يحاول الحوثيون مع بداية عام 2025 فرض واقع جديد في ما يخص مرتبات الموظفين استعدادا لأي مفاوضات جديدة تأخذ بالاعتبار مشكلة انقطاع مرتبات الموظفين العموميين، وسط تحديات اقتصادية كبيرة في بلد يعد من أفقر بلدان العالم.
ويستهدف القانون الذي أسموه “الآلية الاستثنائية المؤقتة لدعم فاتورة مرتبات موظفي الدولة وحل مشكلة صغار المودعين” معالجة مشكلة انقطاع مرتبات الموظفين وتحقيق العدالة في توزيع الدخل الشهري بين موظفي وحدات الخدمة العامة.
ويقوم ذلك بالأساس على القوائم التي يقدمونها والتي تشمل الكثير من أفرادههم الذين تم إحلالهم محل الموظفين العمومين سواء المهجرين منهم أو النازحين أو المنقطعين عن العمل نتيجة سوء الوضع المعيشي.
كما تسعى الجماعة بهذه الآلية إلى إسدال الستار على المطالبات بصرف المرتبات وفقا لقوائم الخدمة المدنية لعام 2014، والتي قد تثير غضب اليمنيين.
ومنذ اندلاع الحرب قبل عشر سنوات يعاني الموظفون من ظروف معيشية صعبة وتتفاقم معاناتهم مع استمرار الصراع وفشل التوصل إلى حل سياسي.
وتسببت الحرب بتقسيم الجغرافيا اليمنية، وأصبحت للبلد حكومتان، وتدير كل حكومة المناطق التي تسيطر عليها باستقلالية.
وتشير التقديرات إلى أن عدد الموظفين الحكوميين في اليمن يبلغ نحو 1.3 مليون، بينهم 600 ألف في القطاع المدني والبقية في الشرطة والجيش.
وتقوم فكرة الآلية على إنشاء حساب خاص من البنك المركزي في صنعاء، ليمثل وعاء لجمع إيرادات مالية تحت تصرف وزارة المالية على أن يتم توريد إيرادات من حساب الحكومة العام بعد تغطية الالتزامات الشهرية.
وكذلك نسبة مساهمة يتم فرضها على جهات حكومية مختلفة بقرار من وزير المالية بالإضافة إلى تحويل موارد صندوق المعلم الذي أنشأه الحوثيون سابقا إلى حساب الآلية الاستثنائية.
وبموجب الآلية تفرض نسبة لا تفوق 20 في المئة من النفقات والحوافز الشهرية التي تصرفها الحكومة لوحدات الخدمة العامة و10 في المئة على الأكثر من كلفة البرامج الاستثمارية، بالإضافة إلى المبالغ المرتجعة من حساب الآلية نفسها.
ونص القرار على ثلاث نقاط رئيسية، الأولى تتعلق بصرف مرتب كامل لبعض الوحدات الهامة مثل البرلمان والقضاء الخاضعين لسيطرة الحوثيين.
أما النقطة الثانية فتتضمن صرف نصف مرتب شهريا على الأقل للوحدات التي ليست لديها موارد ذاتية، والثالثة صرف نصف مرتب كل ثلاثة أشهر لموظفي الجهات التي لديها موارد ذاتية ولديها نفقات تشغيلية تفوق مواردها.
وينص القانون أيضا على صرف المرتبات وفقا لكشوفات وزارة الخدمة المدنية، بما فيها الانضباط الوظيفي، وتبرأ ذمة الحكومة بعد ذلك ولا تمثل المبالغ الموردة من الجهات قروضا على الحكومة، ويلغي القانون أي تشريعات تعارضه.
وقد خطط لها كذلك أن تكون غطاء لمد يد الجماعة إلى كافة الشركات ووحدات القطاع الحكومي والاستيلاء على مواردها، ولكن من المحتمل أن تفشل الآلية كما فشلت آليات أخرى سابقة.
وتعيد الآلية إلى الأذهان قرار الحوثيين بخصوص صرف المرتبات على هيئة بطائق سلعية في العام 2017، والتي فشلت فشلا ذريعا.
ورأى خبراء مركز المخا في ورقة بحثية، حصلت “العرب” على نسخة منها، أن هذه الآلية محفوفة بالمخاطر ويتضح أنها ارتجالية وغير قانونية ولها العديد من التبعات.
وذكروا أن الآلية تستهدف التلاعب بحقوق الموظفين الحكوميين، والتمييز بينهم بناء على أهمية المؤسسات التي يعملون فيها بالنسبة لمشروع الحوثيين وتدعيم بقائهم في السلطة، بحسب مركز المخا للدراسات الإستراتيجية.
ويشير المركز إلى أن هذه الآلية تتعارض مع نصوص الدستور والقانون، وقواعد صرف المرتبات التي تقوم على العدالة والعمومية.
وعلى الأرجح أنها جاءت في سياق مخاوف جماعة الحوثي من تبعات سقوط نظام بشار الأسد وانحسار النفوذ الإيراني من سوريا، وكمحاولة لامتصاص الاحتقان الشعبي، الذي قد يتصاعد ويتحول إلى حراك جماهيري بعد انتهاء الحرب في غزة.
ومن أبرز المؤاخذات أنها تستهدف بدرجة رئيسة التلاعب بحقوق الموظفين العموميين واستبدال حقهم في المرتبات بقوائم جديدة أعدتها الجماعة وتخضع لمزاجها وشروطها، حيث تنص على تبرئة ذمة الحكومة من أي مرتبات خارج القوائم.
ورغم أن القانون نص على أنها تستهدف تحقيق العدالة، إلا أنها تقسم الموظفين إلى ثلاث فئات، وتحدد صرف المرتبات بناء على ذلك في مخالفة واضحة لمبادئ العدالة.
ويقول مركز المخا إن الآلية تربط الأجور بطبيعة المهمة التي يقدمها الموظف بدلا من كونها حقا له نظير خدماته في أجهزة ووحدات القطاع العام المختلفة بغض النظر عن طبيعة القطاع الذي يعمل فيه.
ومن الواضح أن سلطة الحوثيين غير المعترف بها تريد عبر الآلية مد يدها إلى كافة الشركات ووحدات القطاع الحكومي والاستيلاء على مواردها تحت ذريعة سداد المرتبات لعامة الموظفين دون الالتزام بتقييد المبالغ كديون على الحكومة.
ويقود هذا الوضع إلى الاستيلاء على موارد مؤسسات القطاع العام والشركات المملوكة للدولة خدمة لمصالح جماعة الحوثي على حساب المواطنين.
ويبدو أن الجماعة لم تعر اهتماما خاصا للمعلمين والذين يمثلون أعلى نسب الحرمان من المرتبات والأجور، وبما يمثل تحايلا جديدا عليهم، رغم إقرارها تحويل موارد صندوق المعلم الذي سبق وأنشأته لصالح آلية دفع المرتبات الجديدة.
وتمنح هذه الآلية لوزير المالية الحق المطلق في تحديد المساهمات على الوحدات الحكومية والتصرف المباشر في الموارد دون الرجوع إلى الجهات التشريعية.
واللافت في هذه الخطوة أن الجماعة استغلت الآلية لتمرير ضريبة مقطوعة جديدة على السلع الكمالية والسلع التي ليس لها مثيل ينتج محليا، وكذلك فرض ضريبة الدخل على المرتبات التي تفوق 25 ألف ريال أي ما يعادل 47 دولارا.
وحددت الجماعة سقفا يبلغ 100 ريال ألف (400 دولار تقريبا) للمودعين المستثمرة أموالهم في أذون الخزانة شريطة ألا يتجاوز مبلغ الوديعة 20 مليون ريال (80 ألف دولار تقريبا) وفقا لوثيقة مسربة ومنسوبة لفرع البنك المركزي في صنعاء.
وفي ضوء ذلك، قد يحتاج المودع قرابة 16 عاما ونصف العام لاسترداد أصل مبلغ الوديعة، وفق مركز المخا، الأمر الذي يكشف مدى القمع المالي على اليمنيين.
وشهدت العملة اليمنية تراجعا قياسيا جديدا تاريخيا هذا الأسبوع، حيث بلغ سعر الدولار الواحد نحو 2150 ريالا نتيجة النقص الحاد في النقد الأجنبي في أسواق الصرافة، إلى جانب غياب تدخل فعال لحل الأزمة.