ندوة عن الآثار الاجتماعية والنفسية للحرب في كلية الآداب بعدن
الأمناء نت/خاص:

عدن/خاص – عاد نعمان

أكد رئيس اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين/مبارك سالمين أن الحرب لم تنتهِ، ولم يخرج منها المجتمع بعد، ولكن العمليات العسكرية هي التي انتهت في مدينة عدن، وبصورة عامة فإن للحرب أثارها الاجتماعية المباشرة وغير المباشرة على جميع فئات السكان داخل المجتمع من أطفال وشباب ومسنين، وباعتبار أن الأطفال الفئة الأكثر تضرراً، وهم نواة مستقبل البلاد، كان لا بد من العمل بشكل حثيث؛ لتلافي الأضرار التي تستهدفهم، وآثارها التي تهدد الحاضر والمستقبل.

 

وتطرق بإطار حديثه إلى جملة من الأثار الاجتماعية الناتجة عن الحرب بالنسبة للأطفال أبرزهاالنزوح من منطقة السكن، وما يتبع ذلك من أعباء على الأسرة وأفرادها، وفقدان عائل الأسرة لعمله، أو أحد الأبوين، وفي ظل الرعاية الاجتماعية الضعيفة فإن مصير الطفل في كثير من الأحيان ترك المدرسة والانخراط في سوق العمالة، أو دخول عالم التسول؛ لكسب لقمة العيش، وإن لم يكن فالانحراف عن جادة السلوك وإدمان تعاطي المخدرات هو المآل المنتظر له، ومن بين تلك الآثار أيضاً انهيار القيم والمعايير الاجتماعية المتصلة بالحق والخير والحلال والحرام أمام عيني الطفل عندما يشاهد أعمال القتل والسرقة والنهب وحمل السلاح والاستهانة بالنفس البشرية، وكذا التحاق المئات من الأطفال بالمليشيات المسلحة التي تعمل على استغلال ظروفهم الاجتماعية والاقتصادية.

جاء ذلك بورقة عمل موسومة بـِ "الآثار الاجتماعية للحرب على الأطفال"، في ندوة بعنوان "الآثار الاجتماعية والنفسية للحرب، ودور منظمات المجتمع المدني"، نفذتها مؤسسة "سوشيل" للتنمية الاجتماعية SDF في قاعة الفنون الجميلة بكلية الآداب في عدن، وأختتم سالمين ورقته بتوصيات وجهها لمنظمات المجتمع المدني المحلية؛ لتجنب تلك الآثار، منها التدخل فيما يخص التشريع والسياسات الخاصة بالطفولة؛ لرفع كفاءتها لمواجهة الأوضاع المستجدة بعد الحرب، وإعداد البرامج والمشاريع الخاصة بإنقاذ الطفولة ما بعد الحرب، ومعالجة أوضاعها، وتطوير دور رعاية الأطفال، واستحداث أخرى تلبي جميع احتياجات الأطفال.

من جانبه ألقى عضو الهيئة التدريسية بقسم الطب النفسي بكلية الطب الدكتور/محمد عبدالله بن حصية ورقة عمل، خاصة بـِ "الآثار النفسية الناتجة عن الحرب"، أشار فيها إلى أن الحرب نوع من الكوارث والصدمات، ويتأثر خلالها الكيان البشري من كل ما حوله، وأن التفاعل الحاد مع أعراض الضغوطات الناتجة عنها قد تزول سريعاً وبشكل واضح بزوال السبب ومغادرة البيئة الصادمة خلال ساعات من وقوعها، وفي أقصى مدة لا تتجاوز ثلاثة أيام، وأوضح أن الخوف الزائد وتجنب المواجهة والنظرة التشاؤمية للمستقبل والحياة وتقلبات المزاج والعواطف واضطرابات الكلام والانزواء الاجتماعي وكثرة الحركة وعدم الاستقرار والعنف والعدوان وازدياد التنبه للمؤثرات الخارجية واللوازم الحركية هي من أبرز ردود الأفعال والمضاعفات النفسية التي تخلفها الحرب على ضحاياها.

وواصل بن حصية قائلاً: "من الاحتياجات اللازمة لتقديم الدعم النفسي لضحايا الحرب استعادة الأمان، وفيما يتعلق بالأطفال فإن ذلك يتمثل بنقلهم إلى أماكن يشعرون فيها بالطمأنينة بعيداً عن الأماكن التي تشهد المواجهات المسلحة، وكذا استعادة القدرة على التعامل مع عواقب الحوادث الصادمة، من خلال مساعدتهم على معرفة ما حدث لهم ولأسرهم بشكل يحتملونه ويعونه، مع إيجاد بدائل مناسبة؛ لإقامتهم ورعايتهم وعودتهم إلى حياتهم الطبيعية ومدارسهم، ومحاولة احاطتهم بمن تبقى من أفراد أسرهم وأقاربهم وجمعيات الدعم النفسي المساندة، بالإضافة إلى إمكانية استيعاب الصدمات، وذلك من خلال البناء المعرفي البسيط لهم، وإعطائهم تفسيرات أو معاني لما حدث"، منوهاً إلى أن الفكرة الأساسية للعلاج النفسي بمواجهة استعادة الذكريات المؤلمة والنكوص إلى أنماط سلوكية مختلفة وردود فعل جسيمة، تتلخص بإزالة الضغط النفسي الواقع على الأطفال، وهذا يتم تدريجياً في جو آمن ومدعم حتى يستطيعون في النهاية استيعاب آثار الحرب، وتجاوزها؛ فتزداد مناعته في مواجهة أحداث مماثلة.

وعن دور منظمات المجتمع المدني كانت لرئيس مؤسسة "وجود" للأمن الإنساني/مها عوض مداخلة، تطرقت فيها إلى أن عمل المنظمات بحاجة للنزول إلى الميدان والتنسيق فيما بينها ومناقشة الحيثيات، وذلك بتنشيط وتفعيل شبكة الدعم النفسي والاجتماعي بدءاً من الأسرة ثم المدرسة والمنظمات الأهلية المساندة، وقالت: "إن حرب 2015م كانت أقسى تجارب العنف والظلم والاضطهاد، أجبرت منظمات المجتمع المدني أن تحمل على عاتقها دور مثقل بالهموم والمشاكل وقلة الامكانات والتهديدات، وعملت على خطة طوارئ، في الوقت الذي كان يستدعي حضور الجميع، بينما غابت الحكومة ومؤسساتها، ولا تزال حتى اليوم تتحمل تلك المنظمات قدر كبير من المسئولية، وتحاول إيقاظ دور الحكومة؛ فالمواطن هومن يدفع ثمن الحرب،ويحصد نتائجها الكارثية،

بينما صناعها وسماسرتها لايتأثرون"، مشددةً على أن الدعم النفسي – الاجتماعي للضحايا هو الجانب الأقل اهتماماً ما بعد الحرب سواءً بوعي أو بدون، بترتيبات أو بدون؛ فالدولة هشة ومقوماتها مهترئة، لم تستطع تحقيق مطالب وحقوق المواطن في حالة السلم، فما البال في حالة الحرب؟ - تتسأل عوض.

وأكدت عوض على أن منظمات المجتمع المدني المحلية بخلاف قصورها أو أخطائها تعاني من تهميش دورها من قبل الحكومة بإيصال أصوات الضحايا وعدم النظر الفعلي لملفاتهم؛ وأن من حقهم تقديم مطالبات لها - استناداًعلىهذهالحقوقوليسفقطمنبابالتعاطفأوأياعتبارآخر،وتجسيدهاكجزءمنسياسةجبرالضرر،واعتبارهامنضمنالتعويضاتالتكميلية؛ فالحالات التي وقعت ضحايا للحرب ضعيفة وفقيرة، لا تقوى على توفير قوت يومها، وأجبروا بعدها على تحمل مشاق مواصلة الحياة، وابعدوا تماماً عن التفكير بالبحث عن الدعم النفسي، محملةً الحكومة المسئولية،بإعادة تطبيع والاندماج في الحياة.

وفي ختام الندوة فُتح باب النقاش، وتلقى الضيوف استفسارات وتساؤلات من الحضور، بدأت بمداخلة من رئيس الهيئة الوطنية للإغاثة والإعمار والتنمية/خالد أحمد المنصوب، مرر من خلالها رسائل لمنظمات المجتمع المدني، تمحورت حول تفعيل دور العمل الاجتماعي بشكل إيجابي أكبر، والتركيز على أهمية وعمق المشاريع والبرامج، والالتزام بالأهداف والرؤى التي أسست من أجلها، وأن الإنسان محور التنمية وأولويته، والابتعاد عن تحقيق مصالح شخصية، والعمل على تغليب المصلحة العامة بشكل استراتيجي ومدروس.

يُذكر أن المؤسسة تعمل في النطاق الجغرافي لمدينة عدن، وتسعى إلى الاسهام في مجال التنمية الاجتماعية؛ بتحقيق جملة من الأهداف منها العمل على التطبيع الاجتماعي، ونشر قيم التعايش بين مختلف شرائح المجتمع، ورفع مستوى الوعي الاجتماعي الذي يقوم على مبدأ الحقوق والحريات، وتنفيذ برامج الدعم النفسي والاجتماعي لا سيما بعد الأزمات والحروب، والاهتمام بالفئات الأكثر تضرراً، ومساندة الفئات المهمشة للحصول على الرعاية الاجتماعية، وكذا تنفيذ برامج تأهيلية وتدريبية للأخصائيين الاجتماعيين والنفسيين بالمؤسسات الحكومية والأهلية، وإجراء البحوث والمسوح الاجتماعية، والاستفادة منها في خدمة المجتمع.

--------------------

عاد نعمان – كتب صحفي وناشط مدني

متعلقات
سجون الحوثي.. جرائم وانتهاكات على مرأى ومسمع من العالم
مؤسسة الصحافة الإنسانية ترصد وفاة 60 حالة وإصابة أكثر من 7 آلاف شخص خلال شهر فقط
التسرب المدرسي معضلة تهدد مستقبل الطالبات في ردفان
تقرير: "دثينة وقبائلها".. لا حياد في الحرب على الإرهاب
الأمم المتحدة تتهم جماعة الحوثي الانقلابية بعرقلة العمليات الإنسانية للشعب اليمني