تفاجأ المشاهدون في الشمال والجنوب، صبيحة عيد الفطر المبارك، وهم يشاهدون التلفاز اليمني وهو يبث أداء الرئيس (هادي) صلاة العيد في جامع الصالح، وعن يمينه الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وعن شماله اللواء علي محسن الاحمر، في مشهد لم يحدث منذ عامين ونصف!.. وكان الاندهاش لدى الجنوبيين أكثر وهم يرون فرقاء الحرب والاقتتال - بالأمس - يؤدون الصلاة في صف واحد، إلى ان تواردت أنباء رفض الرئيس السابق (صالح) مصافحة علي محسن الاحمر، الذي مد يده بحرارة لمصافحة خصمه الذي ثار عليه! وهي الحركة التي طمأنت البعض بأن الخصومة بين الرجلين لا تزال قائمة، رغم أن هناك من يشكك في خصومتهما الظاهرة الى اللحظة!!
لا تعتبر الخصومة بين علي عبدالله صالح، وعلي محسن الأحمر شخصية (بين فردين)، بقدر ما هي خصومة بين قوتين من معسكر القوى التقليدية القديمة، التي أثقلت البلاد والعباد بكاهل صعب حين اتحدت، وبدأ المواطن يتنفس الصعداء لدى افتراقها، واستعدائها لبعض.
تأثير التصالح الشمالي على الجنوب!
لا يخفى على المتابع البسيط لواقع الحال السياسي في الجنوب أن الانفراج السياسي الحاصل في القضية الجنوبية، بما في ذلك العودة المرتقبة لـ (العطاس) ما كان لها أن تحدث لولا الانقسام الحاد الذي حدث بين القوى التقليدية في صنعاء، وكسر شوكة بيت الأحمر في عمران، والضربات الموجعة التي تلقاها (الحمران) في صنعاء، خصوصا منها الضربات السياسية التي أفقدتها كثيرا من أوراق القوة على الارض، وبالتالي كان من المقلق للجنوبيين أن تعود المياه الى مجاريها بين القوى التقليدية المتحاربة، التي لا يمكن قيام دولة مدنية حديثة دون إضعافها، باعتبارها العائق الابرز أمام أي تقدم لشكل الدولة، وفرض هيبة القانون!!
ولا يتصور أحد أن يعود (العطاس)، أو القيادات الجنوبية الأخرى في الخارج الى الداخل في ظل مصالحة بين الرجلين، الذين كانا سببا في تدهور البلد لأكثر من ثلاثة عقود، فتجريب المجرب غباء، والساسة الجنوبيون غير مستعدين لأكل مقلب شبيه بمقلب عام 94 حين كانت القوى التقليدية جميعها متحدة، ولا توجد أية خلافات بينها كحال اليوم.. وبالتالي؛ فالشرخ الموجود في الشمال داخل معسكر القوى القبلية، ممثلة بقبائل حاشد وبيت الاحمر، وبين معسكر القوى العسكرية ممثلة بصالح ومحسن وبين القوى الدينية هو الذي أغرى الجنوبيون، وبالذات في الخارج للعودة الى الداخل وممارسة الحياة السياسية.
لماذا المصالحة الآن؟!
منذ سقوط عمران في منتصف رمضان الماضي تداعت القوى التقليدية في الشمال الى دعوات مصالحة بينها، رغم الشرخ الكبير الذي أحدثته فيها أزمة العام 2011.. بدأت هذه الدعوات من رئيس الكتلة البرلمانية لحزب التجمع اليمني للإصلاح زيد الشامي، الذي دعا لانسحاب حزبه من الحكومة ولقاء يجمع اليدومي بـ (صالح) كخطوة من خطوات الضغط على الرئيس (هادي)، الذي رفض أن يسخر إمكانيات وزارة الدفاع لصالح الحرب الداخلية بين ميليشيات الحوثي، وميليشيات حزب الاصلاح في عمران.
كان واضحا أن المهزومين في عمران يبحثون عن شماعة يعلقون عليها هزيمتهم التاريخية، بخروج الحليف القبلي لهم من معسكره التقليدي الذي ظل يرابط فيه منذ أكثر من ثلاثة عقود، وانتهى به الحال أن يخرج منه مهجرا طريدا يجر أذيال الهزيمة!!
وبعد دعوة (الشامي) تزايدت دعوات التقارب بين (صالح) وعلي محسن وحزب الاصلاح، وجاء تصريح النائب في البرلمان عن حزب الاصلاح حسن العديني ليزكي ما قاله (الشامي)، وظهرت رائحة الابتزاز واضحة من دعوات التقارب هذه التي أرادت ايصال رسالة للرئيس (هادي) بأنها مستعدة لأن تتحالف مع الطرف الذي ثارت عليه عام 2011، وتشكيل جبهة موحدة ضد الرئيس (هادي)!!
كان واضحا ان ما يجرى دعوات ابتزاز وانفعالات غير منضبطة يصعب تحقيقها، فأي تقارب بين (صالح) والاصلاح كان سيضع الحزب في موقف حرج أمام قواعده، التي ظل يهيجها طوال عام 2011 بأن عليها الثورة ضد نظام فاسد، وسقط من أنصاره جرحى وشهداء في تلك الثورة، فكيف سيستطيع بعدها أن يتقارب مع (صالح)؟.. لكنها ومع تزايدها جعلت المتابع لها يترقب أن شيئا كهذا ممكن أن يحصل فعلا، وهو ما أراد الرئيس (هادي) وضعهم فيه أمام الواقع، وقد نجح في ذلك.
بحسب مصادر خاصة؛ فإن علي محسن الأحمر كان في وضع المتأهب لعناق حار مع الرئيس السابق (صالح) في جامع الصالح، أثناء محاولة الرئيس (هادي) تشبيك أيديهم ببعض للمصافحة، إلا أن رفض (صالح) مصافحة خصمه جعلت (الجنرال) في موقف محرج، وأظهر للرأي العام أن دعوات المصالحة بين هؤلاء ما هي إلا دعوات ابتزاز يصعب تنفيذها على أرض الواقع!!
كانت رسالة رفض المصافحة بالغة في توضيح الشرخ الحاصل بين القوى التقليدية في صنعاء.. فـ (صالح) لم يكتف برفض مصافحة علي محسن فقط، بل وصفه أمام الحاضرين بأنه "مجرم حرب، وإرهابي منهزم"!!
الجنوب .. المتفق عليه!
قد يختلف القادة السياسيون في صنعاء إلى درجة عدم الاتفاق، وقد تصل بينهم الخصومة إلى الحد الذي وصلت إليه بين علي صالح، وعلي محسن، أو حميد الأحمر.. وقد يختلف الكتاب بينهم البين، حتى يهجم منير الماوري بأقسى عباراته على عباس المساوى، أو قد يتبادل الاتهامات عبده الجندي مع غراب الـ "بي بي سي"، مهما اختلف صالح مع علي محسن، ومهما تنابز أولاد الاحمر مع صالح بالالقاب؛ فموقفهم من الجنوب والوحدة المزعومة هو.. هو، لا يتغير "فرع عاد إلى أصل"! ويجب إخضاعه إذا ما قرر الفكاك بأية طريقة كانت، بالقوة أو بغيرها!!
الشيء الوحيد الذي قد يجمع عليه الجميع في الشمال، من قادة وسياسيين وعسكريين، هو الجنوب الذي قد يصبح عندهم بحكم المتفق عليه والثابت الذي لا يمكن أن يتغير مهما اختلفت الرؤى والمواقف في الأمور الأخرى.
سيختلف القادة في الشمال على كل شيء، لكنهم سيتفقون على أن الجنوب هو الدجاجة التي تبيض ذهباً، والتي يجب أن تبقى في صيغتها الحالية دون أن تشملها رياح التغيير القادمة من ساحة صنعاء!!
التصالح والتسامح .. صناعة جنوبية
منذ بدء حرب صيف 94 وحتى العقدين اللذين تلياها كان نظام الرئيس السابق (صالح) يحرص على اللعب بورقة مأساة 13 يناير 1986 لإذكاء الفرقة بين الجنوبيين، وتعزيز انقسامهم.. إلى أن فاجأ الجنوبيين قوى نظام صنعاء بإعلان دعوات التصالح والتسامح، ونسيان الماضي البغيض بكافة مآسيه، عبر دعوات التصالح المباركة التي انطلقت من جمعية ردفان في العام 2006!
نجحت دعوات التصالح والتسامح في الجنوب، وتحولت ذكرى المأساة الدموية الى دعوة للحب والسلام، ولم الشمل، في حين فشلت دعوات التصالح في الشمال، على الرغم من أن سبب الخصام أهون بكثير مما مر عليه الجنوبيون، لكنها بيئة التسامح الموجود في عدن والمنعدمة في صنعاء هي التي مكنت هذا الفعل أن ينجح هنا، ويفشل هناك!!
* عن صحيفة "الامناء"