جاءوا الى الاردن يتطلعون نحو ايجاد علاج يداوي جراحهم ويخفف من آلامهم، ولم يتصوروا ان معاناة اخرى تنتظرهم هنا في عمَّان.
المئات من الجرحى تتنوع صور معاناتهم وتختلف اشكالها من جريح إلى آخر، انطلاقاً من عدم وجود لجنة طبية مهنية تقوم بتوزيع الجرحى على المستشفيات كلٍ حسب حالته الصحية ونوع العلاج الذي يحتاجه او المستشفى المتخصصة، ليتم الزج بكافة الجرحى بشكل جماعي دون النظر إلى نوع الجرح واحتياج التطبيب للجرح والحالة المرضية وماهية الخدمات العلاجية التي يحتاجها الجريح.
هذا قبل ان يتم إلغاء كافة العقود المبرمة مع المستشفيات الاردنية قبل عدة ايام واتخاذ قرار باحالتهم الى الهلال الاحمر الاردني..
وبعد ايام من التحقيق في هذه المسالة من خلال زيارات قمنا بها لكثير من الجرحى بالاضافة إلى لقاءات اجريناها مع بعض الأطباء في عمَّان اتضح ان عملية ادخال الجرحى كانت تسير بصورة عشوائية ناتجة عن غياب اللجان الطبية الحقيقية او المهنية، لتقوم اللجنة الطبية الموجودة بدور التنسيق فقط بين الجهات المنوط بها ارسال التقارير الطبية من عدن ومستشفيين اردنيين بغض النظر عن الاحتياج الطبي الذي يقوم وفق حاجة الجريح للعلاج وهو الامر الذي يشكل صعوبة امام تلك المستشفيات التي تعجز عن توفير الخدمة الصحية المطلوبة على اكمل وجه، وحتى وان رفعت المستشفى تقريرها إلى اللجنة التابعة للسفارة اليمنية لتوضيح عدم وجود امكانية علاج مثل تلك الحالات فان تلك اللجنة تكتفي بالصمت وابلاغ الجريح بعدم وجود امكانية للعلاج بدلاً من نقله إلى مستشفى آخر توجد فيه امكانية علاج الحالة المرضية.
وهكذا تبلغ اللجنة اولئك الجرحى بالاستعداد لرحلة العودة إلى الداخل.
العشرات ان لم يكونوا المئات من الجرحى عادوا بخفي حنين إلى عدن دون الحصول على العلاج المطلوب لتبقى مشكلتهم مستمرة وعالقة.
وبشكل عام يعاني الجرحى الجنوبيين ومرافقيهم من قلة المصاريف الضرورية لهم وانعدامها كلياً في معظم الاوقات وهو الأمر الذي يضاعف من معاناتهم ويعجز الجرحى ومرافقيهم من التواصل مع اقاربهم في الداخل بالاضافة إلى معانتاهم من الجوع لعدم وجود المال الكافي لشراء الطعام خاصةً وان بلد كالاردن يوجد فيه ارتفاع جنوني للاسعار حيث لا يكفي مبلغ خمسون دولاراً لشراء ثلاث وجبات طعام للشخص الواحد في حين الكثير من المرضى ومرافقيهم لم يتسلموا اي مساعدات مالية من قبل اللجنة المختصة بالجرحى وقلة منهم فقط حصلوا على اقل من خمسمائة دولار وهو الامر الذي يجعلهم يضطرون لطلب مساعدة اسرهم في الداخل.
اكثر من ستين جريح ومرافقيهم استقر بهم الحال في فندق "هيا عمان" وباتوا ينتظرون المساعدة الطبية.
التقينا بعض الجرحى المتواجدين في فندق هيا عمان وكان يفترض ان يكونوا مرقدين في المستشفيات لحاجتهم الماسة للعلاج، واخبرونا انهم لم يتلقوا اي مساعدة طبية ولم تصلهم حتى مسكنات منذ شهر تقريباً حيث ينتظرون تجهيز المستشفى التابع للهلال الاحمر الاردني..
المسئولين في الهلال الأحمر الاردني رفضوا الادلاء بأي تصريحات او توضيح الوضع الراهن واكتفوا بالقول انهم بصدد تجهيز مبنى المستشفى في غضون ايام استعداداً لقبول الجرحى.
لا يوجد هناك مستشفى اساساً انما الموجود عبارة عن مبنى خارج مدينة عمان كان يأوي عائلات نازحين سوريين ولا يوجد فيه اقسام طبية متخصصة باستثناء غرفة اسعافات اولية فقط.
بعض الجرحى يحاولون السفر الى دول كالهند وألمانيا على حسابهم الخاص لكنهم لم يتلقوا اي مساعدة في اجراءات السفر المعقدة.
مجاهد الحالمي وعلي محمد حسين شابين جنوبيين فقد الاول يده اليسرى والاخر فقد احدى ساقيه جرى الضربة الجوية التي طالت العشرات نهاية العام الماضي في جبل الزيتونة بالعند ينتظران بألم وعود تسفيرهما لاستكمال العلاج وتركيب اطراف صناعية لهما ويتحملان معاناة طائلة وحكاية ألم تمتد الى نحو ستة اشهر.
عبدالرحمن الخوبري يرقد على سريره في الفندق ولا يستطيع الحركة حيث ينتظر الحصول على فرصة للسفر الى الهند للعلاج على حسابه الشخصي بعد ان فقد الأمل من الحصول على العلاج المطلوب.
وفي الغرفة المقابلة يرقد الشاب علي حسين اليافعي المصاب بشبه شلل نتيجة اصابته في العمود الفقري، وصل الى الاردن في شهر سبتمبر العام الماضي ولم تجر له اي عملية حيث رفضت اللجنة الطبية التكفل بدفع تكاليف العملية الجراحية، ومثله الكثير ممن اضطروا الى العودة نحو منازلهم دون فائدة.
من سيتحمل مأساة هؤلاء الجرحى، ولماذا تجري معاملتهم بهذه الصورة؟ واسئلة اخرى لم تجد لها اي اجابة..