تعود أهالي حضرموت منذ القدم على إقامة أنواع مختلفة من الاحتفالات ذات التجمعات البشرية وذات الطابع الديني والاجتماعي والثقافي والاقتصادي حول أضرحة الأنبياء، وأبرز العلماء المصلحين الاجتماعيين.

 ويطلق على هذه التجمعات اسم (الزيارة)، وهي موسم سنوي تقليدي يقام في عدة مناطق من حضرموت وغيرها التي تشهد وما زالت مجموعة من الفعاليات، وتقام فيها أكثر من (13) زيارة، ولكل من هذه الزيارات أحاديث وحكايات شيقة وممتعة توارثها الأبناء عن آبائهم وأجدادهم، وتعد الترتيبات اللازمة لإنجاح كل زيارة وفعالياتها المختلفة ولعل زيارة قبر النبي هود عليه السلام أهم تلك الزيارات القديمة والشهيرة في حضرموت والعالم  من حيث الترتيب والإعداد والزوار.  

من الأدلة التاريخية على ثوت الزيارة فقد صرّحت الكثير من كتب التاريخ بأن موضع قبر النبي هود عليه السلام بحضرموت وإليك بعضاً منها، وسنذكر نموذجين منها للاستئناس، وللاستزادة في كتاب (نيل المقصود في مشروعية زيارة نبي الله هود عليه السلام) تأليف السيد العلامة سالم بن عبدالله بن عمر الشاطري، أمد الله في عمره.. آمين:

1-(تاريخ دمشق) للحافظ ابن عساكر في ترجمة عبد الرحيم بن محرز (36/138 - 139).

2- (الطبقات الكبرى) للإمام ابن سعد (1/52).

3- (الأزمنة و الأمكنة) للمرزوقي (2/163).

4- (التيجان في ملوك حمير) لأبن هشام (ص 162).

5- (المحبر) لابن حبيب (ص 266).

6- (صفة جزيرة العرب) للهمداني (ص 173).

7- (البدء والتاريخ) للمطهر بن طاهر المقدسي (3/36).

8- (معجم البلدان) لياقوت الحموي (2/270) .

9- (العبر وديوان المبتدأ والخبر) لابن خلدون الحضرمي (4/225 - 226).

10- (تحفة الزمن في تاريخ سادات اليمن) لحسين بن عبد الرحمن الأهدل (2/225).

النموذج الأول:

قال العلامة المؤرخ عبد الرحمن بن خلدون الحضرمي في تاريخه المسمى (العبر وديوان المبتدأ والخبر) (4/225-226): "بلاد حضرموت قال ابن حوقل: هي في شرقي عدن بقري البحر، ومدينتها صغيرة ولها أعمال عريضة وبينها وبين عُمان من الجهة الأخرى رمال كثيرة تُعرف بالأحقاف ، وكانت موطن لعاد و بها قبر هود عليه السلام".

النموذج الثاني:

قال ابن بطوطة في (رحلته) (ص 278): "وقد ذكرتُ أنّ بمسجد دمشق موضعاً مكتوب عليه قبر(هود بن عابر) والأشبه أن يكون قبره بالأحقاف لأنها بلاده".

رابعاً :- الدليل الشرعي بالاستفاضة والتواتر:

لقد نصّ العلماء على أن كثيراً من الأشياء تُثَْبَتُ بالاستفاضة والتواتر- وتؤيد هذا القوانين الوضعية - وموضع قبر نبي الله هود عليه السلام استفاض وتواتر بين الحضارمة وغيرهم، فثبت هذا شرعاً وقانوناً.

هل من التخصيص جعل الزيارة في شعبان؟

     لم يقل أحد بأن من أراد أن يزور فلا ينبغي أن يزور إلا في شهر شعبان، ولو قيل ذلك لكان تخصيصاً، بل أن الزيارة مستمرة في كل وقت وأي وقت، ولكن يكثر الاجتماع والانتفاع في شهر شعبان منذ القدم، ومع ذلك ورد أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يُعين أوقاتاً خاصة للعبادة و الزيارة، منها ما رواه البخاري في صحيحة برقم (1193) ورقم (1194) عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: "كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يأتي مسجد قباء كل سبت ماشياً وراكباً، وكان عبدالله رضي الله عنهما يفعله"، زاد ابن نمير: (فيصلي ركعتين).

 قال الحافظ ابن حجر في (فتح الباري) (3/89) عند شرحه لهذا الحديث: "وفي هذا الحديث على اختلاف طرقه دلالة على جواز تخصيص بعض الأيام ببعض الأعمال الصالحة والمداومة على ذلك".   

دليل وجود قبر نبي الله هود عليه السلام في هذا المكان الذي تقام فيه الزيارة:

قال العلامة أبو محمد عبد الملك بن هشام في كتاب (التيجان في ملوك حمير) (ص 45) ما نصه: "قال وهب: إن الله تبارك وتعالى قبض هوداً ودفن بالأحقاف بموضع منه يُقال له الهنيبق بجوار الحفيف"، قال السيد العلامة عبد الرحمن بن عبيدالله السقاف في (بضائع التابوت) (ج 1/91 مخطوط)، تعليقاً على هذا الكلام ما نصه: "وأقول إن الحفيف هو النهر الذي لا يزال جارياً حتى اليوم بجوار قبر هود عليه السلام، إلا إنه نقص بفرق كبير عما كان عليه من قبل ماءاً وخصباً وعمارة" "وتلك الأيام نداولها بين الناس" (آل عمران 3).

مَنْ أوّلُ مَنْ عُرِفَ بإقامةِ هذِه الزيارة؟

يظنُّ البعض أن أهل البيت بحضرموت هم أول من بدأ بإقامة زيارة النبي هود عليه السلام، وهذا ليس صحيحاً، فقد ثبت في النقول التاريخية أن زيارة الحضارمة لهذا القبر قديمة جداً تعود إلى أكثر من أربعة آلاف سنة، ومن أقدم هذه الزيارات ما ذكره ابن هشام الحميري في (تاريخ التيجان) (ص 162): "أن نبي الله سليمان عليه السلام زاره، وكذلك زاره ذو القرنين". وذكر المرزوقي في كتابه (الأزمنة والأمكنة) (2/163): أن من جملة أسواق العرب المتنقلة سوق يقام ليلة النصف من شعبان تحت ظل الجبل الذي عليه قبر النبي هود عليه السلام بالأحقاف بحضرموت، وبعد الإسلام كان أهل حضرموت ومهرة بما فيهم الإباضية يزورون قبره، وممن يعتاد زيارته من الأسر الحضرمية قبل مجيء السادة آل باعلوي هم: آل أبي حاتم و آل بافضل وآل الخطيب وآل باشراحيل وآل باعباد وغيرهم، ولما انتشرت ذرية المهاجر بحضرموت ورأى الناس علمهم وفضلهم ألقوا إليهم زمام كل منصبٍ ديني وصَدَّروهم فيه ومنها زيارة النبي هود عليه السلام.    

ماذا يُعمل في الزيارة؟

زيارة نبي الله هود عليه السلام ماضياً وحاضراً هي ذكر وتذكير، تلاوة وعبادة، تآخي وتزاور، اعتبار وأذكار، ومرافقة علماء وأبرار، ومناشدة للمولى الغفار، ودعاء لأفراد الأمة في جميع الأقطار، وتزكية للنفوس عن جميع الأكدار، ومناقشة وتدارس ما يوجب للأمة الأمن والرخاء والاستقرار، فهي أشبه بالملتقى الإسلامي، وَمَعْلَمٌ من معالم الدين الذي يشارك فيه أصناف الخلق من جميع بقاع العالم لتأمل أوضاع الأمة وما يصلحها، ومن خالطهم بصدق عرف ذلك وبارك مسعاهم وكفّ عن الإنكار.

ختاما.. تعد زيارة نبي الله هود من أشهر مواسم السياحة الدينية على الإطلاق في اليمن وهي مناسبة بحاجة إلى استغلالها والاستفادة منها كمصدر جذب سياحي ديني مهم من خلال الترويج لها في وسائل الإعلام وفي البرامج السياحية لدى وزارتي السياحة والثقافة اللتين يقع على عاتقهما هذه المهمة بدرجة رئيسة مع السلطة المحلية بالمحافظة، خصوصاً وإن مثل هذه المواسم تشهد إقبالاً من قبل بعض دول شرق آسيا ودول الخليج العربي ودول شرق أفريقيا وغيرها، لذا يجب الاستفادة المثلى من هذه المناسبات في تنمية السياحة في بلادنا.