لقد وصل الغليان الشعبي الجنوبي إلى مستوى الذروة والعقدة، القابل للانفجار في أي لحظة، بعد الانهيار المعيشي والخدماتي، الذي عصف بحياة المواطن الجنوبي بصورة لم يسبق لها مثيل على مر التاريخ.
ومن ثم، فأصابع الاتهام التي تتوجه نحو المجلس الانتقالي بوصفه لا يخلو من المسؤولية لما آلت إليه أحوال المواطن الجنوبي، كونه شريكا فعليا في الحكومة والرئاسي فيها نظر، فهذا التوصيف قد يكون وفق المعادلة السياسية الظاهرة توصيفا لا يخلو من المنطقية، لكن الفلسفة السياسية عادة ما تسير وفق آليات وأطر ومرجعيات باطنية ومعقدة، تمثل الديناما الفعلية للواقع السياسي، وتتناقض تماما مع هيكلها الخارجي الذي لا يمكن وصفه إلا بالمراوغة الظاهرة والحجاب الساتر لتمرير المستور والمسكوت عنه.
وفي هذا الشأن، علينا أن نتساءل: هل يتوقع المواطن الجنوبي أن حاله سيكون أفضل إذا لم يكن الانتقالي شريكا في السلطة؟
والجواب سيكون - بكل تأكيد - (لا)، لأنه خلال المدة السابقة التي لم يكن الانتقالي فيها شريكا في السلطة، كانت الأوضاع تسير بطريقة دراماتيكية متسارعة نحو الانهيار الاقتصادي والمعيشي والخدماتي، وبعد دخول الانتقالي في السلطة صارت هذه الوتيرة تسير بشكل أسرع، في محاولة لضرب التلاحم الجنوبي، وشق العصا بين الشارع الجنوبي وقيادته السياسية، وهذه هي الوسيلة الوحيدة المتبقية التي راهنت وتراهن عليها جميع القوى المعادية لمشروع استعادة الدولة الجنوبية، بعد أن فشلت جميع الوسائل الأخرى، وارتطمت بسياج الوعي الشعبي الجنوبي المنيع.
وهكذا صار الواقع المعاش يفصّل على وفق هذا المسار الكيدي الخبيث، أملاً بتجويع الشعب وتركيعه، ومن ثم تهييجه وتأليبه ضد قيادة المجلس الانتقالي، إلى أن وصلت الحبكة السياسية هذه الأيام إلى مرحلة الذروة والعقدة في مسار المشهد الوطني عامة، وهو ما جعل القوى الجنوبية ترتص لتقول كلمتها، سواء من خلال الحركة النقابية العمالية الجنوبية، أو من خلال الاحتجاجات الشعبية المعبرة عن رفضها لتردي الأوضاع المعيشية والخدماتية(مع أخذ الحيطة والحذر من الأصوات المدسوسة التي تهدف إلى زعزعة الأمن ونشر الفوضى، والممولة من الأطراف التقليدية المعادية لشعب الجنوب وقضيته العادلة)، أو من خلال المواقف المشرفة والمستمرة لقيادة المجلس الانتقالي لا سيما مواقف المناضل الجسور القائد الرمز اللواء/ عيدروس بن قاسم الزبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي ونائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي، في محاولة الضغط على على الحكومة، والتفاوض مع الأشقاء والأصدقاء بضرورة العمل الفوري على تحسين الحياة المعيشية والخدماتية للمواطنين، وتدشين الإصلاح الاقتصادي بصورة حقيقية.
وفي حقيقة الأمر ، أن المجلس الانتقالي الجنوبي شريك في إدارة الدولة على المستوى السطحي، لكنه يقوم بدور المعارضة على المستوى العميق، ذلك أن منظومة القوى المعادية للمشروع التحرري الجنوبي بمختلف توجهاتها ومساراتها المحلية والإقليمية والدولية ما زالت هي المهيمنة في رسم المشهد الراهن، ومن ثم أصبح صوت المجلس الانتقالي الجنوبي في السلطة الشرعية أشبه بالصوت المعارض لا صوت الشريك، ومن هذا المنطلق؛ وجب علينا أن نحافظ على هذا الصوت، وأن ندعمه بكل ما أوتينا من قوة، لأنه الصوت المعبر عن إرادة الجنوبيين، والحامل لتطلعاتهم، وفرضها على طاولة المفاوضات المختلفة، وعلى المحافل الإقليمية والدولية، إذ بوجود الانتقالي داخل السلطة يتكامل الصوت الجنوبي في مسار عمودي تصاعدي، إنطلاقا من القاعدة الجماهيرية وصولا إلى القمة السياسية، يرافقه مسار أفقي جغرافي يصدع بهذا الصوت، على امتداد الوطن الجنوبي من المهرة شرقا إلى باب المندب غربا، وبذلك تتوحد مسارات المشروع التحرري الجنوبي على المستويين الأفقي والعمودي معًا، وهي الصورة النموذجية المكتملة لنجاح أي مشروع وطني.
وعليه، إذا أردنا معرفة الدور الذي يقوم به الانتقالي في السلطه، فينبغي أن نضع جميع الخيارات تحت مجهر التأمل المنطقي والوعي السياسي الحقيقي، بعيدا عن الشطحات الانفعالية الزائدة، ولنفرض أن المجلس الانتقالي انسحب من السلطة، فحينها ستدور بنا عقارب الساعة بصورة عكسية وصولا إلى العام 2007م، حينما تجسد الوعي الشعبي التحرري على مستوى ربوع الوطن، لكنه لم يجد الجناح السياسي الفعلي الذي ينبغي أن يحلق به وينقله إلى الأفق الأوسع والعالم الأرحب، الذي يفترض أن تصل إليه أصوات الشعوب والاستماع لتطلعاتها ومطالبها، وهذا هو ما انبرأ المجلس الانتقالي الجنوبي للقيام به، ويؤدي هذه المهمة بكفاءة واقتدار.
ختاما، المجلس الانتقالي الجنوبي ما زال يبذل جهودا كبيرة، لمحاولة تحسين الحياة المعيشية للمواطنين في المحافظات الجنوبية، وما زال هو الصوت الوحيد الذي يؤمل عليه في تغيير اتجاه البوصلة المتبعة لإدارة البلاد، فإن نجح في ذلك فسيحسب له النجاح، وإن لم ينجح، فلا أظن أنه سيقف كثيرًا موقف المتفرج، وباستطاعته أن يقول كلمته متى ما شاء، فقد وجد أولًا وأخيرًا للتعبير عن التطلعات الجماهيرية العريضة لشعب الجنوب، وتبني المشروع الوطني التحرري الجامع، المتمثل في استعادة الدولة الجنوبية كاملة السيادة على حدود ما قبل تاريخ 22 مايو المشؤوم من العام 1990م.
وإن غدًا لناظره قريب.