في صبيحة عيد الأسبوع "الجمعة"، الـ "27" من ديسمبر2013م، حدثت "كارثة مروعة" في العصر اليمني الحديث، تحت إبط الدولة الوحدوية المفترضة، التي روى أكبر فصل من فصول شعار "الوحدة أو الموت"؛ والضحايا ليسوا ضحايا صاروخ طائرة أمريكية ظالمة، بل كانت الجريمة أكثر بشاعةً وقبحاً.
أمطرت دبابة جيش الدولة اليمنية المنحرف، حسب قول الأهالي، وابلاً من القذائف على "مخيم عزاء سناح"، وأودت بحياة "19" قتيلاً من الرجال والأطفال، وعشرات الجرحى، يسقطون تحت شعار أكثر عملية "الوحدة خطٌ أحمر"، كانت دماؤهم هي المقصودة..!
ودعا أهالي وأسر شهداء مجزرة مخيم العزاء ومكونات الثورة الجنوبية والمقاومة، في مديرية حجر الضالع كافة أحرار الضالع والجنوب الى المشاركة الفاعلة في إحياء الذكرى السنوية "الثانية" لشهداء مجزرة سناح، المرتكبة من قبل دبابات الجيش العائلي، والتي ستقام يوم الأحد القادم.
لن تستطيـع ..!
لا تحاول نسيانه، مؤكد: لن تستطيع: أجساد أطفال وشباب ممزقة ومرمية على رصيف المدرسة.. دماء ودموع مختلطة.. مشهدٌ مليءٌ بالحزن.. خوف ورعب.. معزوفة قلوب مرعوبة بتساؤل: هل ابني ..أخي ..أحد أقاربي معهم ؟ ، وقبور محفورة ستُفقدك صوابك لو قمت بعدِّها؛ لأنك ستخطئ في كل مرة.. الناس من حولها كبرادة الحديد المنغمسة في قلب المغناطيس، (هذا فلاش مباشر من قلب ما حدث قبل سنتين، لن تستطيع ذاكرتك مسحه، إنه محجوز في خانة القائمة السوداء الممنوعة من النسيان)..!
وحسب أحد الشباب المثقفين الذي فقد أحد أقاربه في المجزرة يقول: الوحدة من وجهة نظرنا أصبحت "كائنٌ مسخ".. "لعنة وطنية كبرى"؛ والسبب هو مثلُ تلك الفِعلات النكراء، التي لم يستنكرها كثيرون في الشمال على جيشهم الوطني.
ويضيف: لقد كان يقضي على المتمردين الانفصاليين، وهذه النتيجة اليوم..، الجيش الوطني يدمر البلاد برمتها ويدمر نفسه، هذه حكمة الأقدار، والحياة أدوار، وما بُني على باطل سيضل باطلاً، وسيأتي يوم زواله اليوم أو غداً، وما هذا الذي نحن فيه إلا جزاء الصمت، عن الباطل؛ ولكن بأثر رجعي".
ماذا يعني رفع العلم في المحافظة؟
استفاضت على السطح تساؤلات ورؤى كثيرة، عن مقصد رفع العلم الجنوبي، على رأس هرم أعلى سلطة في البلد كله (حالياً)، وتحوله من فوق طاولة صغيرة في مكتب بأربعة جدران، إلى فضاء ساطع ومرتفع، يقطع معه كل التوقعات والتكهنات، ويعلن بداية حقبة الخروج الرسمي، و(الجهر) بدعوة الوطن المفقود، والخروج من حالة الدعوة (السرية)، التي لم تجهر بها مؤسسة سيادية، منذ ما يزيد عن الـ20 عاماً، كما هو حادث الآن وبطريقة رسمية صرفة.
لكنما لم تتطرق إليه أغلب هذه التساؤلات والرؤى، هو أنها لم تضع علاقة بين رفع العلم الجنوبي في أكثر منطقة حساسة، في هذا التوقيت الاستباقي ، والذي يتزامن مع مجزرة سناح، خاصةً عندما نعرف أن من تبنى رفع هذا العلم، هو نفسه الذي تبنى عمليات تكتيكية سريعة، للرد على لواء 33 مدرع، ومهاجمة العديد من المواقع بسبب هذه الحادثة، التي هزت المشاعر الإنسانية في قلب كل الجنوبيين.
ولأول مرة، في التاريخ الجنوبي تلتئم الخصومات، حتى على أبسط مستويات الاختلافات، لم يكن لها وجود أو حضور، بل سما الجنوبيون بأنفسهم وكانوا جسداً واحداً، لأن مصيرهم واحد، وقدرهم واحد، فتوافدوا إلى محافظة الضالع، من كل المدن الجنوبية والقرى، والشوارع، والحواري والأزقة، لم يجمعهم إلا ذلك القدر المصيري.
قيامـة جنوبيـة
ولشدة ذلك التوافد، يقول الشاب "الخضر محمد" وهو أحد أبناء أبين ويشتغل في مجال التمريض: "كم أحسست أننا بشرٌ حينها، نحسُّ ببعضنا ونحب الخير لبعضنا البعض، موصلاً قوله: "لم أتوقع أبداً أن يحضر كل أولئك البشر، مشبهاً تلك الحالة: وكأننا في محشر قيامة جنوبية خاصة، نمشي في خطٍ طويل جداً دون أن نحس بالتعب".
ويواصل حديثه: وعندما انتهينا من مراسيم التشييع وحتى قبلها، فُتِحت البيوت لنا، وخرجت بعض الأسر، كي تتسع لأعدادنا الكبيرة البيوت؛ وكي لا نشعر بالحرج، وجاء الأكل كما لم أتوقع، بصراحة:" لقد كان يوماً فارقاً بحياتنا، وبقدر الوجع فقد كانت وحدة الألم والهم المشترك لنا واحد، متبعاً: وللعلم أشهد لله أن التقدير والاحترام لأبناء هذه المحافظة، تضاعف آلاف المرات؛ لأن فيهم قيم الرجولة الحقيقية والإيثار الكبير، الذي لم أكن أعرفه من قبل عنهم"
تشـــوُّه خَلقـــي
وعدَّ مراقبون سياسيون هذه المجزرة، بأنها من كشفت (التشوّه الخَلقي) في بنية الجيش والأمن اليمني، الذي أصبح يهدد دول الجوار؛ لأنه لم يعد يمتلك منهجية أو رؤية محدد يعمل فيها بإطار الدولة التي ينتمي إليها.
ويوضح المراقبون على أن عمل الجيش والأمن في اليمن، انحرف عن مساره الأساسي، والذي هو حماية الناس، لا قتلهم وترويعهم أو تهديدهم وكسر كبريائهم، كما كان يحدث للمواطنين هناك.
بينما يفسر محللون في الشأن العسكري، صمود أبناء الضالع، إلى حالة الحشر والتعبئة والقهر الذي اعتمده الجيش في التعامل مع أبناء هذه المحافظة، وهذا الكبت كانت له طاقات هائلة، مما سبب انفجاراً نفسياً؛ تزامن مع دفعة معنوية عالية، من قبل قوات التحالف والوقوف مع هؤلاء الأهالي المقهورين، الذين مكنهم الله من النصر.
ودانت منظمات دولية قائد اللواء 33 مدرع، على رأسها منظمة "هيومن رايتس ووتش"، ومنظمات المجتمع المدني في الداخل والخارج، تقول: بأن الجريمة لن تسقط بالتقادم؛ ويحق للأهالي أن يرفعوا قضايا مستقبلاً، ولحسن الحظ فإن هذه الجريمة قد تم توثيقها، بالعديد من الفيديوهات والصور، كما نصحت المنظمات دول العالم النامي، بأن يوثقوا لمثل هذه الأحداث الدموية؛ كي يساهموا مع المنظمات بحماية أنفسهم مستقبلاً والدفاع عنهم.