أيقظتها فاجعة الحرب وهي على أعتاب غفوة لحلم بسيط تكدح لأجل تحقيقه منذ (12) عاما مرت وهي تقف شامخة كأول امرأة بائعة للصحف في عدن وأقصى أمنياتها ( كشك ) صغير يحتوي صحفها ويقيها حرارة الشمس الحارقة ..
العودة إلى أعتاب الحلم
إلى رصيف جولة (كالتكس) في منصورة عدن ، عادت يسرى (36) عاماً، بعد غياب قسري فرضته الحرب الظالمة على عدن ، فمنذ ساعات الصباح الأولى تقطع ما يقارب مسافة ( 5 كم) لتصل إلى مكانها المحدد لبيع الصحف متنقلة بين المركبات الصغيرة والكبيرة وبين المارة في منطقة تعد نقطة انطلاق رئيسية من وإلى المديريات المختلفة لعدن .
" أعمل في بيع الصحف سعياً وراء لقمة العيش في ظل الظروف المعيشية الصعبة، وهناك من عارض عملي في هذا المجال إلا أني أجده شرفاً وفخراً لي ولأسرتي، فأنا لا أمد يدي بالسؤال لأحد وأكسب من عرق جبيني وأساند زوجي في إعالة أسرتنا " هكذا تقول يسرى .. وتضيف باعتزاز : " أنا أول امرأة في عدن تقتحم مجال بيع الصحف، فهذا العمل كان مقتصراً على الرجال فقط ولا أجد أي حرج من عملي هذا ".. وأردفت بلهجة أكثر اعتزازاً : " زوجي رياض شجعني على ذلك ويساعدني في عملي، صحيح أن وراء كل رجل عظيم امرأة عظيمة ، ولكن أيضاً وراء كل امرأة ناجحة رجل عظيم ".
ساحة العمل تتغلب على قاعة الدرس
كانت يسرى متفوقة لدراستها قبل أن تضطر لمغادرة قاعة الدرس وهي ما تزال في الصف السابع الابتدائي بسبب الظروف المعيشية الصعبة التي مرت بها أسرتها والتي جعلتها غير قادرة على مواصلة تعليمها، كان أسلوبها أثناء حديثها دالاً على ذلك التفوق، وحبها للتعليم كان واضحاً بدلالة رغبتها الشديدة في الكفاح من أجل تعليم أطفالها الثلاثة .. عهد ، هاجر ، وذو ريدان .
"كنت رفيقة أمي في بداية سنوات عملها" تقول ابنتها عهد، وأردفت بحماس: "أنا فخورة بأمي، وأتمنى أن أواصل تعليمي وأستطيع مساعدة أسرتي".
بدأت يسرى مشوار العمل كمربية أطفال في إحدى المدارس الخاصة، ثم عملت في (الدلالة) متنقلة بين الأحياء لبيع بعض المتطلبات البسيطة، كما عملت لفترة وجيزة في المنازل، لكن كل هذه الأعمال - كما تقول – لم تستطع التكيف معها.
"لم أجد أفضل من العمل في بيع الصحف" تقول (بائعة الصحف) يسرى، وتستدرك : "حتى وإن كان هذا العمل متعب والدخل محدود، لكن يكفيني ذلك الشعور الجميل الذي أنام عليه بأن هناك أناس ينتظرون مني الجديد صباح كل يوم" .
الصحف تعني لها الكثير
كان واضحاً أن كثيراً من قراء الصحف المارين في المنطقة التي تعمل فيها يسرى قد اعتادوا أن يأخذوا صحفهم منها صباح كل يوم، فتولدّت بينها وبينهم معرفة وثقة، دلّ على ذلك كراسة صغيرة تحملها يسرى وتدون فيها حساب شهري لعدد من القراء .
قالت إحدى (زبائنها) أثناء حديثنا معها : "دخلتي التاريخ يا يسرى" في إشارة منها إلى اهتمام الصحافة بقصة نجاحها في عملها .. فيما أشار أحد سائقي الأجرة بيده إلى يسرى قائلاً : "هذه امرأة مكافحة وذات عزيمة".
يقول العم (شائف) بائع الخيار الذي يقف على مقربة من يسرى :"هذه امرأة قوية بإرادتها تسعى للكسب الحلال من أجل أسرتها، وكلنا هنا في رحلة كفاح يومية لتوفير لقمة العيش، فالحياة بحاجة إلى إرادة وصبر".
وأضاف مشيراً إلى يسرى : "أنظري إليها كيف تتنقل كالنحلة من سيارة إلى أخرى، وكثير من السائقين يفضلون أخذ الصحف منها على الرغم من وجود بائعي صحف آخرين، لكن هدفهم بالتأكيد تشجيعها ومساندتها" .
وحول ذلك تقول يسرى : "زملائي البائعون هنا متعاونون جداً معي خلال سنوات عملي، خاصة حين أتعب من الوقوف كما حدث أثناء فترة الحمل بالطفلين الآخيرين، يظلون يحفزون الناس على الشراء مني، إنهم طيبون جدا وأنا أشكرهم من أعماق قلبي" .
يسرى في قطاع غير منظم
يسرى عبده علي (بائعة الصحف) .. هي واحدة من نساء كثيرات في عدن يعملن في القطاع غير المنظم وهو القطاع الذي عرفه الجهاز المركزي للإحصاء بأنه يشمل أنشطة تتنوع بين باعة على الأرصفة ودلالين وحمالين وسائقي سيارات الأجرة وكذلك الأنشطة التي تمارس في المنازل .
وبالنظر إلى طبيعة هذا القطاع الذي يفتقر إلى التنظيم فإن الحصول على معلومات وبيانات دقيقة عنه أمر بالغ الصعوبة غير أن الحقائق تؤكد على ضرورة إعطاء القطاع غير المنظم أهمية خاصة في التخطيط للتنمية المستقبلية حتى يصبح مكوناً أساسياً وذا إنتاجية عالية كي يستطيع العاملون فيه تحقيق جزء ولو يسير من الاستقرار المعيشي لأسرهم .