كانت أمنيته أن يصبح طبيبا يؤدي مهنته الإنسانية في مستشفى ابن خلدون، درس في المعهد الصحي بلحج وعندما حان موعد التطبيق لما تعلمه في المكان الذي تمناه، نال الشهادة ، في المكان ذاته، لكنها لم تكن شهادة إجادة التطبيق، بل الشهادة الأغلى في سبيل العزة والكرامة.
الشهيد رامي محمود احمد عوض (28) عاما من أبناء بيت عياض - تبن، محافظة لحج. له من الإخوة (9) ، وكان الشهيد يمثل العمود الفقري للأسرة ، هكذا يقول والده الذي تأثر تأثيرا كبيرا لفراق رامي، ومازال الحزن الشديد يخيم على الأسرة البسيطة.
شهيد الواجب
يقول أحد أصدقاء الشهيد :(كان رامي طالبا بالمعهد الصحي التابع لمكتب الصحة م/ لحج ووجوده في المستشفى كان لغرض العمل التطبيقي وظل في فترة الحرب يعمل داخل المستشفى ولم يغادر المستشفى حتى بعد توقف العمل أثناء الحرب وظل يقدم خدماته للمرضى وجرحى المقاومة وإمدادهم بالأدوية، وقد أصيب بشظية هاون في شهر رمضان إثر سقوطها بالمستشفى ونقل على إثر ذلك إلى مستوصف صبر لتلقي العلاج وساعد الدكتور عمر زين في تمكين الشهيد من العلاج بالمستوصف وبعد أسبوع عاد إلى المستشفى وظل بالمستشفى يقدم الخدمات إلى أن وجد شهيداً عصر الرابع من اغسطس 2015 م) .
مساهمته الفاعلة في المستشفى
ويقول أحد الأطباء في مستشفى ابن خلدون: (كان الشهيد رامي طالباً مجتهداَ وملتزماً بالعمل التطبيقي داخل المستشفى وكان خلوقاً دائم الابتسامة ويساعد الغريب والمعروف بالمستشفى من خلال تذليل أي أمور قد تقف أمامهم وظل في المستشفى يساعد بتقديم العلاجات للمرضى وجرحى المقاومة حتى يوم استشهاده).
وحول موقف المستشفى من استشهاد رامي قال: (المستشفى فقط اكتفى بصرف شهادة وفاة ومكتب المقاومة في المستشفى صرف له بطاقة شهيد كأحد أفراد المقاومة ، لكن المستشفى لم يولِ الشهيد رامي أي اهتمام باعتباره وهب دمه وشبابه لحماية المستشفى من مليشيات الحوثي بعد هروب جميع الموظفين وترك المستشفى أمانة تحت حماية رامي) .
وأضاف: (قضية استشهاد رامي جريمة يعاقب عليها دولياً فمقتله من قبل مليشيات الحوثي وصالح محرّم ومجرّم شرعاً وقانوناً حيث يعمل صحياً وكان أعزل من أي سلاح وقد علمنا بأن تلك المليشيات الإجرامية تركته ينزف حتى فارق الحياة وهو الأمر الذي يتألم بسببه جميع الشرفاء في المستشفى ).
ويردف : (نحن جميعاً في مستشفى ابن خلدون نطالب أولا باستخراج حقوق الشهيد رامي وفقاً للنظام والقانون وثانياً قمنا برفع مذكرة للمدير السابق بتحويل اسم المستشفى إلى مستشفى الشهيد رامي ولكن للأسف تفاجئنا بالرفض بحجة أن للمستشفى معاملات بنكية وطلاب يدرسون في الخارج وأن تغيير الاسم سيحدث لهم مشاكل في المعاملات بينما نحن في المستشفى لا نعلم من هم هؤلاء الطلاب وأي تخصصات يدرسونها في الخارج ، لكننا سنظل مستمرين بالمطالبة بتغيير اسم المستشفى إكراماً لدم الشهيد كأقل واجب نقوم به وفاء للشهيد رامي وأسرته وما جزاء الإحسان إلا إحسان) .
تدهور صحة والد الشهيد
إلى ذلك، قامت "الأمناء" بزيارة إلى منزل الشهيد رامي محمود في قرية بيت عياض ولم نتمكن من مقابلة رب الأسرة الوالد محمود أحمد عوض نتيجة تدهور حالته الصحية بعد مقتل ولده حيث أن هذا الأمر لا يزال يؤثر عليه بشكل كبير بحسب قول حسام شقيق الشهيد الذي رحب بالأمناء باعتبارها أول وسيلة إعلامية تزور أسرة الشهيد.
وقال حسام : (نتمنى أن نعرف الأسباب الحقيقية وراء عدم إعطاء قضية مقتل أخي أي اهتمام من قبل مكتب الصحة في المحافظة وكذا المستشفى، نحن لا نبحث عن تعويض مادي، لكن حتى الدعم المعنوي نفتقده، فقد مرت أكثر من ستة أشهر على استشهاد رامي ولم يلتفت إلينا أحد ، نشعر بحزن شديد لنكران الجميل الذي قدمه أخونا الشهيد من أجل الحفاظ على المستشفى وكلفه ذلك حياته).
قصة التضحية والفداء
وفي قسم الصيانة بمستشفى ابن خلدون وجدنا علي بن علي الزبيدي والذي كان هو والشهيد رامي متواجدين داخل مستشفى ابن خلدون في فترة الحرب ، سألناه عن قصة استشهاد رامي، فقال : (كان الشهيد رامي منذ قبل الحرب وهو بالمستشفى وفي تاريخ20 رمضان التحقت بالشهيد كحراس على المستشفى من أي اعتداء وكنا بداخل المستشفى ليل نهار ونسكن بقسم الأطباء الصينيين وكان رامي يقوم باكراً يصلي الفجر ويتفقد المستشفى كاملاً ويوم دخول المقاومة كان منذ الساعة السادسة صباحاً يوجد اشتباك عنيف وضرب قوي وزاد الاشتباك قوة مع الساعة العاشرة وخرجنا لغرض إغلاق المستودع وبينما كنا نقوم بذلك أصيب رامي وأسرعت إليه فإذا برصاصة اخترقت مفصل اليد اليمنى وتسكن بالبطن وكان ينزف، حاولت تقديم إسعافات أولية له وأعطاني رقم الأخ مازن القمري للتواصل معه لإسعافه وكنا على تواصل مع مازن لحد الساعة الحادية عشر ونص ولكنه لم يتمكن من الدخول لقوة الاشتباكات وفي تلك اللحظات هجم علينا أربعة أفراد من مليشيات الحوثي وتم سلب جوالي من قبلهم وتم تهديدي بالمغادرة من المستشفى ولم يقوموا بإسعاف رامي فقد تركوه ينزف وكان فقط يقرأ قرآن والشهادتين).
وأضاف : (طلب مني رامي الخروج لغرض إحضار أي شخص لإسعافه ولكن لم أتمكن بعد خروجي من الرجوع لإسعاف رامي كون المواجهات كانت أمام المستشفى وبعد انتصار المقاومة عصر ذلك اليوم دخلنا المستشفى ولم نجد رامي ، فقيل لنا بأن الأخ مازن تمكن من دخول المستشفى لإسعافه فوجد رامي شهيداً، لقد كانت لحظات حزن كبير جداً عكرت فرحة النصر، فاستشهاد رامي خسارة كبيرة جداً علينا جميعاً لقد كان يحمل الأدوية على ظهره ويخرج بها الى القرى لإمداد المرضى بالعلاجات وأيضا جرحى المقاومة وكان يقول لي طالما والدي راضٍ عني فلا أخاف الموت وسوف أعمل لخدمة الناس ومساعدة المرضى والجرحى).
وقال : (أقسم بالله بفضل من الله ومن الشهيد رامي لايزال المستشفى اليوم يعمل، لقد حافظ رامي على المستشفى إلى يوم استشهاده).
لم يتمالك الزبيدي نفسه وهو يحكي قصة الفداء والتضحية، فذرفت عيناه الدمع ولم يتمكن من مواصلة الحديث .
مطلب شرعي عاجل
الاهتمام بأسرة الشهيد رامي والاعتراف بالدور الفدائي الذي قام به الشهيد في مستشفى ابن خلدون حتى يوم استشهاده – هو مطلب شرعي لأسرة وأصدقاء الشهيد وزملائه في العمل، فهل آن الاوان لمكتب الصحة في لحج ومستشفى ابن خلدون إعطاء ولو اهتمام بسيط لذلك ؟! ومن باب قول الله تعالى : " وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان ".