خطوة غير متوقعة.. تلك التي ظهر فيها الرئيس عبدربه منصور هادي ماداً يده لمصافحة العميد ناصر النوبة، أبرز مؤسسي الحراك الجنوبي، في القصر الجمهوري بصنعاء.. كان مشهد المصافحة أشبه بـ "البيعة" بين رجلين أكثر منه لقاء حميمي بين قياديين بينهما أكثر من رابط يجمعهما سياسيا ومناطقيا وقبليا وما الى ذلك.
غادر العميد ناصر النوبة مدينة عدن متجها الى صنعاء، وهي المدينة التي لم يزرها منذ انطلاقة الحراك الجنوبي عام 2007.. لم تكن المفاجأة في هذا الجانب فقط، ليس اللقاء بحد ذاته هو الحدث، (النوبة) يدلي بتصريح ناري يتحدث فيه عن اليمن شماله وجنوبه، هذه أمور كانت من سابع المستحيلات الى قبل عام.. ما الذي حدث؟ ما الذي تغير؟ وما الذي دفع بالرجل الذي كان لا ينفك عن وصف نظام صنعاء بـ "المحتل" أن يذهب بنفسه الى رأس النظام، ويقابله في قصره الرئاسي؟!
ليس العميد ناصر النوبة فقط، اليوم - وحسب ما تقول المصادر - من المقرر ان يلتقي الرئيس (هادي) بالشخصية الجنوبية المعروفة عبدالعزيز المفلحي في صنعاء.. الامر الذي يضع المراقب في حيرة.. ترى؛ هل سيتمكن الرئيس (هادي) من احتواء قيادات الحراك الجنوبي؟!
خطوة غير متوقعة !
لم يعرف عن العميد (النوبة) أنه من المداهنين للرئيس (هادي) قبل هذا الأسبوع، بل إنه كان أول من دعا لمقاطعة انتخابات 21 فبراير 2012، التي أتت بـ (هادي) إلى السلطة قبل أن يدعو إليها أي من مكونات الحراك الجنوبي، كما كان (النوبة) أول من دعا لمقاطعة مخرجات الحوار اليمني الذي اعتمد تقسيم اليمن الى ستة أقاليم واعتمد تقسيم الجنوب الى اقليمين، لم يعرف النوبة أبدا بأنه صاحب السقف المنخفض بل على العكس، وعلى الرغم من مواقفه المناهضة لعدد من القيادات الجنوبية في الخارج، إلا أن موقفه كان قويا جدا فيما يتعلق بنظام صنعاء.
جاء (النوبة) الى صنعاء فماذا قال؟.. أدلى العميد ناصر النوبة بتصريح صحفي قال فيه: "وصلت الى صنعاء تلبية لدعوة رئيس الجمهورية.. متأكد أن لدى الرئيس (هادي) معالجات لقضية الجنوب علينا الاستماع له ومد أيدينا لمساعدته ضد من يحاول عرقلة جهوده وبما يبشر بالخير على اليمن شماله وجنوبه".
للمرة الأولى هنا يستخدم الرجل عبارة اليمن شماله وجنوبه، وهو الذي ظل لفترة طويلة يطالب بالجنوب العربي وفصل الهوية الجنوبية عن الهوية اليمنية، أما ما بعد اللقاء فقد أدلى الرجل بتصريح قال فيه: إنه اتفق مع الرئيس (هادي) على خطوط عمل عريضة للعمل معا.
كيف غطى الإعلام الحكومي هذا اللقاء؟
عمد الإعلام الحكومي الى عدم التطرق في البداية لحادثة وصول العميد ناصر النوبة الى صنعاء، ربما أريد لهذا اللقاء ان يظهر في شكل مفاجأة ويظهر (النوبة) فجأة في التلفزيون وهو يصافح الرئيس (هادي)، ثمة ما أحبط هذا الأمر بعد أن تسرب نبأ السفر الذي أحيط بسرية شديدة.. تناقلت وسائل الإعلام نبأ سفر (النوبة) الى صنعاء فاضطر (النوبة) للتوضيح بتصريح صحفي أعلن فيه صراحة وقوفه الى جانب الرئيس (هادي).
لدى تغطية وكالة الأنباء الحكومية (سبأ) والتلفزيون الحكومي اليمني للقاء بين الرئيس (هادي) والعميد ناصر النوبة، تم وصف العميد (النوبة) في الخبر بأنه أحد أبرز قيادات الحراك الجنوبي ومؤسسيه، وبأنه رئيس جمعية المتقاعدين العسكريين، التي أسست في 2007، وكانت منطلقا للحراك السلمي الجنوبي.
لم يذكر الاعلام الرسمي أن (النوبة) لم يعد رئيسا لجمعيات المتقاعدين العسكريين، التي اعفته من رئاستها في العام 2008، كما لم يذكر الصفة الجديدة للنوبة وهي "رئيس الهيئة الوطنية العليا لاستقلال الجنوب"، ربما لأن في هذه الصفة شيئا من الحساسية، باعتبار مسمى الهيئة العليا في ذكر كلمة "استقلال الجنوب"، ولذا فضل الاعلام الحكومي تعريف (النوبة) بصفة لم تعد له، وهي رئيس جمعية المتقاعدين العسكريين، التي لم يعد رئيسها.
مما قاله التلفزيون الحكومي أن اللقاء بين الرئيس (هادي) وناصر النوبة ناقش القضايا والموضوعات المتصلة بالقضية الجنوبية، وما استحقته من نقاش في أعمال مؤتمر الحوار الوطني الشامل ومخرجاته وفقا للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة، وفي هذه العبارة كلمات مطاطية لا تحدد موقف النوبة من مخرجات الحوار ورضاه او اعتراضه عليها، رغم أنه كان قد أعلنها صراحة قبل لقائه الرئيس (هادي) برفضه أي خيار لحل القضية الجنوبية غير التحرير والاستقلال.
جاء في خبر الاعلام الحكومي أيضا: "وأشاد الأخ الرئيس بنضالات العميد (النوبة) وما قدمه من خلال الحراك السلمي من اجل القضايا الوطنية، وفي مقدمتها القضية الجنوبية، مؤكدا أنه سيتم العمل على المعالجات الواسعة وان المستقبل سيكون أفضل بكثير".
إلا أن التحول جاء في التصريح الذي بثه التلفزيون الحكومي على لسان العميد ناصر النوبة، حيث نقلت على لسانه الكلام التالي: "سمعت من الأخ الرئيس شرحا حول استمرارية المعالجات والعمل الاستراتيجي، ونحن نؤكد أننا سنبذل قصارى جهدنا من اجل التعاون مع الأخ الرئيس في كل ما يهم القضايا الوطنية، وسنعمل برؤية تخدم التطلعات نحو المستقبل الجديد وما يحمله من آمال عريضة من اجل الحرية والعدالة والمساواة".. فـ (النوبة) اليوم يتحدث عن القضايا الوطنية بشكل عام في الشمال والجنوب بعد أن دخل السجن، وتشرد لسنوات في سبيل قضية استقلال الجنوب عن الشمال.
احتواء الجنوب
يسعى الرئيس (هادي) الى احتواء الجنوب واحتواء قياداته، مستغلا انتماءه الجغرافي الى الجنوب قبل كل شيء، وكونه ابن الجنوب وابن محافظة أبين الجنوبية، التي كان للكثير من أبنائها باع طويل في مسيرة الحراك الجنوبي منذ انطلاقته في العام 2007، وهو الامر الذي لم يتوفر لسلفه علي عبدالله صالح، المنتمي لمنطقة سنحان في شمال الشمال.
حاول بعض ساسة الشمال ممن يسعون لعرقلة جهود الرئيس (هادي) التقليل من مساعيه لاحتواء القضية الجنوبية بالقول: إن (هادي) لا يلتقي الا من فصيل سياسي جنوبي معين، وغمزوا (هادي) بأنه يعيد إنتاج تحالفات 1986 من خلال تركز من يلتقيهم على المنتمين لمحافظته، إلا ان (هادي) كسر هذا الزعم بلقائه المرتقب مع الشيخ عبدالعزيز المفلحي، وقد يلتقي قريبا العطاس وصالح عبيد كما يقال.
خلاصة القول.. يبقى هؤلاء قيادات الجنوب، ولهم رمزيتهم، إلا أن "المارد" قد خرج من قمقمه، وبات من الصعب على أي قيادي، مهما علا اسمه او بلغ رقمه او ثقل وزنه، أن يقرر مصير شعب الجنوب بمفرده، مصير الجنوب يقرره شعب الجنوب، وشعب الجنوب قد قال كلمته.