دخل الحراك الاحتجاجي في محافظة حضرموت بشرق اليمن طورا جديدا من التوسّع والتصعيد بانضمام قوى نقابية وسياسية إليه، في ما بدا أنّه نتيجة عكسية للمبادرة التي أعلن عنها مجلس القيادة الرئاسي مؤخّرا بهدف كبح جماح الحلف القبلي المحلّي الذي مضى بعيدا في حراكه للدفاع عن حقوق أبناء المحافظة مقتربا من حافة إعلان التمرّد على السلطة الشرعية.
واستندت التظاهرات التي شهدتها، الخميس، مناطق في المحافظة الغنية بالنفط إلى مطالب حقيقية تتعلّق بتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والخدمية السيئة، لكنّها لم تنفصل عن خلفيات سياسية لقوى تراقب بقلق صعود حلف قبائل حضرموت كقوّة جديدة تحاول احتكار التحدّث باسم الحضارم وتكاد تنجح في فرض نفسها كمحاور قوي وندّي للسلطة المعترف بها دوليا بقيادة الرئيس رشاد العليمي، وهو ما بدا من خلال تعامل مجلس القيادة مع مطالب الحلف ومحاولته الاستجابة لأغلبها من خلال المبادرة المذكورة.
وعبّر المجلس الانتقالي الجنوبي الساعي لتأسيس دولة الجنوب التي يَعتبر محافظة حضرموت جزءا منها لا يمكن التنازل عنه عن دعمه للاحتجاجات الشعبية التي انطلقت في حضرموت وعدد آخر من المناطق.
ولا ينظر المجلس الشريك الرئيسي للشرعية اليمنية والممثل في مختلف مؤسساتها بارتياح إلى تقدّم قوى أخرى مثل حلف قبائل حضرموت ومؤتمر حضرموت الجامع إلى واجهة المشهد الحضرمي مخافة تحوّلها إلى مشاريع منافسة لمشروعه الاستقلالي أو مضادّة له، خصوصا وأن الحلف القبلي سرعان ما تدرّج من الحراك المطلبي إلى رفع شعار الحكم الذاتي والسعي إلى تشكيل قوّة عسكرية خاصة به.
وفي مظهر على تجاوز طموحات حلف قبائل حضرموت لمجرّد الحصول على بعض المكتسبات الاجتماعية من قيادة الشرعية اليمنية، سرعان ما عاد الحلف إلى لغة التصعيد أياما قليلة بعد إعلانه الموافقة على مبادرة مجلس القيادة.
وعلّق الناطق الرسمي للحلف القبلي الكعش السعيدي على الاجتماع الأخير لمجلس القيادة الرئاسي واصفا ما تمخض عنه من نتائج بـ”المخيبة للآمال عكس ما كان يتوقعه أبناء حضرموت من مباشرة خطوات التنفيذ لما تم إصداره في مصفوفة البيان الرئاسي.”
وقال السعيدي في تعليق عبر منصات التواصل الاجتماعي “إن الاجتماع يعد تهرّبا واضحا والتفافا على الموقف الحضرمي يراد منه إفشال التحركات المجتمعية لنيل استحقاقات حضرموت،” وأضاف “هذا النهج الذي يسلكه المجلس الرئاسي يدفع بالأوضاع نحو التصعيد على الرغم من تجاوبنا ورفعنا مذكرة من حلف قبائل حضرموت تحمل آلية تنفيذية مقترحة،” لما تضمنته مبادرة المجلس.
وتتمثّل المبادرة المذكورة بخطة لـ”تطبيع الأوضاع في حضرموت،” أعلن عنها مجلس القيادة مؤخّرا وتضمنت عدّة نقاط تمثّل استجابة لأبرز مطالب حلف قبائل حضرموت الخدمية والاجتماعية مع استثناء مطلبها السياسي بالحكم الذاتي.
ومن ضمن تلك النقاط اعتماد عائدات بيع النفط الخام الموجود في خزانات الضبة والمسيلة لإنشاء محطتين كهربائيتين جديدتين في ساحل ووادي حضرموت، واستيعاب أبناء المحافظة في القوات المسلحة والأمن وفقا للقانون، والوقوف على قضايا الفساد المنسوبة لشركة استكشاف وإنتاج البترول بترومسيلة، ودعم وإسناد الجهود لتوحيد وحشد أبناء حضرموت ومكوّناتهم كافة، وتعزيز شراكتهم العادلة في هياكل الدولة وأيّ استحقاقات سياسية قادمة.
كما تضمنت الخطة أيضا إنشاء مستشفى عام في منطقة الهضبة من عائدات قيمة الديزل المخزن في شركة بترومسيلة، بالإضافة إلى إدارة كافة العوائد المحلية والمركزية لصالح تنمية وإعمار المحافظة وفقا لخطة تنموية مشتركة مع الحكومة، ومجتمع المانحين الإقليميين والدوليين.
ولم يخف نص المبادرة هدفها الأصلي المتمثّل في وقف الحراك الاحتجاجي المتدرّج والنأي به عن محاذير العنف، حيث ورد فيه أنّ الإجراءات المعلنة تقتضي “ترحيب السلطة المحلية وكافة المكونات الحضرمية بالقرارات المتفق عليها وإنهاء المظاهر الاحتجاجية تمهيدا لإجراء إصلاحات شاملة تعيد لمحافظة حضرموت وضعها الطبيعي كقاطرة للتنمية والاستقرار.”
لكنّ تلك المبادرة بدت نظرية إلى حدّ بعيد وصعبة التحقيق على أرض الواقع بالنظر إلى الظرف الاقتصادي والمالي بالغ الصعوبة الذي تواجهه الشرعية وحكومتها المعترف بها دوليا والذي ازداد تعقيدا بتهاوي قيمة العملة المحلية واستشراء موجة الغلاء وتفاقم الاضطراب وعدم الانتظام في دفع رواتب الموظفين وتردّي الخدمات العمومية وانعدامها في بعض الأحيان، الأمر الذي أطلق موجة احتجاجات شملت الخميس حضرموت أكبر محافظات البلاد.
وشهد أكبر مركزين حضريين في المحافظة مدينتا المكلا وسيئون وقفات احتجاجية دعا إليها مجلس القوى المدنية والحقوقية الجنوبية الذي أصدر بيانا ندّد فيه بـ”تفاقم الفساد وفشل الدولة ومؤسساتها في أداء واجباتها تجاه المواطنين،” محذّرا من خطورة الوضع.
كما تضمّن البيان مجموعة من المطالب من بينها “وضع آلية لتصدير النفط ورفع حصة حضرموت من عائدات الثروات الطبيعية، بما يلبي احتياجات المحافظة ويحقق تنمية شاملة تعكس مساهمتها الكبيرة في رفد خزينة الدولة.. وإشراك أبناء حضرموت في المناصب العليا والدبلوماسية وضمان توظيف المتقدمين للخدمة المدنية وتثبيت المتعاقدين وفق معايير الأقدمية والكفاءة.”
وظهرت خلال الوقفات الاحتجاجية رايات المجلس الانتقالي الجنوبي الذي أعلن بشكل مسبق عن دعمه لها خلال اجتماع للهيئة الإدارية لجمعيته الوطنية تم خلاله تدارس “المستجدات الأخيرة على الساحة الجنوبية وفي مقدمتها الحراك الشعبي للنقابات العمالية بمحافظات الجنوب،” وصدرت عنه دعوة لـ”إيجاد آليات فعالة لتصحح الوضع القائم على مستوى مجلس القيادة الرئاسي والحكومة بما يضمن وضع حلول ناجعة للأزمات المستفحلة التي أثقلت كاهل المواطن وتلبية احتياجاته الأساسية بصورة مستدامة.”