يتحدث الطفل "طه" "14"، بصوت بريء ممزوج بالبكاء: أُصبت في حادث سيارة منذ خمس سنوات، وأصبحت معاقاً عن الحركة، أشعر أن أبي يكرهني، فدائماً ما يتجاهلني، ولا يتحدث معي.
الحياة إذن، مليئةٌ بالصدمات والمفاجآت، وفي أحيان كثيرة تفاجئنا بما لا يخطر على بالنا، فلم نكن نصدق أبداً أن هناك آباء يتجردون من كل معاني الأبّوة ويخفون أطفالهم المعاقين ، خوفاً من نظرة شماتة قد يجدونها في عيون الآخرين، وربما دفعتهم الوجاهة الاجتماعية الزائفة إلى حبس أطفالهم، وبدلاً من أن يكونوا عوناً لهم، باتوا هم الجلاد الذي يحاسب ويعاقب ويعذب، وتناسوا كل معاني الأبّوة والرحمة والحنان.
"الأمناء"، سلطت الضوء على هذه الظاهرة، وكشفت لكم بعضاً من هذه القصص المأساوية، لجحود بعض الآباء لأبنائهم، وتتساءل متى سيشعر الطفل المعاق بحقه في الحياة؟ وما ذنبه؟
قصــة حقيقيـــة
ويروي أحدهم من ذوي الاحتياجات الخاصة، بالقول: كنت في أحد المجمعات أقف فيها مع أصدقائي، وإذا بولد صغير يؤشر عليّ بإصبعه ويسأل أمه: لماذا هذا الشاب قدمه غريبة ومشوهة...؟. ولماذا يمشي بثقل هكذا...؟ سؤاله لم يكن جديداً ولكن جواب أمه كان كالقنبلة التي سقطت على إذني واخترقت شظاياها قلبي..، تخيلوا أمه ماذا قالت له..؟!
يصمت قليلاً، ويجيب بحرقة وأسى لقد قالت لطفلها، وأنا أسمع حديثها:" هذا الشاب لم يسمع كلام أمه فعاقبه الله بهذه العاهة في قدمه لذلك يا بني عليك إن تسمع كلامي دائماً؟! وإذا لم تسمع كلامي يصير لك كذا أو مثله ".
ويواصل مبتئسا وموجها رسالته لتلك الأم أو من قام مقامها بقوله:" لقد جرحتني جرحاً كبيراً عندما سمعتها، يا ليتها أخفضت صوتها وهي تحدث طفلها ولكنها لم تحاول حتى ذلك..، ربما اعتقدت أني معاق عقلياً ولن أعي ما تقوله، لقد نسفت تعب (15) عاماً قضيتها في المراكز الصحية أسعى فيها للتغلب على إعاقتي محاولاً الوصول قدر المستطاع لوضع صحي طبيعي ولما وقفت، وجدت من يسخر مني..! إن إعاقتي لم تكن أبداً عقابا من الله..
وبزفرة حزن يتبع:" ولدت بهذا التشوه الخلقي ولم أستطع المشي كباقي الأطفال.. فقد كنت أسير بالكرسي المتحرك لمدة (13) عاماً ونصف.. لم استسلم خلالها بل خضعت لأصعب العمليات ولم أستسلم أيضاً للإحباط في كل مرة أحاول الوقوف فيها وأسقط أرضاً بل كنت أصر على الوقوف بنفسي بدون مساعدة أحد.. كانت أحلى وأسعد أيام حياتي حين أرى نفسي واقفاً بعد هذه المعاناة كلها، وبالنسبة لكي هذا الحلم يعتبر تافهاً وربما لا تتذكرينه حين تستيقظين، ولكن أنا من سعادتي أصحوا وأتصدق من مالي لله شاكراً إياه هذا الحلم الجميل الذي أعطاني دافعاً وصبراً لتحمل آلام العلاج.. ساندني أهلي كثيراً حتى وقفت على قدمي قبل عام تقريباً وبعد عدة أشهر بدأت أخطو أول خطوه لي بعد تعب (15) عاماً !
ويواصل: مشيتي التي وصفتها بأنها عقاب من الله، أنا أعتبرها فضلاً ورحمة من عنده جل جلاله بأن جعلني أمشي بعد أن كنت مقعداً.. وفي ذلك اليوم بالذات كان أول يوم للمشي فيه على قدمي خارج المنزل.. وقررت أن يكون أول مكان أذهب له المسجد لأصلي صلاة العصر ثم أذهب إلى المجمع كي أشتري هديةً لوالدي وعندما شاهدت محل للأحذية شجعني أصدقائي لشراء حذاء، وبالفعل اشتريت حذاء جميل... ومن سعادتي قررت لبسه فوراً وكان لأول مرة في حياتي ألبس فردتي حذاء، ولقد احتفل بي أصدقائي هناك كنت في قمة السعادة وبمجرد خروجي من المحل سمعت إجابتك المشؤومة لابنك التي كسرت خاطري، ودعوت الله أن لا تكون بقية الأمهات اللاتي رأينني ذلك اليوم قد أجبنَ على أطفالهن بنفس الإجابة...
رســـائل خاصــة
ويوجه برسالته الخاصة لكل أم: "أيتها الأم إن كنتِ تريدين إعطاء طفلك درساً عندما يشاهد معاقاً حركياً مرة أخرى ، قولي له أن هذا الشخص يحمل إعاقة أبتلاه الله بها ليختبره وأن الله إن أحب مؤمناً ابتلاه.. ولابد أن حياة هذا الشخص آخر معافى ، وبالتالي فهو يبذل جهداً مضاعفاً أيضاً في حياته كي يعيش محتسباً لله وصابراً فلتحمد ربك على نعمه يأبُني وتعلم منه الصبر والمثابرة..!
أما "م.ق" معاق ذهنياً إعاقة خفيفة فلم يتقبل والداه بقضاء الله وقدره، حيث عزلوه عن المجتمع؛ كي لا يختلط بالأطفال ولكي لا يتعود على الحياة الاجتماعية، ولم يحرص والداه على ذهابه إلى المدرسة العادية، ولو كمستمع، كما أنهما لا يصطحبانه في كافة الأنشطة التي تقام، ربما كان سيصبح شبه سوي ومؤهلاً لممارسة الحياة معتمداً على نفسه، لكنهم لم يعطوه الفرصة للخروج بمفرده والتعامل مع الغير.. ولم يعلمه والده الزراعة في أرضه التي يمتلكها.
بينما، "م.ف" عندما بلغت السنة الأولى من عمرها اكتشفت أمها عدم استطاعتها النطق وعدم استجابته لها والتواصل مع من حولها ، فإذا نظرت إليها انصرف بعينيها عنها، وإذا مدت يديها لتحتضنها ترفض ذلك بشدة، فانطلقت بها إلى الطبيب الذي أخبرها أن ابنتها مصابة بالتوحّد، وقررت بعدها تركها ولم تبذل كل ما في وسعها من وقت وجهد لتتقدم به على درب الحياة، ولم تواظب بها على العيادة ولم تلتزم بتعليمات الأخصائي في متابعة ابنتها، وتعليمها الآداب المختلفة والتواصل مع من حولها حتى بلغت الثامنة من عمرها، فلم تلتحق بها للمدرسة أو بمركز متخصص بذوي الإعاقة بما يسمى بذوي الاحتياجات الخاصة، وتركتها في البيت.
ولم تحرص الأم على التواصل حتى مع مدرسة لزيارتها ولا حتى الالتزام بأداء الواجبات المنزلية لابنتها، وهذا بحكم مرضها. وهكذا استمرت الأم بهذه الطريقة غير الصحيحة ، ولم تصبر على إعاقتها، فلم تزرع الثقة بنفسها.
صبر وإرادة قوية
ويؤكد أخصائيو ذوي الاحتياجات الخاصة أن علاج هذه الفئة يبدأ من البيت ويحتاج إلى مجهود وصبر وإرادة قوية، ويعتمد أساساً على الأم لأنها الملاصقة للطفل ، فالأم هي العامل الأساسي ولا بد أن تواظب على العيادة والمدرسة وتنفذ تعليمات المدرس حرفياً، وكم من أمهات وأولياء أمور أهملوا ويئسوا فضيعوا ودمروا أولادهم، وكم من أمهات حققن إنجازات لا يستطيع الطفل الطبيعي أن يحققها.
كما تؤكد الأرقام أن في العالم العربي نحو (15) مليوناً من ذوي الاحتياجات الخاصة لذلك نقول لكل من لديه طفل مختلف له احتياجات خاصة أن هناك الأطفال نجحت أسرهم في مساعدتهم على اكتشاف أنفسهم واكتشاف قدراتهم ليبتسموا للحياة وليشعروا بأيادي الأمل تمتد نحوهم، ليعيشوا حياتهم الطبيعية كأي إنسان عادي يعتمد على نفسه، فمن هنا نقول لا تتهاونوا بهم.