تعود أهالي حضرموت منذ القدم على إقامة أنواع مختلفة من الاحتفالات ذات التجمعات البشرية وذات الطابع الديني و الاجتماعي والثقافي والاقتصادي حول أضرحة الأنبياء و أبرز العلماء المصلحين الاجتماعيين .

 ويطلق على هذه التجمعات اسم ((الزيارة)) وهي موسم سنوي تقليدي يقام في عدة مناطق من حضرموت وغيرها التي تشهد وما زالت مجموعة من الفعاليات وتقام فيها أكثر من((13)) زيارة ، ولكل من هذه الزيارات أحاديث وحكايات شيقة وممتعة توارثها الأبناء عن آبائهم وأجدادهم ، وتعد الترتيبات اللازمة لإنجاح كل زيارة وفعالياتها المختلفة ولعل زيارة قبر النبي هود عليه السلام أهم تلك الزيارات القديمة والشهيرة في حضرموت والعالم  من حيث الترتيب والإعداد والزوار .

وهي الزيارة التي أقيمت فعالياتها مؤخراً حسب ما هو معتاد سنوياً عن إقامتها في شهر شعبان من كل عام .. وشهدت هذا العام حضوراً بشرياً هائلاً وأول من نوعه شكل تجمعاً بشرياً كبيراً قوامه قارب المائة وخمسون ألف زائر من مختلف أنحاء اليمن والعالم برغم الظروف السياسية التي تمر بها اليمن في هذه الفترة .

ومشهد كبير ومذهل مثل هذا يعد أحد التجمعات الكبيرة التي تلتقي فيها القلوب متوجهة لربها علام الغيوب كما يعد مؤتمر إسلامي عالمي يجمع عشرات العلماء والدعاة وطلاب العلم  ، إضافة إلى ما تحمله هذه الزيارة من تواد اجتماعي ونشاط  اقتصادي وثقافي ودعوي.

وزيارة نبي الله هود زيارة  لها قصتها وطقوسها وحكايتها الشيقة والممتعة والخاصة وترتيباتها المتميزة المتناغمة مع جو إيماني وروحاني راقٍ  .

((الأمناء))  عاشت وقائعها وأحداثها .. وعاشتِ الحدثَ لحظةً بلحظة وخطوةً بخطوة وشهدت سير الحياة في تلك القرية من الشِعْب..ورصدت لكم فعاليات تلك اللحظات الروحانية الرائعة في زيارة قبر النبي هود ... فتابعوا حصيلة ما تم رصده لكم (( الحلقة العاشرة)) في هذا التحقيق في السطور التالية..يستدل البعض على منع شدّ الرحال لزيارة قبور الأنبياء بحديث ((لا تُشَدُّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي هذا)) ولا حُجّةَ له لأمور منها:

أولاً:  أنه قد ثبتَ أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد شدّ الرحل لمسجد رابع هو مسجد قباء ففي صحيح البخاري برقم (1193) باب من أتى مسجد قباء كل سبت ، عن ابن عمر قال : ((كانَ النّبُّيٍ صلى الله عليه وآله وسلم يأتِي مسجِدَ قُباءٍ كلَّ سبتٍ ماشياً و راكباً وكانَ عبْدُاللّهِ رضيَ اللّه عنهُما يفعَلُهُ)) ولذلك قال الحافظ في (الفتح)(3/69)فيه: أن النهي عن شد الرحال لغير المساجد الثلاثة ليس على التحريم .

ثانياً: الاستثناء المذكور في الحديث استثناء مفرغ ولابد من تقدير المستثنى منه ، فينبغي أن يُقدر مستثنى منه يوافق جنس المستثنى (المساجد) المذكور في الحديث ، فيكون نظم الحديث كالآتي: لا تُشَدُّ الرّحال إلى (مسجد)إلا إلى ثلاثة (مساجد) ولا يقال لا تشد الرحال إلى (قبر)إلا إلى ثلاثة (مساجد) .كيفية الزيارة الشرعية: قال الإمام النووي في (المجموع)(5/310) قال أصحابنا رحمهم الله: ويستحبُّ للزائر أن يدنو من قبر المزور بقدر ما كان يدنوا من صاحبه لو كان حياً و زاره.

قال الحافظ أبو موسى الأصفهاني رحمه الله في كتابه (آداب زيارة القبور)الزائر بالخيار إن شاء زار قائماً وإن شاء قعد كما يزور الرجل أخاه في الحياة فربما جلس عنده وربما زاره قائماً أو ماراً ، قال الفقهاء المتبحرون الخراسانيون المستحب في زيارة القبور أن يقف مستدبر القبلة مستقبلاً وجه الميت يسلّم ولا يمسح القبر ولا يقبّله ولا يمسّه .          

هل قبر النبي هود عليه السلام بحضرموت: جزمتْ النصوص من الآيات القرآنية وأقوال المفسرين والأحاديث النبوية والنقول التاريخية والتواتر والاستفاضة المعتبرة شرعاً وقانوناً على أنّ مكان النبي هود عليه السلام ببلاد حضرموت.

الأدلة من القرآن الكريم

قال سبحانه و تعالى((واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه ألا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم)( الأحقاف) قال الإمام ابن جرير الطبري في تفسيره(جامع البيان عن تأويل أي القرآن)(8/507):- ولد عاد بن ارم بن عوص بن سأم بن نوح كانت مساكنهم الشِّحْر ، من أرض اليمن وما والى بلاد حضرموت إلى عُمَان ، كما حدثني محمد بن الحسين قال حدثنا أحمد بن المفضل قال حدثنا أسباط عن السدي :-أن عاداً قوم كانوا باليمن بالأحقاف .

وفي تفسير الإمام البغوي(معالم التنزيل)(7/262) لقوله عز وجل:- (وأذكر أخا عاد) يعني هوداً عليه السلام ،(إذ أنذر قومه بالأحقاف) قال ابن عباس :الأحقاف واد بين عُمان ومهرة وقال مقاتل:- كانت منازل عاد باليمن في حضرموت بموضع يقال له ((مهرة)) .

وقال الشيخ/ أبو إسحاق أحمد بن محمد الثعالبي في كتابه (عرائس المجالس في قصص الأنبياء)(ص 65) الرواية القائلة بدفنه بحضرموت هي الأقرب للصواب .

وفي تفسير العلامة ابن كثير (7/268) عند تفسير قوله تعالى(وأذكر أخا عاد) قال:- وهو هود عليه السلام بعثه الله إلى عاد الأولى وكانوا يسكنون الأحقاف-جمع حقْف وهو: الجبل من الرمل- قاله ابن زيد ، وقال عكرمة:- الأحقاف:الجبل والغار. وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه:- الأحقاف: وادٍ بحضرموت يُدعى بُرْهوت تُلقى فيه أرواح الكفار ، وقال قتادة :- ذُكر لنا أن عاداً كانوا حيّاً باليمن أهل رمل مشرفين على البحر بأرض يقال لها الشَّحْر .

ووجه الاستدلال بالآية أن الله تعالى بعث نبيه هود عليه السلام إلى قومه بالأحقاف و الأحقاف هي حضرموت كما هو معروف، وقد توفاه الله تعالى والراجح عندنا وعند جمهور المؤرخين أن وفاته بها، والقاعدة أن الأصل هو بقاء ما كان على ما كان حتى يعلم خلافه، فنتج لنا أن قبر سيدنا هود عليه السلام هو في حضرموت، وقد دلت الدلائل الكثيرة على تعيين موضع قبره في مكانه المعروف الآن في (شعب هود).

الأدلة من السنة المطهرة

قال الإمام ابن جرير الطبري في تفسيره (جامع البيان عن تأويل آي القرآن)(8/507)حديث رقم(14803):-حدثنا ابن حميد قال: حدثنا سلمة قال: حدثنا ابن إسحاق عن محمد بن عبدالله بن أبي سعيد الخزاعي عن أبي الطفيل عامر بن واثلة قال: سمعت علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول لرجل من حضرموت: هل رأيتَ كثيباً أحمر تخالطه سدرة حمراء ، ذا أرَاك وسِدْر كثير بناحية كذا وكذا من أرض حضرموت ، هل رأيته ؟ قال : نعم يا أمير المؤمنين ! والله إنك لتنعته نعت رجل قد رآه ! قال : لا ولكني قد حُدِّثت عنه . فقال الحضرمي : وما شأنه يا أمير المؤمنين ؟ قال : فيه قبرُ هود صلوات الله عليه .

والحديث رواه أيضاً الإمام البخاري في (تاريخه الكبير)(1/135) برقم (407)والحاكم في (المستدرك على الصحيحين)(2/563) وسكت عنه الذهبي ، ورواه ابن عساكر في (تاريخ دمشق)كما في مختصره لابن منظور (27/157) ، ومحمد بن عبدالله الخزاعي ذكره البخاري في (التاريخ الكبير)(1/135)برقم(407) وابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل)(7/297)وسكتا عنه ، وذكره ابن حبان في (الثقات)(5/376) ، ولم يأتِ بمتن منكر فيقتضى قبول حديثه ، وابن حميد شيخ بن جرير هو محمد بن حميد الرازي حافظ معروف ، وثقه ابن معين وأثنى عليه أحمد وغيره ، والله أعلم .(ينظر تعليقات العيدروس على نيل المقصود)(ص71-72) .  

صحيفة "الامناء"