القضاء كما لا يجب أن يكون ! 4/3 3- الخبز بالجبن !
كتبت /القاضي .د. رواء عبدالله مجاهد

 

 

في خضم كل ما يحدث في السلطة القضائية من إخفاقات و نوازل  ، و التي سبق الحديث عنها في الأجزاء السابقة من المقال ، أو في غيرها من المقالات ، يوجد سؤال يطرح نفسه بقوة أمامنا و هو :  أين هم قضاة اليمن ؟ أين هم من استخلفهم الله في أرضه و تحملوا أمانة إعمار الأرض ، و إقامة العدل ؟ أين هم حملة لواء  الدستور و القانون ؟ أين هم من أقسموا اليمين عند توليهم القضاء بأن يتمسكوا بكتاب الله و سنة رسوله ، و أقسموا على احترام الدستور و القانون ، أين من وضعوا يدهم على كتاب الله و أقسموا على الحرص على شرف القضاء و الحرص على مصالح الشعب ! 

أين هم ؟ 

و للإجابة على التساؤل المطروح نجد أن القاعدة العامة السائدة هو أن القضاة عجزوا عن الوقوف أمام الموجة  العاتية التي تقادفت بالمؤسسة القضائية ،  بل حتى أنهم لم يملكوا التلويح بيدهم استنكارًا لما يحدث ، لا  سيما في ظل انقسام قيادات نادي قضاة اليمن و الذي هو الكيان المنتخب الشرعي الوحيد الممثل لقضاة اليمن شمالًا وجنوبًا و الاستيلاء على مخصصاته ،  وتفريط رئيس نادي قضاة اليمن بأمانته ،  وتفضيله لللجوء خارج البلاد وترك القلعة والجبل ، المهم أن يستلم راتبه كاملًا و يحصل على ترقية كاملة غير منقوصة ، و يحصل على جميع الإمتيازات ، فالسكوت له ثمن ، و الخذلان أيضاً له ثمن . ضف إلى ذلك أن ارتباك وضع الدولة جعل الباب مشرعاً لتسلق الكيانات المؤدلجة لتطغى و تسيطر و تمدد و لا تبالي ، و التي حولت  القضاة إلى أدوات طائعة لتنفيذ أجندتها و دون أن يشعروا . و في العموم  .. فأنا لا أتعجب من التمزق القضائي ، فالقرار الوطني  برمته أيضاً ممزق ، و السيادة الوطنية في خبر كان . و لكن .. استمرار الإضمحلال القضائي دون مواجهة ، و دون وجود لأي بارقة أمل في اصلاحه ممن هم مخولين من السماء في إعمار الأرض و ملؤها عدلاً و استقامة هو الذي يجب الوقوف أمامه ، فصمت القضاة معيب و مخزي مع الأسف . 

و هذا الصمت لقضاة اليمن له مسالك منهم من كان صمته راجع إلى قلة  حيلته فهو لا يملك إلا أضعف الإيمان ولا ينكر الواقع إلا بقلبه . ومنهم من انتفع من المرحلة فلكل مرحلة  رجالها ،  كان من قبل لا شيء وأصبح الآن كل شيء ، بل أن منهم من يعلم بقرارة نفسه بحالة الخراب التي وصل لها القضاء ، و يعلم أن القيادات القضائية لا يُرتجى منها خير ، لكنهم صفقوا للقيادات البائسة و  ركبوا الموجة و نافقوا و داهنوا و وزعوا صكوك الوطنية بحسب الأهواء  ، فكل ما يهمهم هي مصلحتهم الخاصة . 

و منهم من استغل وضع الغوغائية التي تسود الوطن ، و العشوائية و الانفلات القضائي و سال لعابه نحو ..... ، و إن كان يبرر لنفسه مسلكه بعدة مبررات يزينها له شيطانه ليتخلص من تأنيب الضمير ابتداء فقط ، ثم لا يلبث إلا أن يُشيّع ضميره في أقرب جنازة . 

إنما .. تظل السمة الغالبة بين  القضاة لقضاة صابرين محتسبين رابطين على بطونهم وهم يتقاضون فتات الفتات ، مغلوبين على أمرهم ، ينتظرون فرجاً من الله ، و من عارض أو أعترض منهم تعرض للتنكيل و التهميش و الاقصاء . 

و لكن و مع تقديري فكل الحالات السابقة لن تبني و لن تعمر و لن تصلح ، و لا تعفي القضاة  من تفريطهم باليمين التي أقسموها ،   فهذا الذي فتح المجال أمام القيادات القضائية شمالًا وجنوبًا للعبث كيفما شاءت غير مبالية بأحد ، و تعمل على التنكيل بمن تريد دون أدنى معارضة . 

و المضحك و المبكي في ذات الوقت أن إعلام مجلسي القضاء في الشمال و الجنوب يُصدِّر أن المجلس يعمل على إحالة قضاة للمحاسبة ؟ 
فيا ترى من هم القضاة اللذين يحالوا للمحاسبة ؟  هل هذا القاضي أو ذاك يحاسب لفساده ؟ أم لصلاحه ؟ 
و إذا افترضنا جدلاً أن من تم إحالته للمحاسبة توافرت أدلة على فساده ، فهل هو الفاسد فقط ، أم أن هناك فاسدون يفوقون فساده بمراحل ومع ذلك تتم ترقيتهم و مكافئتهم . 

 الواقع المرير بيّن أن من تتم محاسبتهم نوعان لا ثالث لهم ، فهم إما قضاة شرفاء أكفاء يستخدم المجلس عصاته الجائرة ضدهم ، أو قضاة فاسدين فعلياً إنما بدون ( داعم سياسي) و بدون ( واسطة ) ، ذلك لأن هناك الكثيريييين من الفاسدين ومع ذلك يتم تقليدهم المناصب العُلا !! 

و لما سبق عرضه يتبين أن قضاة اليمن أكلوا الخبز بالجبن ،  نعم ...  أكل قضاة اليمن الخبز بالجبن ، و ارتضوا لأنفسهم بأقل أقل القليل دون أن يستطيعون مواجهة العبث في مؤسسة القضاء ببنت شفه ، و كانوا أشبه بقوم موسى الذي استخف بهم فرعون فاطاعوه . 
جُيرت المؤسسة القضائية شمالًا وجنوبًا سياسيًا وهم صامتون ، حرموا من حقوقهم و هم صامتون ، تقادفت المؤسسة القضائية الخروقات القانونية وهم صامتون ، يتم التنكيل بزملائهم وهم صامتون .. إلى متى ؟ 

 فهاهي القاضي نورا ضيف الله التي جسدت معنى القاضي القوي النزيه المستقل ، و التي ملئت الساحة القضائية عدلاً ، و التي لو كانت توجد معايير فعلية في اختيار القيادات القضائية لكانت تتولى زمام المؤسسة القضائية  تُحرم من أبسط أبسط  حقوقها . 

و ها هو القاضي عبدالوهاب قطران وجه الحرية الذي أرعد بالدفاع عن الحقوق و الحريات يتم التنكيل به أسوأ تنكيل ، و خذل القضاة بعضهم البعض في نصرته . و ها هم القضاة الشرفاء الأكفاء يحرمون من أبسط أبسط حقوقهم و القضاة صامتون ، و ينتظرون من نقابة الإداريين أن تحقق لهم الأمنيات ! .  

يا قضاة اليمن أعلموا أنكم  السؤال و الجواب ،  فأنتم من بيدكم صلاح الحال ، أنتم من تملكون زمام الأمور فالقرار الفصل و الأخير لكم ، انبذوا الخوف و الجبن و الخنوع ، اتركوا الخضوع و الذل و الهوان ، تخلوا عن مصالحكم الخاصة و  الضيقة ، فبانتظاركم هدف أسمى ، و غاية نبيلة . و على الأقل اشعروا قيادتكم بأنكم ترفضون هذا الوضع ، و اشعلوا المجموعات القضائية دفاعًا عن مؤسستكم و لا تجعلوها فقط لتبادل التعازي و التهاني . 

يا قضاة اليمن .. نداء أخير ..  عليكم أن تدركوا أن جلَّ صلاح مؤسستكم  بأيديكم  ،  فبيدكم مفتاح الخير ، و أعلموا  أن من عمق الضعف ينبثق الجبروت ، و  أعملوا   على أن يبدأ كل قاضي باصلاح نفسه و محيطه القضائي بكل ما يملك ، فهنا سيستقيم الحال لا محالة . و بعدها يمكن أن تنظموا انفسكم متى ما وجدت النية الصادقة و الرغبة النبيلة فيحدث التغيير . و لا تواجهوا كل تحرك من بعض زملائ noكم القلائل بالخذلاااان . 
كفاكم جُبن .. كفاكم ذل ، كفاكم خنوع و استسلام . 

يا قضاة اليمن .. نريد قضاء كامل السيادة يا سادة ..

متعلقات
الكثيري يشدد على ضرورة اتباع منهجية واضحة وعادلة في توزيع المنح الدراسية
المحافظ لملس يبحث سبل تطوير عمل صندوق الرعاية الاجتماعية بالعاصمة عدن
العميد الوالي ينعي الشهيد الحُميدي أحد أبطال حزام الضالع ويؤكد: الشهيد قاد جبهة (باب غلق) بحكمة واقتدار
العميد الوالي ينعي الشهيد الحُميدي أحد أبطال حزام الضالع ويؤكد: الشهيد قاد جبهة (باب غلق) بحكمة واقتدار
صاروخ الحوثي الساقط في إسرائيل.. شظايا تفجر التساؤلات والانتقادات