كيف اشتغلتِ العملية التصالحية وفق تعدد الإفهام للشارع السياسي الجنوبي .... "قراءة تحليلية"
نظمت الجبهة الوطنية لتحرير واستقلال الجنوب يوم الاثنين الماضي في عدن ندوة تقويمية استشرافية للعملية التصالحية الجنوبية بحضور عدد من السياسيين ومناضلي الثورة وقوى الحراك الجنوبي والمرأة بالإضافة الى عدد آخر من الاكاديميين والإعلاميين.
وخلال الندوة قدم د . خالد مثنى حبيب ورقة هامة تحت عنوان : كيف اشتغلتِ العملية التصالحية وفق تعدد الإفهام للشارع السياسي الجنوبي .... أوجه السلب والإيجاب ؟
ولأهمية هذه الورقة وحرصاً منا في "الأمناء" على إيصالها للنخب السياسية الجنوبية وشريحة واسعة من القراء والمتابعين نعيد نشرها عبر حلقتين فإلى ماتضمنته هذه الورقة ..
إن الهدف الأساسي من هذه الورقة المتواضعة المقدمة إلى هذه الندوة / التي تحمل دلالات عظيمة كونها تزامنت مع قدوم الذكرى العاشرة للتصالح والتسامح التي انطلقت في 13 يناير 2006 من جمعية ردفان الخيرية والتي أتت بعد الانتصار الذي حققته المقاومة الجنوبية الباسلة بدعم التحالف العربي / هو إيصال رسالة إلى الشباب الذي لم يعايش دورات الصراع التي شهدها الجنوب لنضع بين أيديه الإفهام المتعددة للتصالح والتسامح وكيف أثرت سلبا وإيجابا على الشارع السياسي الجنوبي وذلك لضمان السير في قافلة التصالح والتسامح في وجهتها الصحيحة وعدم حرف مسارها استجابة لبعض الاجتهادات والإفهام الخاطئة التي تظهر هنا وهناك في الوسط الجنوبي بوعي أو بدون وعي.
إن النظرة الواقعية للتصالح والتسامح الجنوبي ترتكز على عاملين :
الأول: هو فهم أحداث الصراعات الدموية /التي حدثت في الجنوب وأضرت أضرارا بالغة بشعبه /والأسباب التي دفعت إليها وكيفية تجاوزها وذلك لاستلهام الدروس والعبر من الماضي ولتجنب الأخطاء التي حدثت وإرساء ثقافة التصالح والتسامح الحقيقية التي ارتضاها شعب الجنوب والتي لنِ تكتمل إلا من خلال تقييمها تقييما موضوعيا وتطويرها وإسنادها وتدعيمها بكشف الحقائق والاعتراف بالأخطاء والالتزام بعدم تكرارها من قبل الجميع.
الثاني: هو تحديد إستراتيجية واضحة ومحددة للتصالح والتسامح تشمل الهدف الذي قام من اجله والتكتيكات المطلوبة لتنفيذه بإدارة سياسية مقتدرة وواعية ,لان تركه للعشوائية والاجتهادات الفردية الخاطئة وتعدد المفاهيم المتناقضة سوف يفرغه من مضمونه الحقيقي وبُعده الوطني والسياسي الذي انتصرت له الجماهير الشعبية في الجنوب وأمّلت عليه وقدمت التضحيات الغالية من أجله .
إن ما نراه اليوم من تعدد لمفاهيم التصالح والتسامح هو بسبب غياب الإستراتيجية لهذا العمل الكبير نتيجة تقصير قيادات المكونات السياسية والشخصيات الاجتماعية التي أخذت على عاتقها القيام بهذه المهمة, وبالرغم من الانجازات الايجابية الكبيرة التي حققها هذا العمل في ردم الهوة بين الجنوبيين التي أحدثتها الصراعات البينية , إلا إن تعدد المفاهيم حول هذا الحدث الكبير لا زال يلقي بضلاله في الوسط الجنوبي . ومن خلال التتبع لمسيرة الثورة الجنوبية التحررية تبين أن هناك أسئلة تطرح نفسها وتشغل بال العديد من نُخب الحراك ومناصريه ومن بين هذه الأسئلة:
- هل كشف حقائق الصراعات للشباب تخدم قضية الجنوب أم تضرها؟
- هل التصالح والتسامح شعبي أم نخبوي أم هو بين القيادة السابقة التي تصارعت والشعب الذي دفع الثمن ؟
- هل تصالح القيادات التي لها بصمات في الصراعات السابقة أمر ضروري لإنجاح التصالح واستعادة دولة الجنوب أم لا؟
- هل التصالح والتسامح الجنوبي هدفه استعادة دولة الجنوب؟ أم لتغيير النظام السياسي والبقاء في كنف صنعاء على اعتبار انه عمل شعبي- اجتماعي ذو أبعاد إنسانية فقط وليس له أهداف سياسية؟
- هل يعني التصالح والتسامح إلغاء التنافس والتباين السياسي بين الجنوبيين؟.
- هل التصالح محصور على تضميد جراح 13 يناير فقط أم انه تصالح شامل يشمل كل مراحل الصراع منذ 67 حتى اليوم ؟
- هل التصالح هو أسلوب لمعالجة المشكلات الناجمة عن الصراعات المسلحة في الجنوب ؟ أم انه يتعدى ذلك ليشمل إصلاح القوانين الظالمة ورفع التعسّفات التي ربما مارستها الدولة حتى في ضل غياب الصراعات الدموية .
- هل التصالح والتسامح الجنوبي هو إجراء آني بسيط لرفع الضغائن بين الناس ؟ أم انه تصالح وتسامح حقيقي يأخذ أبعاد قضائية وتترتب عليه عدالة انتقالية تضمن تعويضات مادية للمتضررين.
إن الإجابة الشافية على كل هذه الأسئلة ليس بالأمر السهل , فذلك يتطلب إجماع جنوبي على تحديد مضامين التصالح والتسامح , وبما إن فكرة التصالح والتسامح أتت كضرورة ملحة بسبب الظلم الذي عاناه ويعانيه شعب الجنوب من جراء الاحتلال اليمني منذ عام 94م , دون تخطيط أو دراسة مسبقة لم يتبناها تنظيم بعينه أو قائد بعينه بل كانت عملية اجتهاد شعبي طوعي يحتمل الصواب والخطاء,لا يختلف عن واقع الحراك الجنوبي والمقاومة الجنوبية اللذان تشوبهما نواقص كثيرة كنقص التنظيم وغياب وحدة الفكرة والأداة ونقص الإمكانيات علاوة على التآمرات الداخلية والخارجية التي تحيط بثورة الجنوب التحررية من كل حدب وصوب, ونتيجة لذلك ظهرت مفاهيم وتفسيرات مختلفة للعملية التصالحية خلال مسيرة الحراك أثرت سلبا في إعاقة تقدم مسيرة الثورة بعض الوقت ونورد أهمها في الآتي :