بعد مرور 6 أعوام على اتفاق "ستوكهولم" بين الأطراف اليمنية، تأتي مفاوضات الحكومة و الجارية حاليًا في العاصمة العمانية مسقط، كجزء من التزام الجانبين بما تم التوصل إليه من توافق في ملف الأسرى، خلال المشاورات التي رعتها الأمم المتحدة عام 2018.
ويرى مراقبون، أن جولات التفاوض المتعلقة بالأسرى والمختطفين، تُستدعى منذ سنوات، عند كل منعطف خطير تصل إليه الأزمة اليمنية، بهدف خفض التوترات وتعزيز الثقة المتبادلة بين الأطراف؛ ما حدث عقب الإجراءات الاقتصادية التي اتخذتها الحكومة والبنك المركزي اليمني أخيرًا، واعتبرها الحوثيون إعلان عودة للصراع بشكل أعنف.
يأمل وكيل وزارة الإعلام لدى الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، أسامة الشرمي، ألا توفّر الحوارات والوساطات مع ميليشيا الحوثي، أي فرصة لها لثني القرارات الإدارية والاقتصادية التي أعلن عنها البنك المركزي اليمني وبعض مؤسسات الدولة، عن مسارها الذي يستهدف بشكل مباشر "عصب الحوثي الاقتصادي".
وقال الشرمي في تصريح لـ"إرم نيوز"، إن تدخل الدبلوماسية الدولية سابقًا في العام 2018، عبر مفاوضات "ستوكهولم"، أوقف عمليات دحر الحوثيين من محافظة الحديدة المطلّة على البحر الأحمر، بعد أن أحكمت القوات الحكومية خناقها وكانت على مشارف مركز المحافظة، وهو التدخل الذي يدفع ثمنه العالم الآن، في ظل الهجمات الحوثية على السفن التجارية.
وأضاف أن المجتمع الدولي بعد الضربات التي يتلقاها من ميليشيا الحوثي في ممرات الملاحة الدولية، "يفترض أن يكون متفهمًا للحقيقة التي تقول إن الدبلوماسية والتفاوض لا يجديان نفعًا مع الحوثيين، وأن عليه ألا يدعم أي عملية تفاوض معهم".
وذكر أن السلام مع ميليشيا الحوثي "يجعلها قوية، ويصعّب التعامل معها مستقبلًا، ويعقد من تحجيم دورها في المنطقة والإقليم، وربما العالم".
وقال الشرمي، إن على العالم أن يصل إلى قناعة مفادها "بأن هذه الميليشيا مرض يستفحل في المنطقة والإقليم، ويهدد المصالح الدولية، وليست الإقليمية فقط أو اليمنية. وعلى هذا الأساس يجب أن يكون هناك دعم للحكومة الوطنية الشرعية في مواجهة الحوثيين".
جهود ومخاطر
ويرى مدير مكتب مركز "south24" للأخبار والدراسات في عدن، يعقوب السفياني، أنه رغم انحصار المفاوضات الجارية بمسقط، في ملف الأسرى والمختطفين، دون مشاركة الوفود السياسية للطرفين، إلا أن هناك جهودًا للبناء على هذه المفاوضات وتوسيعها، واستئناف العمل على خريطة الطريق التي ترعاها الأمم المتحدة، والتي سبق أن أعلن المبعوث الأممي التزام الأطراف بتنفيذها أواخر العام الماضي.
وقال السفياني لـ"إرم نيوز"، إن من المؤكد أن يطالب الحوثيون "عند أول استئناف للمحادثات بشأن خريطة الطريق، بإلغاء الإجراءات الحكومية الأخيرة، بوصفها تصعيدًا اقتصاديًا، على الرغم من أن ذلك مغالطة واضحة للواقع".
وبيّن أن التصعيد الاقتصادي بدأه الحوثيون قبل ذلك بكثير، عندما هاجموا موانئ النفط في حضرموت وشبوة، وعطلوا تصديره من اليمن.
وأكد أن الحوثيين يحاولون حاليًا بشكل جدّي الضغط على السعودية والمبعوث الأممي، ويمارسون تصعيدًا متزايدًا في عملياتهم العسكرية من خلال هجماتهم ضد السفن بأسلحة جديدة، والهجمات البرّية الأخيرة التي شهدتها مأرب وتعز والساحل الغربي.
من جانبه، قال المحلل السياسي، حسين حنشي، إن هناك حالة واحدة يمكنها أن تشكّل خطرًا على القرارات الحكومية الأخيرة، "وهي تتمثل في المفاوضات الجارية في مسقط بين الأمريكيين والحوثيين، لوقف هجماتهم ضد السفن".
وأضاف لـ"إرم نيوز"، أنه في حالة توصّلت الولايات المتحدة إلى اتفاق مع الحوثيين، متعلق بعملياتهم العسكرية في البحر، فإن الدعم الأمريكي لإجراءات الحكومة والبنك المركزي سيزول، وسيتحول إلى ضغوط شديدة لإلغاء هذه الإجراءات.
استهلاك للوقت
بدوره، يشير رئيس تحرير صحيفة "عدن الغد" المحلية، فتحي بن لزرق، في حديث لـ"إرم نيوز"، إلى ضغوط تمارس من قبل الأطراف الراعية للحوثيين دوليًا، تقابلها ضغوط أخرى على الحكومة اليمنية، "وكلها تحاول أن تنجز ملف السلام بأي شكل من الأشكال، لكن على أرض الواقع فإن الدلائل والمعطيات كلها تؤكد أن جماعة الحوثي لن تذهب إلى أي سلام في اليمن أو حتى خارجه".
وقال بن لزرق، إن الحرب بالنسبة للحوثيين، هي وسيلة للبقاء، وتجد في تأزيم الوضع في المنطقة بشكل عام، ملاذًا كبيرًا للبقاء والاستمرار، "والسلام في رأيي يقتل هذه الجماعة، وهي تدرك فعليًا أنها لن تعيش في ظله، لأن السلام يعني الدولة ويعني مؤسسات، ويشير إلى انتخابات، وكل هذه العناصر قاتلة لمن يؤمن بالفكر الطائفي السلالي".
وذكر أن الحوثيين يستهلكون الوقت حاليًّا بمفاوضات عبثية، "وبالتالي حتى وإن تم التوصل إلى أي تسوية سياسية، فإن ذلك سيكون صعبًا وعسيرًا ودون أدنى ضمانات، وفي اعتقادي أن الحل الوحيد لإنهاء هذه الجماعة هو الحل العسكري فقط".