ما أن تبدأ قدماك بالمضي في سوق البهرة حتى تشعر بهاجس استدعاء للحظات مندثرة .. ربما كان لرائحة المكان أثرها، فما زال عبق الماضي هناك، رغم ما شهدته عدن (كريتر) من أيام سوداء انبعثت فيها رائحة الدم من كل الزوايا، إلا أن طبيعة المدينة سرعان ما يجعلها تهفو إلى تجاوز الألم بكل تفاصيله لتعود الحياة وفي جعبتها ألف حكاية..
عدن .. مدينة التعايش
نحن الآن في مطلع قرن مضى بتوقيت مدينة التعايش عدن .. قدم (البهرة) وهم من أصل هندوسي أسلموا على المذهب الشيعي (الطائفة الاسماعيلية) إلى عدن فوجدوا فيها متنفسا ناتج عن سلوك ناسها المفعم بروح المسالمة..
فهناك تعاطي حقيقي لمسألة التعايش والمواطنة المتساوية والنسيج الاجتماعي الموحد الذي ساد مدينة عدن فأصبحت تلك الجماعات الاجتماعية مصدرا للقيم المجتمعية، ومرجعيات ثقافية لها الدور الأكبر في بناء الشخصية الأساسية للمجتمع.
الباحث نجمي عبد المجيد يقول أن البهرة مصطلح هندوسي ويعني (تاجر بهارات)، مبينا أن لطائفة البهرة في عدن مسجد خاص (علي بهاي) بني قبل حوالي (150) سنة، وتم تجديده عام 2000م ، كما أن لهم مدرسة تقع في الشارع المتفرع إلى الزعفران من المتحف الحربي.
ترهيب للنسيج الاجتماعي العدني
ذلك النسيج الاجتماعي المتأصل يُراد له اليوم تشويه متعمد من خلال ما يتعرض له أفراد من طائفة البهرة من جرائم معلنة.. فقد كشف ناشطون حقوقيون في تقرير لهم أن هناك حالات خطف عديدة يتم فيها الافراج عن المختطفين مقابل فدية مالية. ونوه تقريرهم ، إلى أن بعض أفراد البهرة يتعرضون لتهديدات مستمرة وفقا لمعلومات وثقها ناشطون حقوقيون قاموا بزيارات تضامنية ولقاء عددا من الأسر العدنية من أتباع الطائفة.
وعبر الناشطون عن إدانتهم لأعمال الترهيب والاختطاف التي تتعرض لها جماعة البهرة في عدن، وأكدوا وقوفهم وتضامنهم الكامل مع كل من يتعرض للابتزاز والترهيب من الأقليات وحقهم في الحصول على حياة آمنة وكريمة، وطالبوا السلطة المحلية وأجهزتها الأمنية بضرورة عمل اللازم من أجل ردع كل من تسول له نفسه المساس بالنسيج الاجتماعي لمدينة عدن ومواجهة هذا الخطر الذي يهدد المجتمع ككل.
إثارة الفتنة هدف لأعداء الإنسانية
أعمال يراد بها إدارة الأنظار وإرباك الجهود الأمنية في عدن التي استبشر أبناؤها خيرا بتعيين عيدروس وشلال .. هكذا يرى أحمد بامطرف – أحد شباب المقاومة، ويضيف : (يحاول مرتزقة المخلوع ومطبخه الإعلامي تأجيج الوضع وإثارة الفتنة من خلال التشكيك في مقدرة قيادة المحافظة على حماية كل الجماعات المتعايشة في عدن منذ سنوات طويلة).
الناشطة الحقوقية وفاء الحكيمي أوضحت أن قضية اختطاف أفراد من طائفة البهرة يعد افتعالا لأزمة صراع طائفي يهدف إلى تشويه تاريخ التعايش في عدن. وأبدت أسفها لما يواجهه أفراد البهرة من ترهيب، مؤكدة أن عددا من النشطاء المجتمعيين كانوا قد قاموا بزيارة إلى أحد المختطفين العائدين، إلا أنه وأسرته رفضوا الحديث عن أي تفاصيل).
قيم مجتمعية بحاجة إلى منقذ
تقول المحامية أنمار منصور أن عدن شهدت قصة نجاح التعايش والأمن لكل أنواع البشر، وتؤكد أن عدن لم تشهد قط حروبا مذهبية أو دينية، بل برزت قيمة وفكرة النسيج الاجتماعي الموحد، وأصبحت الجماعات الاجتماعية مصدرا للقيم المجتمعية، فاستوعبت عدن فكرة التنوع وغابت فكرة التعصب الديني.
من جانبها قالت مها عوض – رئيسة مؤسسة وجود للأمن الإنساني: (ما تتعرض له طائفة البهرة هو "التمييز المجحف" ضد الأقليات حيث تعرض عدد من أفرادها للاختطاف والتقطع والسرقة وأيضا محاولة القتل والابتزاز، دون أي حماية وقد دفع ذلك إلى التهجير القسري حيث اضطر بعضهم إلى مغادرة عدن، وهم بحاجة إلى مساعدة عاجلة).
عدن .. إنسان ومدينة
كان للثقافة والتاريخ والإنسان في عدن دورا خالدا في رسم صفات الوجه الإنساني لهذه المدينة التي شهدت التنوع الديني والمذهبي والعرقي وتعدد الأجناس، لذا فإن عدن تبقى بكل المقاييس مدينة وإنسان ..