في ممر الانتظار ظل يتكئ على عصاه وتحتشد في ملامحه الأمنيات .. يبحث عن (ساق) بديلة بعد أن انتزعت الحرب ساقه اليسرى التي طالما أطلقها بخفة نحو أوكار المعتدين ..
عاد الشاب عمر ناصر من السودان بعد ثلاثة أشهر قضاها إجباريا للعلاج إثر إصابته في القدمين بتصويب إجرامي أثناء تمشيط منطقة المعاشيق..
الشاب العشريني وهو طالب في أحد المعاهد الفنية بعدن يقف اليوم بساقٍ واحدة ينتظر دوره بالحصول على فرصة الساق التعويضية التي يمنحها مركز الأطراف الصناعية والعلاج الطبيعي الكائن في منصورة عدن ..
الكفاح من أجل البقاء
(عمر) هو نموذج لعدد ليس بقليل من أولئك الذين أرخصوا لأجل الكرامة أرواحهم ومستقبلهم، فقد أفقدت الحرب وتوابعها من ألغام مدمرة الكثيرين قدرتهم على الحركة بسبب بتر إحدى القديمين أو كليهما أو طرف علوي أصبح على إثره الجريح باحثا عن يد بديلة .. في مركز الأطراف الصناعية والعلاج الطبيعي قد يجد المصاب ضالته، لكن المركز ذاته يبحث عن ضالة أخرى مغيبة منذ سنوات، فالمركز غير قادر على التصنيع أو استيراد أطراف صناعية من الخارج بسبب عدم صرف ميزانية تشغيلية لهذا المرفق الحيوي الذي افتتح في عام 2000م، بدعم من المنظمة البلجيكية التي رفدت المركز بخبرات دولية عملت على تدريب الطاقم الفني للمركز في صناعة الأطراف والأجهزة، والغسل الدماغي، وكانت المنظمة قد وقعت عقد لمدة خمس سنوات مع المركز، وقبل خروجها بسنه أسند المركز إلى جمعية ذوي الاحتياجات الخاصة، وهذا ما اعتبره القائمون على المركز مخالفاً للقانون.
80% إعفاء لجرحى الحرب
رئيس مركز الأطراف الصناعية والعلاج الطبيعي عبد الله القيسي يؤكد أن المركز يعفي جرحى الحرب من الرسوم بنسبة 80%، لكن المشكلة أن المركز غير مدعوم بميزانية من الدولة .. هكذا يقول، ويتابع : " نحاول تقديم ما بوسعنا لهؤلاء الجرحى، لكن وضع المركز أصبح على حافة الانهيار والتوقف، نظرا لغياب الدعم الحكومي، وكون جميع العاملين فيه من المتطوعين، ولم يتقاضوا أي مرتبات منذ أشهر، لعدم تلقي المركز الميزانية التشغيلية وعدم القدرة على استيراد أطراف صناعية من الخارج".
ويذكر عاملو المركز بكثير من العرفان الدعم الإماراتي للمركز كتأهيل المبنى، ودعم العمال براتب شهرين، وتقديم مواد للتصنيع بقيمة ثلاثة مليون ريال، ويدعو القيادة للاهتمام بالمركز واعتماد ميزانية تشغيلية بتوجيهات صريحة ترى النور وتطبق على أرض الواقع.
تصنيع وعلاج طبيعي
تشير إحصائيات المركز إلى أنه تم علاج عدد كبير من حالات بتر الألغام وبتر الرصاص جراء الحرب، وتم تصنيع (120) عكازا خشبيا للجرحى، وعدد كبير من الأجهزة التعويضية للقدم، إضافة إلى تصنيع كراسي متحركة.
واستقبل المركز خلال عام 2015م ( 1395 ) حالة مرضية فئة الكبار، و( 2679) فئة الأطفال، كما استقبل المركز ( 2831) حالة لجلسات العلاج الطبيعي.
وينهض المركز بجهود أبنائه الطوعية الذين يتوزعون على أقسامه المختلفة : قسم العلاج الطبيعي، ورشة صناعية، قسم نجارة، قسم لحام، قسم الجلود وقسم خاص بالأطفال.
(لا حياة لمن تنادي)
منذ عام 2013م لم يستلم موظفو المركز مستحقاتهم المالية .. هذا ما جاء في بيان صادر عن نقابة مركز الأطراف الصناعية ، وشكا البيان الانتهاكات التي تمارسها وزارة المالية بحق موظفي المركز منذ ذلك العام وحتى الان .
نقابة عمال المركز كانت قد تأسست عام 2012م ونظمت عدة وقفات احتجاجية، للمطالبة بميزانية تشغيلية معتمدة للمركز، والتقى ممثلو النقابة حينها رئيس الوزراء محمد سالم باسندوه الذي أعطى توجيهات صريحة للقيادة في صنعاء- حسب البيان- للاهتمام بالمركز، لكن تلك التوجيهات لم ترَ النور، ومازالت معاناة المركز مستمرة.
آمال على لوح الانتظار
مركز الأطراف الصناعية الذي يعلق عاملوه أمالا بحجم معاناتهم - لا يقتصر عمله على استقبال الحالات من عدن فقط, بل يخدم الجنوب بأكمله من خلال خدماته التي يقدمها كمعالجة إصابات الحروب والشلل الدماغي والشلل النصفي, وصناعة الأطراف الصناعية العلوية والسفلية وأجهزة ساندة ومشايات, إضافة إلى تأهيل وتدريب وإدماج المعاق في المجتمع.. لذا فإن تدهور الوضع المالي للمركز بسبب عدم تفعيل الموازنة التشغيلية – يعني القضاء على طموحات بسيطة ومشروعة للمغلوبين على أمرهم..
يعلق المركز ومرتادوه آمالهم على لوح الانتظار، فهل من نظرة صادقة وقراءة جادة لذلك اللوح ؟!