بعد أن تحدثنا في الحلقة الأولى عن التدابير الإصلاحية التي يجب أن يتخذها المسئولون، وأهمية الحد من التضخم، وتوصيات للإصلاحات الضريبية لتحقيق العدالة الاجتماعية، ويجب أن يصبح الكفاح لأجل العدالة المالية أكثر مركزية بالنقاشات السياسية، وأهمية تقليص العجز المالي وتحقيق استقرار اقتصاد كلي لضمان نمو مستقبلي، ولماذا يُهمل إصلاح سياسات التدقيق الضريبي والتزام الممولين، نتحدث اليوم عن أمور أخرى.
زيادة حجم الإيرادات وجعلها أكثر إنصافاً
(التغييرات المتوسطة المدى اللازمة لزيادة حجم الإيرادات وجعلها أكثر إنصافاً)، وعن هذا فمن المهم عند تحديد الإيرادات المستهدفة على المدى المتوسط، إدراك أن التغييرات الهيكلية التي أحدثتها الأزمة الحالية تؤدي إلى انخفاض الإيرادات الضريبية إذا ظلت المعدلات الضريبية الحالية دون تغيير. وفي حين أن الانخفاض الحالي في الإيرادات يُعزى جزئياً إلى حالة الركود الحاد، فإنه يرتبط أيضاً بالانخفاض الحاد في الواردات وعائدات الفوائد، والتي انخفض كلاهما بمقدار النصف تقريباً على المدى المتوسط، ليس من المتوقع أن تستعيد الواردات وعائدات الفوائد مستوياتها السابقة.
في ضوء ما سبق، نرى أنه يتعين أن ترتفع الإيرادات تدريجياً مع مرور الوقت حتى تتمكن من استعادة مستوياتها، وبالتالي فهو هدف يشكل تحدي، رغم ضرورته.
وسيتطلّب تحقيق هذا الهدف وجود مصادر إيرادات جديدة للتعويض عن الانخفاض الحاد الهيكلي في الإيرادات المتأتية من الضريبة على القيمة المضافة، والجمارك، والضرائب المفروضة على عائدات الفوائد.
المزيد من الإيرادات (الضريبية) والمزيد من الإنصاف
كيف يُمكن زيادة الإيرادات؟ بالرغم من أن صندوق النقد الدولي عادة ما يرى أنه لا بد من زيادة معدلات الضريبة على القيمة المضافة بصورة ملحوظة حتى يحدث تدفق سريع للمال، فإنني لا أحبذا هذا الحل.
عادةً ما تقع الضرائب في الوقت الراهن إلى حد كبير على عاتق ذوي الدخل المحدود والطبقة المتوسطة، ولن تكون زيادتها مجحفةً فحسب، بل ستؤدي أيضاً إلى المزيد من الانكماش في الطلب، والاقتصاد بالتبعية. وعلى ذلك، فإن الإصلاحات التي تُلقي بعبء الضرائب على أغنى الطبقات في المجتمع تُعد ضرورية في الوقت الذي تجري فيه زيادة الإيرادات الضريبية، وهكذا يصبح النظام الضريبي تدريجياً أكثر إنصافاً وعدالةً بالتزامن مع تحقيق استقرار الاقتصاد.
نقدر أن حوالي نصف الزيادة الضرورية في الإيرادات الضريبية يمكن أن تأتي من تحسين وتفعيل الامتثال الضريبي.
أكبر المجالات التي يبدو فيها هذا ممكناً على المدى القصير، تأتي من الضرائب المحصلة عند الحدود (الضريبة على القيمة المضافة والجمارك)، والضرائب على الإيرادات (الأفراد والشركات) - التي نقدر أنها مجتمعة تصل إلى +2% من الناتج المحلي الإجمالي.
وعليه، سيتوجب على إدارة الجمارك أن تكون أكثر انضباطاً فيما يتعلق بتحصيل الإيرادات عند الحدود بمجملها، كما يمكن لترشيد نطاق تطبيق الضريبة على القيمة المضافة، لتشمل جميع السلع والمنتجات غير الأساسية كي تكون أكثر اضطراداً وتصاعديةً مما هي عليه الآن، أن يؤدي إلى زيادة إيرادات الضريبة على القيمة المضافة بنسبة إضافية تبلغ 0.5% من الناتج المحلي الإجمالي. وثمّة حاجة أيضاً إلى تحصيل ضريبة الدخل بصورة أكثر إحكاماً وفعاليةً.
زيادة الإيرادات المُحققة من ضرائب الدخل وضرائب الشركات ضرائب الأملاك المبنيّة الضرائب على رأس المال ضريبة التركات ضريبة الثروة والضريبة على القيمة المضافة.
وتناقش السطور التالية كيفية زيادة الإيرادات المُحققة من ضرائب الدخل وضرائب الشركات.
نحو ضرائب أكثر عدالة وفعالية
في إطار تلك الخطة، يرمي مقترحنا إلى زيادة معدل الضريبة الهامشية على كامل الإيرادات حتى 30 % على الأقل على أصحاب الدخل الأكثر ارتفاعا. وتظل مثل هذه المعدلات أقل من المعدلات الدولية، ولا ينبغي أن تثبط اليمنيين ذوي المهارات العالية عن البقاء باليمن والعمل فيه.
ونقترح على وجه الخصوص الانتقال بسرعة إلى فرض ضرائب على إيجار الممتلكات والفوائد وإيرادات توزيع الأرباح بمستويات مماثلة لما يُدفع من دخل الأجراء. فقد يساعد هذا -مع مرور الوقت- على رد الاعتبار إلى قيمة العمل الجاد مقارنةً بإيرادات الإيجار.
*خبير اقتصادي.