يستقبل اليمنيون شهرَ رمضان الجديد وبلدهم في حالة حرب مستمرّة منذ نحو عشر سنوات خلقت أزمة إنسانية صنّفتها منظمات دولية ضمن الأسوأ في العالم، وازدادت تعمّقا خلال الفترة الأخيرة وما استجدّ معها من توترات إقليمية طالت اليمن بشكل مباشر وأثرت على وضعه الاقتصادي والاجتماعي.
وتشهد قيمة الريال اليمني منذ أشهر انحدارا سريعا في مناطق السلطات اليمنية المعترف بها دوليا تسبّب في موجة غلاء غير مسبوقة في أسعار المواد الأساسية وزاد من إضعاف القدرة الشرائية الضعيفة أصلا للسكان الذين لم يعد بينهم من ينتمي إلى الطبقة الوسطى التي ذابت تقريبا والتحق المنتمون إليها بصفوف الفقراء.
ورغم أن سعر العملة في مناطق سيطرة الحوثيين أكثر استقرارا إلاّ أن سكّان تلك المناطق ليسوا أفضل حالا في ظلّ ندرة السلع الأساسية وتباطؤ وصول المساعدات الدولية إليهم بسبب التصعيد الذي أوجده الحوثيون في البحر الأحمر وباب المندب باستهدافهم السفن التجارية.
ويزداد اليمنيون شعورا بوطأة الظروف المعيشية الصعبة في شهر رمضان الذي اعتادوا أن يولوه أهمية خاصّة ويضاعفون الإنفاق خلاله استجابة ما تقتضيه عادات مجتمعهم.
ولا يخفي يمنيون تحسّرهم على عدم قدرتهم على الإيفاء بمتطلّبات عوائلهم في الشهر الاستثنائي. وقال عبدالله ناصر أحد سكّان مدينة تعز بجنوب غرب اليمن “نستقبل رمضاننا العاشر ونحن نعيش أسوأ أوضاع معيشية في العالم، فلم نعد نملك قوتنا اليومي بسبب الظروف الصعبة التي يعاني منها بلدنا جراء الحرب”.
وأضاف متحدّثا لوكالة الأناضول “لم نقم بشراء أي شيء لمتطلبات شهر رمضان، فنحن لا نملك المال وبالكاد نستطيع توفير قوت كل يوم بيومه”.
وأوضح أنّه يعمل في نقل الركاب من أجل توفير المستلزمات الأساسية للبيت، مضيفا “رمضان لم يعد يهمنا منه سوى الصيام طلبا للرحمة والغفران وحسن الخاتمة”.
وتابع ناصر “لم أعد أقوى على العمل بسبب كبر سني ومعاناتي من أمراض متعددة، لكنني مضطر للعمل حتى في نهار رمضان من أجل توفير القوت اليومي لأسرتي المكونة من سبعة أفراد”.
ويعد الرّجل الستيني واحدا من ملايين اليمنيين الذين يواجهون الأزمة الإنسانية والاقتصادية الحادّة في اليمن، حيث تشير التقديرات إلى أن 17.6 ملايين شخص من أصل 35 مليونا يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد في عام 2024، وفق تقرير صادر في فبراير الماضي عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أوتشا.
وبعد مضي قرابة العشرية على تفجّر الحرب لا يلوح أي أفق لحل الصراع في البلاد بينما تزداد الأوضاع الاقتصادية تدهورا مع تهاوي سعر العملة المحلية وبلوغها مؤخرا سقف 1700 ريال مقابل الدولار متراجعة من ألف ريال للدولار الواحد عقب تشكيل مجلس القيادة الرئاسي في أبريل 2022.
وتشكو أم حبيب وهي ربة بيت في العقد السادس من العمر من ظروفا صعبة تعاني منها أسرتها في تعز أكثر المحافظات اليمنية سكانا وتقول “لم نشتر احتياجات الشهر الكريم وحالتنا المعيشية صعبة والغلاء يحاصرنا من كل اتجاه بسبب ظروف البلاد، والكثير مما يجب شراؤه لشهر رمضان بات بعيدا عن متناول اليد”.
وتقارن بين وضعها الحالي ووضعها قبل اندلاع الحرب قائلة “كنا نستعد لرمضان بتوفير كل احتياجاته مثل التمر الذي كنا نشتريه منتصف شهر شعبان، لكن الوضع الآن لا يطاق، فالحرب ولدت الفقر والمرض، ما أثر على معظم الناس وحرمهم فرحة الشهر الكريم”.
وأردفت “هذه الأوضاع القاسية لا حل لها سوى عودة السلام في كل أرجاء اليمن، لا فرح حقيقيا في أي شهر إلا بانتهاء الصراعات وتحسين أوضاع الناس المعيشية”.
ولا يعتبر التجار أفضل حالا من باقي سكّان اليمن فما يتوفّر من السلع يظل مكدّسا في الأسواق بعيدا عن متناول المشترين.
ويقول التاجر معاذ المريسي “مع قرب رمضان وبمبادرات ذاتية من التجار وضعنا تخفيضات في الأسعار على السلع من أجل تشجيع الناس على الشراء تقديرا لظروفهم، ومع ذلك استمرّ الركود بسبب ضعف القدرة الشرائية للمواطنين”.
وتعلّق افتخار عبدة المتخصصة في الشؤون الاجتماعية على الوضع بالقول إنّ “المواطن اليمني بات يهتم فقط بكيفية حصوله على قوت يومه بخلاف الماضي حيث كان شهر رمضان موسما لتغيير أثاث البيت ونحو ذلك”.
وتضيف “اليوم أصبح قدوم رمضان مصدر قلق وخوف للكثير من أرباب الأسر كون جيوبهم أصبحت خالية في واقع يشهد غلاء فاحشا في الأسعار وتراجعا كبيرا في المساعدات التي كانت تقدمها المنظمات الإغاثية”.
وتلفت عبدة إلى أن حالة التهدئة في جبهات القتال الداخلية لم تؤثّر إيجابا على ظروف السكان التي “تزداد سوءا من الناحية المعيشية بسبب تراجع العملة وتوقف تصدير النفط وأزمة البحر الأحمر إضافة إلى عدم تحقق السلام”.
ومنذ مطلع العام الجاري يشن تحالف حارس الازدهار الذي تقوده واشنطن غارات يقول إنها تستهدف مواقع جماعة الحوثي في مناطق مختلفة من اليمن ردا على هجماتهم في البحر الأحمر وهو ما يقابَل برد من الجماعة الأمر الذي أثر على كمية البضائع المستوردة إلى اليمن عبر البحر.