعاملات التي  تنتقص حقوق المناضلين وإعطاءهم حقوقهم كاملة  وتقديم كل وسائل الرعاية المطلوبة والاهتمام اللازمين لمن تبقى على قيد الحياة منهم  وأسر الشهداء والمتوفين من هؤلاء المناضلين وبما يليق بأدوارهم ومآثرهم البطولية.

وفي الوقت ذاته كم نحن بحاجة ماسة إلى توثيق هذا التاريخ إنصافا لهؤلاء الأبطال أولاً، ولكي نجعله مادة تثقيفية لجيل اليوم للاستزادة والاستلهام بعبر ودروس هذا التاريخ في ظل صعوبة الأوضاع الحالية وتعقيداتها ثانيا، وتعرية الضمائر الميتة التي تحاول أن تطل بأفعالها التخريبية هنا وهناك ومحاولاتها المساس بالقيم الأخلاقية النبيلة بشتى الوسائل ثالثا.

رحمة الله على الفقيد ورحم رفاقه وآباءه وأجداده الذين رووا شجرة الحرية وتركوا لنا إرثا نضاليا غنيا وسلوكا أخلاقيا نموذجيا وفعلا وطنيا خالدا.

تعـــــــــــــــــازينــــــــــــــا لكل أهل الفقيد وذويه وتغمده فسيح جناته وإنا لله وإنا إليه راجعون

متعلقات
سجون الحوثي.. جرائم وانتهاكات على مرأى ومسمع من العالم
مؤسسة الصحافة الإنسانية ترصد وفاة 60 حالة وإصابة أكثر من 7 آلاف شخص خلال شهر فقط
التسرب المدرسي معضلة تهدد مستقبل الطالبات في ردفان
تقرير: "دثينة وقبائلها".. لا حياد في الحرب على الإرهاب
الأمم المتحدة تتهم جماعة الحوثي الانقلابية بعرقلة العمليات الإنسانية للشعب اليمني