قصة وفاء .. نسيهم البشر وذكرتهم براميل القمامة..ليس لدينا ما نعول به أهالينا إلا القمامة التي فيها أرزاقنا وعائلاتنا (تقرير وصور)
تقرير / فواز الحيدري

ليست هذه كل الحقيقة ولا كل المعلومات المهمة، لكنها بعض من الخطوط التي ترسم صورة مظلمة جداً، وهي تشير إلى حقيقة واحدة بعيداً عن التفاؤل الذي تورده الحكومات المتعاقبة، لهذه الفئة المعدمة والأشد فقراً، وهي أن قضايا ومشاكل هذه الفئة في حاجة إلى عقول ميدانية جديدة وشجاعة، والى طرق علمية صريحة وواضحة تشارك في انتشال هذه الفئات من الفقر المدقع، التي تموت فيه ليل نهار، فالأمر حقيقي وليس فيه شيء من الهزل، لقد عاشت أسر بكاملها على براميل القمامة، تبحث فيها عن رزقها، إما عن طريق العلب البلاستيكية الفارغة، وعلب البيبسي المعدنية، التي تبتاع بأسعار بخسة، أو عن طريق التقاط بقايا الأكل الذي قد يكون صالحاً للأكل..، و ربما السؤال الذي يطرح نفسه في هكذا مواقف: هل براميل القمامة أكثر وفاءاً من بعض من بعض بني البشر والمسؤولين الذين لا يراعون في هؤلاء إلا ولا ذمة؟

وربما يكون الجواب بديهيا على لسان صورةٍ مرئية قامت " الأمناء" برصدها، لمنظر مؤلم يحزُّ في النفس كثيراً، وتتمثل تلك الصورة برجل عجوز ينحني ليلتقط ما تجود به القمامة من عطاء، وحينها اقتربنا منه و سألناه بكل بساطة وبرودة: هل أضعت شيئاً هنا يا والد؟ والإجابة كانت صادمة بكل ما تعنيه الكلمة فإلى هذه الحصيلة في الأسفل..

بين عطاء القمامة وعطاء البشر..!

وتبدأُ القصة من هنا، من عند "الحاج أحمد الشيبة"، الذي لم يحفل بكرم الإنسان فاتجه إلى القمامة، وحتى لا نتهم بأننا من دعاة التهويل والبلبلة بين الناس، فإننا لن نتحدث إلا عن "نموذج مصغر" لمئات من البشر يعانون من الموت البطيء كل يوم، وهذا النموذج هو لواحد ممن سمحوا لـ"الأمناء" بالتحدث عنه والتقاط  صورة سريعة له، وقد كان الحاج "أحمد الشيبة" هو أول من قابلته في مدينة خور مكسر، وهو يدنو من برميل القمامة ليلتقط ما تجود بها القمامة من عطاء أفضل من أيدي بعض بني البشر، وقد حز الألم بالنفس أكثر حين اقتربنا منه سائلين إياه: هل أضعت شيئا يا والد؟ نظر نحوي وبكلمات عذبة رقيقة قال: "نعم إنني أفقد قوت يومي، فمنذ الصباح وحتى الساعة، لم أحفل بشيء من كرم القمامة لهذا اليوم".. كلمات تعذب ضمائرنا في كل ساعة وكل دقيقة، وكأن مقصود تلك الكلمات هي أن القمامة على قسوتها أكرم من بعض دعاة الآدمية، هو لم يقلها مباشرة بل عاشها وأحسَّ بها..!

حفلة بمرقة ربع دجاجة

واصلنا الحديث معه بالقول وهل تجد كل يوم ما تبحث عنه؟، فيجيبنا كل يوم  أجد أشياء مختلفة، فمثلاً بعض الأيام أجد دراجة صغيرة أو ملابس شبه جديدة، أو جوان (وشالات) ابيعها وبثمنها احتفل بربع حبة دجاج، مع شيءٌ من الأرز، أنا وأسرتي..

وعن التعب الذي يجده في هذا البحث المضني عما يسدُّ به رمق جوعه يقول أنه في كل يوم يقوم بالبحث في أماكن مختلفة، وأكثر الأماكن التي يرتادها هي براميل القمامة القريبة من المدارس؛ لأنني أجد أحياناً الكثير من الكتب التي ابتاعها فيما بعد على أصحاب الأكشاك.

وفي السياق ذاته، وأثناء جولتنا هذه وجدنا "أحمد سعيد علي ثابت" في المعلا، والذي نظر نحونا فلمحنا في عينيه شيءٌ من أسى حيث طلبت التقاط صورة له فكان جوابه على الرحب والسعة، فجلس وبيده بعض علب المياه المعدنية الفارغة التي جمعها للتو من برميل القمامة الذي بجانبه، فسألناه هل أنت موظف؟ يجيبنا بـ ( لا )، ثم يتبع حديثه: كنت من قبل موظف وقد انقطعت عن العمل  لظروف عائلية الأمر الذي جعل الإدارة التي كنت اتبعها تقوم بفصلي وكان ذلك عام 1998 م والى يومنا هذا وأنا بدون وظيفة أو عمل.

رزقي ورزق عائلتي في القمامة

وبشأن عمله هذا سألناه لماذا تتجشم كل هذا العناء للبحث في القمامة، فيرد علينا بالقول: لدي أسرة كبيرة أعولهم وهي مكونة من تسعه من البنين وامرأتين، ولا  يوجد لدي عمل آخر غير هذا، وهو البحث  عن رزقي ورزق عائلتي في القمامة بحثا عن العلب الفارغة البلاستيكية والمعدنية وبيعها بالكيلو.

وعن المبلغ الزهيد، الذي يتقاضاه جراء تجميعه العلب الفارغة يقول بأنه يبيع الكيلو الواحد بعشرين ريال فقط، والجونية (الشوالة) تزن ما بين ثلاثة كيلو وخمسة كيلو.  

وفي الأخير، انتهت جلسة من جلسات المعاناة، لكن فصول الرواية لم تنتهِ في الوطن المعذب..

متعلقات
سجون الحوثي.. جرائم وانتهاكات على مرأى ومسمع من العالم
مؤسسة الصحافة الإنسانية ترصد وفاة 60 حالة وإصابة أكثر من 7 آلاف شخص خلال شهر فقط
التسرب المدرسي معضلة تهدد مستقبل الطالبات في ردفان
تقرير: "دثينة وقبائلها".. لا حياد في الحرب على الإرهاب
الأمم المتحدة تتهم جماعة الحوثي الانقلابية بعرقلة العمليات الإنسانية للشعب اليمني