برزت ظاهرة جديدة في الأزمات الأخيرة ضربت هذا البلد، وهي تجاذبات السياسيين والأتباع وحيرتهم في أي مكان يقفون وإلى جانب من؟، ومع من توجد مصالحهم المستقبلية؟، فمنهم من قام بقفزات سريعة إلى "ثورة التغيير" في العام 2011م، ومنهم من ظل يرقب المشهد محاولاً أن يحظى برؤية جيدة، بعيداً عن الضبابية التي تعيق الرؤية حوله، وأظهرت هذه الظاهرة في جوفها، أنواع الأتباع، وكشفت لصالح كيف يتسرب الناس من حوله، كغاز السارين الخانق والمميت، ومعها كشفت أيضاً كيفية أداء عقلية البشر، محاولة الحفاظ على (التوازن بالتزامن)، وللأسف قد يتعرض السياسي الحاذق، إلى خيارين اثنين هما: إما أن يقف في هذه الضفة أو تلك، بصيغة أخرى مع صالح أو ضده، مع المملكة والخليج أو مع الحوثيين، أما أن يصبح مع المملكة ومع صالح وضد الحوثيين في وقت واحد، فهذا خيار مربكٌ ومركبٌ وغير مجدٍ ومحيرٌ لأي سياسيٍّ، وهذا فيما معناه أن هذا السياسي أو ذاك، يحاولان فكَّ طلاسم التربيطات التي يحيط بها صالح أتباعه، بعدها يتم استعداده للقيام بـ"الانفصال أو الانشقاق السلس" منه وأمن مكره، وكلٌ من المملكة وصالح يقدِّرون موقف كل فردٍ من الأفراد في هذا الوضع المعقد؛ لكن هذا التقدير قد لا يستمرُّ طويلاً ، وهذا ما ظهر في آخر خطاب لصالح، وهو يدعو إلى الوضوح والصعود والبروز إلى الطاولة، من أنصاره الذين في الرياض مع علمه بدواخل كثيرٍ منهم، وتعرض صالح في مؤتمر الرياض إلى انشقاق ناعم عريض، تحضر فيه بصمات صالح بالإيعاز، لكنه قد يكون حقيقياً إذا تمت إدارته بشكل ذكي، كما يقول مراقبون في هذا الشأن.
مشاغبات وشغاوات
وبعد اقتراب التحالف من محراب الزعيم "صنعاء" وزيادة القصف، بدأت تبرز "مشاغبات وشغاوات" العديد من أتباع حزب الرئيس صالح، مع الحليف المتوافق من (بداية المشوار)، وظهر مؤخراً من بين كثيرين من المؤتمريين، وأبرز الأشقياء، الدكتور والسياسي "عادل الشجاع"، الذي بدأ يدرك مؤخراً أن التحالف ماضٍ نحو هدفه، الذي قد لا يتوقف إلا عند إتمامه، وقد يكون متمثلاً بالقضاء على صالح وبعدها استئصال شأفته، والشجاع بدأ - مؤخراً - يستهجن أعمال الحوثي وسيطرته على مرافق الدولة وهيكلها، بصمتٍ وتنسيقٍ رسمي من الرئيس السابق "صالح"، الذي قال في أحد خطاباته أنه قال لرجال الجيش عندما سألوه كيف يعملون مع هذا الواقع الجديد؟، فرد عليهم بـ"أن ينصاعوا لأوامر الحوثيين"، فهم من يمتلكون سلطة البلاد الآن، وفي هذا إيعازٌ كبير من صالح لأنصاره بالوقوف جنباً إلى جنب مع الحوثيين، لكن بعض رجالات صالح بدأوا يدركون أن النهاية اقتربت، فبدأوا يشاغبون ويظهرون عدم رضائهم بالحوثيين، وكذلك فعل - في مراحل سابقة - كثيرٌ من المثقفين الشماليين، عندما بدأت تتحرك قوات صالح والحوثيون صوب الجنوب، صمتوا صمت أهل القبور؛ لأن حسبتهم من المصالح المستقبلية كانت واضحة ، ولكنهم مثلما يُقال:"لم يحسبوها صح"؛ لأن التحالف العربي بقيادة المملكة اتخذ قراره وبادر بهجومٍ ليلي مفاجئ أربك كل الحسابات.
صالح والتسليم بالأمر الواقع
وحسب مصادر مطلعة، فقد عرض صالح للملكة عرضاً؛ لكنها لم تقبل - هذه المرة - بـ(ابتزازها) المؤكد بأهون الشرين، والقبول بالنار الصغرى على النار الكبرى: أي خياري أن تكون البلد إما في يد الحوثيين، أو تعود ليد صالح، وبدعم وتأييد خليجي كاملين وصريحين، وما يؤكد صحة هذه المعلومات هو ما نُقِل على لسان وزير الدفاع السعودي "محم بن سلمان"، الذي رفض عرض نجل الرئيس صالح، بإتمام الصفقة، وبذلك يقرر الخليج بأن يشق طريقه متجهاً نحو خيارات أخرى، وهذه الخيارات أعطت المملكة الفرصة السانحة للقضاء على ما كانت تعتبره مصدر غلق من الجار على أمنها، وهو الجيش اليمني الذي لا ينتمي للدولة، بل لشخوصٍ بعينها، وحل الدمار بهذا الجيش، فانقلب السحر على الساحر، الذي لم يعرف كيف يمكن له أن ينهي هذه المغامرة التي لم يحسب تداعياتها بهذا الشكل..
ومثل تدخل التحالف المفاجئ كابوساً للكثيرين، منهم حتى بعض الجنوبيين الذين كانت حسبتهم، كحسبة كثيرين من مثقفين الشمال، لقد ظنوا جميعاً أن سيناريو حرب صيف 94 سيتكرر بحذافيره، واضعين أنفسهم على المحك؛ بيد أن هادي كان يفهم معركته جيداً وخصوصية هذا العصر الذي يعيش فيه، عندما كان يقول:"2015 ليس كـ94 "؛ و"سنرفع العلم في مران" التي تتواجد بصعدة معقل الحوثيين، وأشياء كهذه من تلك التي كانت تعدُّ من الأشياء التي تجعل المحللين في الشأن السياسي يصفون هادي بالخبال والجنون والانفصال عن الواقع المغاير والمختلف تماماً، والذي يقول أن صالح يمتلك كل الأوراق، وهادي ليس لديه من الأوراق ما يأويه حتى من لسعات البرد، ولا يمتلك أكثر من خيار (بوابة صالح) التي حددها لهرب هادي ورفاقه بعد اجتياحه برفقة مليشيات الحوثي..
أصناف وطبقات المؤتمريين
وأوضحت الأزمات الأخيرة المتلاحقة، والتي ضربت البلاد، منذُ 2011 وحتى الآن، وأفرزت طبقات وأصناف من الأتباع، في حزب (الخيل الحاكم)، وهذه الطبقات والأصناف كما يلي:
- مؤيد كامل، وقدره مرتبط بقدر صالح، وهؤلاء هم الدائرة المقربة جداً.
- مع صالح وضد الحوثيين..!، أي نصف مؤيد، والنصف الآخر يريد به المحافظة على نفسه في المراحل القادمة، وبهذا التصرف يكوِّن هذا الصنف "شبه نضوج سياسي".
- ظاهرة شرعية وباطنه مؤتمرية "سياسي ناضج"، وهذا يشبه في عمله عمل "العميل المزدوج"، في أجهزة المخابرات، أي أن دوره متقدم عن بقية الأصناف، وسيكمل هذا الصنف الحياة مع القادم؛ لكن قد تكون عليه (نقاط ضعف)، إذا تم إعطاؤه الفرصة بالذهاب؛ لكنه يحتكم مقولة شعبية:" طير يا زماري وخيطك بيدي"، إلا إذا انتبه النظام السابق، فهنا قد يمارس حياته بشكل طبيعي، بانتظار أزمة قادمة، شبيهة بالأزمات التي مرت في السابق، وأبرز روَّاد هذه المدرسة هو الرائد "بن دغر" المنتقل من صف البيض إلى صف صالح، والآن ينتظر تخلقاً جديداً؛ كي يقوم بنقلة تناسب وضعه الجديد.
- والصنف الأخير، هو الصنف ذو الحساسية الشديدة، والذي يحاول تدارك نفسه بأسرع وقتٍ ممكن، وهؤلاء هم الذين انشقوا أثناء ثورة 2011م، وهم الذين شعروا مبكراً بنهاية صالح، وبأن المركب سيغرق بسبب العواصف العاتية، التي تجري في الشرق الأوسط، حسب منهاجية " ما أصاب الثور الأبيض، سيصيب الثور الأسود"، وانتقلوا إلى مركبٍ آخر خوفاً من أن يصيبهم الغرق أو أن تمسهم العاصفة..