مقدمة:
حرصت الدول اليمنية المتعاقبة على المحافظة على عدن وحمايتها والاعتماد على من تثق فيهم بإدارة شؤونها.
فقد كان دخلها من مينائها والعائدات من أسواقها ومتاجرها لا يستهان به لها، بل ربما كان – أحياناً – الدخل الوحيد الذي تعتمد عليه.
وتزخر الحوليات التي تؤرخ للدولة الرسولية – مثلاً – بأخبار الخزائن التي ترفع موسمياً من عدن إلى تعز.
وعدن كما وصفها اليعقوبي في كتابه : كتاب البلدان: (فرضة صنعاء تأتي السفن من (الحبشة) و (هنداه) و (سليهات) و (الصين) وترسو هنا).
وعدن عند المقدسي صاحب (أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم) (دهليز الصين وفرضة اليمن، وخزانة العرب..).
وذكر ابن حومل التاجر والرحالة المعروف سنة 450 هـ في زيارته لعدن (أن عشور المراكب كان يضمن (بمئة ألف وأربعة عشر ألف دينار مرابطة).
لذلك قيل أن عدن هبة المراكب مثلما يقال أن (مصر هبة النيل) ووصفت عدن بأنها (ثغر اليمن المحروس) و (ومخزن اليمن خاصة والعرب عامة) ولعل ما يوضح أهمية عدن لليمن هو ذلك التشبيه الذي أورده المؤرخ حسين أحمد العرشي حين ذكر أن عدن تعد بالنسبة لليمن (أشبه بالسن القلقة في ثغر الإنسان).
ولم تغب عدن قط عن ذاكره التاريخ، ووصفت أيام الزريعيين بأنها (فرضة اليمن ودهليز الهند والصين).
والمؤسف أن أهمية عدن ومكانتها كان مطمعاً للقوى الداخلية والخارجية، ولست في حاجة لاستعراض صراع القوى الداخلية والخارجية على عدن، خلال القرن التاسع عشر وحتى احتلالها من قبل الاستعمار البريطاني عام 1839م.
ولا شك أن الصراع اليوم في أحد وجوهه صراع على عدن ويكفي أن نذكر أن الإيرادات الجمركية لعدن لعام 2013م بحسب مدير عام جماركها (32063602956) وإيراداتها الضريبية لنفس العام هي (1266942611) أي أن حصيلة ضرائب عدن وجماركها للعام 2013م هي (43330.554.567).
ضوء في آخر النفق (مؤتمر الحوار):
قطع مؤتمر الحوار الطريق أمام عودة الاستبداد أو حكم الفرد والقبيلة والعائلة، ووضع لبنة حقيقية لبناء دولة المؤسسات دولة النظام والقانون، دولة العدل والمساواة أي الدولة المدنية التي تقوم على الآتي:
- الدستور.
- كفالة الحقوق والحريات العامة واحترامها.
- فصل السلطات.
- تدرج القواعد القانونية.
- قضاء مستقبل.
- رقابة قضائية.
ويتوافق ذلك مع رفض المركزية الشديدة بحسب ما جاء في وثيقة الحوار الوطني الشامل. ونبذ ثقافة الفساد المالي والإداري التي لم تكن متفشية في المحافظات الجنوبية نظراً لطبيعة النظام الإداري الصارم الذي يجرم هذا المسلك ويعاقب عليه.
مؤهلات عدن المنطقة اقتصادية خاصة:
1- ميناء له مميزات طبيعية وسمعة عالمية.
2- مطار دولي.
3- منطقة حرة.
4- مواقع طبيعية وهبها الله لها.
5- مواقع تاريخية.
6- موارد بشرية تتميز بها نسبياً عن غيرها من المناطق.
إضافة لذلك تحتاج عدن إلى: (التنظيم الجيد للهياكل المؤسسية والقانونية والتنفيذية – العلاقة الترابطية بين مرافق المحور الاقتصادية (الميناء، المطار، المنطقة الحرة).
عدن ومناخ الاستثمار:
يقصد ب (مناخ الاستثمار) مجمل الأوضاع والظروف المكونة للمحيط الذي تتم فيه العملية الاستثمارية وتتأثر تلك الظروف بالأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية والقانونية والإدارية ويكون تأثيرها سلبياً أو إيجابياً في فرص نجاح المشاريع الاستثمارية.
ويستفاد مما سبق أن مكونات المناخ الاستثماري يمكن تقسيمها إلى:-
1- الوضع الاقتصادي 2- الوضع السياسي والأمني 3- الوضع الإداري 4- الوضع القانوني 5- الوضع القضائي 6- الجهاز المشرف على الاستثمار.
ومما سبق يتأكد لنا ضرورة وجود بنية قانونية مستقرة، وقضاء مستقل، وتحقيق شراكة في التنمية بأطرافها الثلاثة:
- نظام حكم يتصف بإدارة رشيدة للموارد المالية، ويعتمد على الشراكة مع المجتمع المدني والقطاع الخاص.
- مجتمع مدني فاعل، يسهم في تحقيق التنمية، وترسيخ الحكم الرشيد داخل جهاز الدولة وداخل المؤسسات المدنية ذاتها.
- قطاع خاص قوي قادر على خلق فرص العمل والإسهام في الناتج القومي وقيادة التنمية.
ويجب أن يتوافق – ما سبق ذكره – مع إِصدار تشريعات تتلاءم وتتفاعل مع المتغيرات الإقليمية والدولية، إلى جانب تطبيقها واحترامها من قبل الجميع.
كما يجب أن تسير عملية التنمية بإيقاع متناغم مع تعميق الديمقراطية وإشراك المواطنين في التنمية بوصفهم غاية التنمية وهدفها، وذلك جنباً إلى جنب الرقابة والشفافية والمحاسبة والمساءلة والمساواة.. الخ.
وهذا هو التحدي الذي يواجه كل المجتمعات، ويتمثل في تحقيق (الحكم الرشيد) على المستويات كلها لتدعيم التنمية، وضمان استمرارها.
خاتمة:
وصف عدن بعض المؤرخين بأنها كانت في الجاهلية أحد أسواق العرب الذي تفد إليه القوافل في النصف الآخر من رمضان من كل عام، ويمشي الناس فيها بدون خفارة. فقد أرسيت فيها تقاليد أمنية أضفت عليها الاستقرار الضروري للرخاء، وفي بداية العصر الإسلامي بارك النبي (ص) بسوقي منى وعدن([1]).
واستمرت عدن في صعود وهبوط بحسب قوة الحاكم الذي يسيطر عليها هكذا طيلة قرون .
وفي العهد الاستعماري خضعت للنظام والقانون وطبقت فيها من 1839م إلى 1937م (346) قانون ومن 1937 إلى 1967م (570) ([2]) قانون، كما طبقت فيها من 1967م أي بعد الاستقلال غلى 3/9/1989م (612) قانون غير الأنظمة واللوائح والمراسيم ..الخ([3]).
هذا إلى جانب الإرث المدني الذي تملكه عدن المتمثل في النقابات والنوادي الأدبية والثقافية والجمعيات بكافة أشكالها (الإبداعي والخيري والاجتماعي).
وكل ذلك يشكل مداميك قوية للبناء عليها ، لاستعادة مكانة عدن التي بارك المصطفى (ص) بسوقها .. قبل قرون.
أستاذ القانون العام المشارك
كلية الحقوق – جامعة عدن
.
.
.