البعض يستهين بخطاب صالح الأخير، ويقول بأنه لم يقدم جديداً كسابقاته؛ التي قلنا إنها لم تقدم جديداً؛ ولكن هذه المرة نقول الواقع يقول بأن خطابه قدم جديداً، وجديد أو مستجد، وربما قد لا يكون مُجدياً، أو العكس، وهذا ما لا يمكن أن نستهين به، هنالك قاعدة تقول:" لا تحصر الثعبان في زاوية واحدة"، والثعبان الآن محاصر، ولكي ينجو بحياته، عليه أن يتقدم إلى الأمام كما قال بنفسه، والرهان والمواجهة هنا على حياته ومستقبله وأسرته كلها، يكون أو لن يكون إلى الأبد، كما أن هنالك قاعدة أخرى تقول: "لا تقاتل الوحش في وكره"، هذه مقدمة ليست إلا للتروي والحذر وحسابة كل شيء بدقة؛ لأن في الأسفل ما يجعلنا نقول ذلك..
صحيحٌ أن خطاب صالح يحمل مقاربات كثيرة بخطاب "القذافي" الأخير، في باب العزيزية؛ لكن الفرق بين من ظلَّ يعمل ويجهز ويجيش وبين من ترك الأمر للحظات الأخيرة أو للأقدار أو للشطحات، حيث أن الفرق واضح جداً، فصالح لديه أوراقا مهمة وجدية وخطيرة، وتنبع أهميتها من كون أن الرادارات وأحدث التقنيات؛ لا يمكن أن تتقصاها أو تكتشفها فعلاً، ومن فشل بتأمين عدن سيفشل بتأمين صنعاء، و(السيارات المفخخة)، ستفعل كما تفعل الصواريخ الطويلة المدى، وهنا يكون المقصد من هذا الحديث هو، أنه لو كان باستطاعة التحالف العربي أن يراقب كل المواطنين اليمنيين مع (سياراتهم) المدنية (المفخخة)، فلتفعل إن كان لهم المقدرة، وهذا يعطي إجابة نموذجية مقدمة لصدق توقع صالح في هذا الجانب، النموذج هو نجاح التحالف بتأمين عدن والمناطق المحررة، عدن التي قلوب أبنائها مع التحالف؛ ولكن لصنعاء وضع آخر، أمام ما يدعونه "العدوان"، وهذا واقع مُعاش هناك، ومن يتجاوزه فمعناه أنه يفخخ نفسه..!
مخطط ( الخليج واليمن الكبير)
كان صالح لا يكفُّ عن "صمام أمان الوحدة اليمنية"، إلى جانب ذلك كله، فقد كان يراوده حلم (اليمن الكبرى)، والمقصود بها هي تلك الأرض الواقعة جنوب/ جنوب شرق/ جنوب غرب الجزيرة العربية، وتمتد من الطائف وتخوم مكة شمالاً، إلى عدن في أقصى الجنوب، إلى باب المندب غرباً، إلى مضيق هرمز شرقاً، إلى تخوم كاظمة (الكويت حالياً) في الشمال الشرقي، وتقف على حدود العراق والشام، كما وجد في خارطة تعود إلى القرن الــ17، ومن المفارقات العجيبة هو أن الخارطة توجد في مصحفٍ موجود في متحف بإسطنبول وكأنه على ما يبدو أن الرجل يُعدُّ عدته لذلك اليوم بكل الوسائل والطرق، ومن هذا المنطلق، بدأ يخزن ويشتري الأسلحة، بانتظار اليوم الموعود..
وتشير بعض المعلومات إلى أن "صالح، وصدام حسين، والقذافي"، كانوا متفقين على احتلال الخليج سعياً منهم لتحقيق الحلم، وهما الأكثر إيماناً بـ(القومية العربية)، المستحضرة في الخطاب ذاته، عند ذكره للزعيم القومي "عبدالناصر"، وهذان - حسب المتداول - يمدان صالح بالأسلحة والأموال حسب اتفاقات سرية مبرمة بينهم، لغزو الخليج العربي والسيطرة عليه، وفرض الوحدة على الحدود السابقة، فبدأ صدام يتوجه نحو الكويت وصالح نحو جنوب اليمن، نجح صالح في الأمر، واستطاع تسويق اليمن الجنوبي والشمالي، ولابد أن يعود الفرع للأصل؛ لكن تتبقى هنالك فروعا أخرى باتجاه الخليج، لابد من توحيدها، حسب فكر صالح الوحدوي، الذي يرى أنه واقع في المركز، ولا بد أنه له الحق الحصري كي يكون صاحب المبادرة.
وانطلاقاً مما كان يدعى سابقاً "اليمن الكبير أو السعيد أو التاريخي"، لابد من الوصول إلى (الوحدة الشاملة)، وصوب تحقيق الحلم الكبير، وهذا ما كان يُلمِّح إليه صالح بشأن المخابرات الأجنبية، التي قال إنها ضللت الخليجيين وأتت لهم بمعلومات مغلوطة، وتحاشى صالح ذكر المعلومات المغلوطة والخطرة؛ لكنه عاد مباشرة ليلمح إليها بمعنى قوله "قابلون بأن تتزعم السعودية الأمة العربية والإسلامية"، وهذا ربما يثبت وجود تفكير حقيقي و(تنافس زعامي محموم) بهذا الصدد، وعاد صالح مجدداً لنفي الخطر، الذي قال إنه لم يأتِ أبداً من اليمن تجاه الخليج طيلة الفترات السابقة، بل كان يحدث العكس، فالمملكة هي من تخترق الشمال إلى الحديدة والنهدين..، مستذكراً كلاً من تاريخي الاعتداءات، حسب وصفه وهي: سنة 32 حتى اتفاقية 34، و سنة 62 إلى سنة 70 .
ودوماً عندما يتحرك الشمال صوب الجنوب (عدن)، فإن المملكة والخليج تفهم تلقائياً أن الهدف هو (خاصرة الخليج)، وآخر تلك المحاولات، هي محاولة صالح والحوثيين التقدم صوب الجنوب.
وعن موضوع اليمن الكبير، فقد جمع قلة من الباحثين العرب على حدود اليمن القديمة، وآخرها إصدار كتاب مفصل بهذا الصدد وهو كتاب (اليمن الكبير كما رسمه البشير النذير) صلى الله عليه وسلم، من تأليف الدكتور "صادق عبد الله المخلافي" لمن يريد الاطلاع عليه، حيث استعرض فيه معلومات تاريخية ومعرفية وخرائط من 180 علما من أعلام التاريخ، وأكثر من 270 مرجعاً وسنداً تاريخياً.
مقرب من صالح يعترف بالإعداد لحرب السعودية
وفي وقت سابق كشف الأمين العام المساعد للمؤتمر الشعبي العام "ياسر العواضي" بأن القوات الموالية للرئيس السابق تمتلك عشرات الآلاف من الصواريخ، قامت بتخزينها في وقت سابق استعدادا لحرب متوقعة مع السعودية .
وفي تغريدات عبر موقع التواصل الاجتماعي " تويتر " قال العواضي ، إن وزيرا لم يسمه أخبره عن وزير الدفاع الأسبق بمعلومات في عام 2006 أن الجيش يمتلك أكثر من 30 ألف صاروخ توشكا ولونا.
وأضاف :"وأخبرني الوزير عن نفس الوزير أنه قال للرئيس صالح ليش (لماذا) كل (هذه) الذخائر قال له استعدوا لـ50 سنة لو حاربتكم السعودية معاد باتبيع (لن تبيع) لكم (أي) دولة حتى طلقة واحدة".
إلى ذلك، فقد استغرب "التحالف العربي" من امتلاك صالح كل تلك الترسانة من الأسلحة، واستغرب أكثر من شِدة إحكامه إخفاء الصواريخ واحتياطاته المحكمة، وأعادوا ذلك إلى أن لدى صالح مشروعا ضخما، ربما كان بغزو الخليج..
أسرار وأرقام
وفي 11 يونيو 2014، اتهم رئيس الوزراء السابق "محمد سالم باسندوه" في مقابلة له مع إحدى القنوات العربية، بأن صالح قام بمحاولة انقلابٍ في هذا التاريخ، مضيفاً: " كان علي عبدالله صالح يخطط للانقلاب وكان يتمنى أن يعتقل عبدربه منصور هادي ويعتقلني؛ لكنه فشل"، وأرجع باسندوة تلك المحاولة إلى أن صالح استغل أزمة المشتقات النفطية، ومعاناة الناس وأراد أن يقوم بحركة انقلاب لكنه فشل، وأتبع بنفس اللقاء: "عليه أن يدرك أنه لن يعود إلى الحكم مهما حاول"
ويرى محللون أن تاريخ ( 11 فبراير )، يمثل لعنة لصالح، وهذا ما جعله يستشيط غضباً؛ عند تحديد هادي لهذا الرقم وجعله يوماً وطنياً، مضيفين: بأن هذا التاريخ من أي شهر تحدث فيه مصائب، كـ 11 يوليو / تموز 2012، الذي استهدف هجوم سيارة مفخخة لكلية الشرطة في صنعاء، وراح ضحيته 15 قتيلاً والعشرات من الجرحى، وغيرها 21 مايو الذي تم تسليم صالح به السلطة، ومقتل 106 جندي في بروفة ميدان السبعين وغيرها العديد من الأيام.
والأكثر خطورة من هذا كله، هو أن يكون الرقم الملعون بالنسبة لصالح هو رقم الحظ والنصر له كذلك، والتي قد ترمز إلى 11 شهراً منذ بدأت الحرب والرجل يصنع ويضع صبغته السحرية من "التكنلوجيا اليمنية العظيمة" التي لا يمكن للطوائر "الطائرات" والرادارات المتطورة، وهذه إشارة جدُّ خطيرة، وربما هي إعلان ضحايا وتفخيخات في وسط جيش الشرعية المتقدم حالياً صوب صنعاء، ولها فعل الصواريخ، وهذا احتمال كبير..
وعن الرقم 3000 ألف الذي ذكره صالح في الخطاب، فإن له ارتباطاً بشهر أغسطس/ آب ٢٠١٥، الذي تم إنزال 3000 آلاف مقاتل من التحالف؛ لتأمين عدن، وهنا يشير صالح بوضوح تام، أن هنالك بوادر نجاح عملية سياسية قد تكون قادمة، وإذا ما نجحت فعلاً فإن على هادي أن يعود، إلى صنعاء، ولا ينسى أن يجلب معه 3000 ألف جندي سعودي لحمايته، في القصر بصنعاء، وهذه إشارة خطيرة بأن ما سيحدث في صنعاء هو نفسه ما يحدث بعدن، ومن عجز عن تأمين عدن سيعجز عن تأمين صنعاء "رسالة للتحالف"، حيث لن يكون هادي رئيساً ولن يتصرف كرئيس شرعي في صنعاء، وهذا تحدٍّ صريح لا أوضح منه.
من الزعيم ومن الرئيس؟!
لقد أصبح صالح حنقاً جداً عندما يرى هادي يتحدث في أي خطاب يلقيه، لا يطيق فكرة هادي ولا حتى ذكر اسمه، ولا زلنا نتذكر في بداية مشوار تسليم صالح السلطة لهادي وعيناه ترقبان تخوفاً مستقبلياً تحت هذا التساؤل: ترى ماذا يخبئ لي هذا الرجل وقد كتبنا هذا التساؤل حينها حين فهمت بدقة تلك النظرة المتفحصة بوجه هادي، والأخير يتصرف كحمل وديع؛ ومعه كل الحق في هذا؛ لأنه يعرف جيداً من يكون صالح، وما هو حجم الغيرة التي يشعر بها، عند اقتراب أي أحدٍ من شيء يخصه، وخاصة (كرسي الحكم).
إن شخصية صالح لا يمكن أن تسمح لأحد من المقربين أو المستشارين، بأن يحجب ظهوره عند غليانه وشعوره بالغيظ، وسبب هذا ظهور الرئيس هادي في اسطنبول كزعيم منتصر، والتحدث بلهجته العامية الواثقة وبلهجته، حتى جّنَّ جنون الرجل، وأمر بخطاب فوري، يقع تحت بنده شخصيته العنيدة وهو: "سنواجه التحدي بالتحدي"؛ حتى لو اقترب الخطر منه كثيراً؛ لكن من حوله حاول امتصاص غضبه، والوصول إلى مسلمة أن يُلقي خطاباً يلتزم به بالنقاط المكتوبة، ومع هذا لم يُفلح الأمر فتدخل مونتاج القص كثيراً؛ لكنه أيضاً كان يخرج عن النص..