قلعة (القارة) في يافع هي حاضرة السلطنة العفيفية على مدى حوالي أربعة قرون منذ تأسيسها في منتصف القرن العاشر الهجري تقريباً وحتى عشية الاستقلال. وما زالت تشمخ بقصورها وحصونها في ذروة جبل شاهق، يحمل نفس الاسم، وهي تمثل قلعة منيعة محصنة طبيعياً بصورة مُحكمة، إذ نُحتت جوانبها عمودياً، بحيث يتعذر تسلقها، عدا في الجزء الشرقي من الجهة الشمالية، عند الصخور أسفل "دار الدَّرك"، وقد تم تحصينه وحمايته بجدار حجري منيع، ولهذا لا يمكن الوصول إليها والدخول إليها بسلام إلا عبر البوابة الوحيدة(السدّة) التي توصل إليها درج منحوت في الصخر في بعض أجزائه والأخرى مبنية.
وترتفع دور وقصور القارة إلى من أربعة إلى ستة أدوار على النمط المعماري اليافعي الفريد، لكنها تتفرد بلون خاص من الحجارة الجيرية البيضاء تُسمى (يَاجُور) وتزدان واجهات البيوت بصفوف مغايرة اللون من الحجارة السوداء التي تستخدم لتنفيذ العناصر الزخرفية، بما في ذلك الخط الفاصل بين طوابقها، بحيث تحل صفوف الحجارة السوداء محل الحزام الأبيض المعتاد في بقية العمارة اليافعية، ومثـلهـا
عمارة قرية "عَبَر" في السعدي المجاورة للقارة، ويبدو أن مصدر حجارة قرية "عَبَر" و"القارة" واحد هو (جبل جار) المجاور لكل منهما الذي استخرجت منه هذه الحجارة التي تسمى محليا "الياجور". وفيها قال الشاعر عبدالرب بن ناصر أبوبكر العفيفي:
يقول ذي حل في قلعة من الياجور
وساسها من حجر حكَّم مبانيها
غسَّانية مبنية مُشَرْكَسَة معمور
وهي حجر واحدة بأعلى عَلاليها
على جبل طور عالي من جبال الطور
لا ماتت الأرض فالرحمن يحييها
ومن أشهر قصور وحصون القارة التي ما تزال قائمة (دار غمزان) و( دار السِّعد) و(دار الدّرك) وغيرها، وللقارة عدد من خزانات حفظ المياه تسمى (مواجل). ومن مساجدها الشهيرة مسجد الجيلاني المقابل لحصن السلطان، وهو مربع الشكل تعلوه أربع قباب مخروطية تم كسوتها بالنوّرة (القضاض) من الداخل والخارج. وقد تعرض هذا المسجد للقصف من قبل سلاح الجو البريطاني عام 1960م وهدم جزء من ركنه وأحد قبابه، فيما دُمرت مأذنته القديمة تدميرا كاملا، وقد رُمم المسجد لاحقاً بمادة الاسمنت ، وبُنيت منارة (مئذنة) جديدة ، تختلف بشكلها عن المنارة القديمة، وللمسجد ثلاثة خزانات(صهاريج) ذات أشكال وأحجام مختلفة لحفظ ماء الوضوء، جرى ترميمها أكثر من مرة كما يبدو من طبقة الاسمنت التي سدت تشققاتها.
كما يوجد في الجزء الجنوبي من القارة مسجد آخر هو مسجد (الشيخ سعيد العمودي)، وهو مربع الشكل، له محراب غائر، يزدان من جانبيه بزخارف هندسيةٍ ، وله مئذنة جانبية قصيرة الارتفاع. وللمسجد فناء خارجي (ضاحي) وفيه أربع برك(صهاريج) محفورة بالصخر لحفظ مياه الوضوء. وتبدو البركة الرئيسية في وضع سيء بفعل الإهمال، وتنظر بعين الرحمة لعل وعسى من يلتفت إليها مع بقية آثار القارة المعمارية الأخرى.
كما توجد في القارة مدافن خزن الحبوب المحفورة في بطن الجبل في ساحتها المعروفة بـ (حبيل الجَرَاشة) ومن أكبرها مدفن السلطنة الذي يطلق عليه مدفن (الألف) لأنه يتسع لألف مكيال (كيلة) من الحبوب. وما زال بعضها باقياً حتى الآن وإن لم تعد تستخدم لوجود بدائل صناعية.
وهناك أضرحة بقباب مطلية بالنورة لبعض سلاطين آل عفيف في القارة، وهي الآن في حالة سيئة مثلها مثل أغلب مباني وحصون ومواجل وآثار القارة المعمارية التي أصابها الإهمال وتتطلب عناية خاصة للحفاظ عليها وترميمها باعتبارها تراث حضاري إنساني.
وللأسف أن أغلب مباني وحصون القارة التاريخية هي الآن عرضة لمخالب الإهمال التي تعبث بها دون رحمة، خاصة منذ أن هجرها أصحابها، بعد نزوحهم القسري منها عقب الاستقلال وصعوبة الطريق إليها، ولم يعد أحد يلتفت إليها حتى تصدعت بعض جدرانها وتساقطت حجارتها، وتهدمت بعض السقوف بسبب سقوط الأمطار واحتقانها فيها، فضلا عن العبث بمحتوياتها من أبواب ونوافذ وأخشاب السقوف، حيث تُنزع منها ويتم نقلها لإعادة استخدامها في مبانٍ أخرى أو للوقود، ولا بد من التحرك لوقف مثل هذا العبث بمعالمها المعمارية والتاريخية قبل فوات الأوان.
وهنا يجب لفت انتباه المنظمات الدولية لإدخال تراثنا المعماري الفريد والعريق ضمن قائمة التراث العالمي، وتبدو حصون القارة، مهيأةً للدخول ضمن قائمة التراث العالمي، غير أن الأمر يتطلب بذل مزيد من الجهد لتحقيق ذلك من قبل السلطة والمنظمات الدولية والرأي العام المحلي، وفي المقدمة تكوين وعي محلي لإزالة ووقف التشوهات الحاصلة التي يحدثها البناء الأسمنتي وعدم تركها مهملة ومعرضة للانهيار.
وختاما لا بد من توفر القناعات والوعي بين الناس بأهمية الحفاظ على هذا النمط المعماري الفريد وخصوصيته المتميزة، والسعي لترميم وصيانة القديم والحفاظ على معالمه الجمالية كتراث معماري، وكذا تشييد المعمار الحديث ضمن شروط تحفظ الأصالة وتضفي المعاصرة، بحيث يكون هناك تجانس بين القديم والجديد والحفاظ على أصالته بثوب عصري.