النور هو رمز الصفاء والحب والتسامح والاستقرار، بل هو معبر عن الانفتاح والتطور والانطلاق إلى فضاء العصر الجديد.. يقال نور الله وجهك دعوة حميدة لتكن بشوشا حيويا، ودائما يرتبط النور بالملاك والطهارة، والنور يضيء طريق المستقبل، فالعلم نور والجهل ظلام، والظلام هو السواد القاتم لا يعشقه سوى اللصوص والعصابات ودعاة الرذيلة، وظلام القلب أخبث من ظلمة الكهرباء!!
فتخيل "عدن" الحبيبة وهي مضاءة، تشعرك بالسعادة والبهجة، وتراها كحبات اللؤلؤ والمرجان التي تعكس الضوء بألوان قوس قزح، يدهشك ترابط خيوط أنوارها معاً؛ مشكلة منظرا بديعا يسر الناظرين، ويسعد الزائرين.
رأينا النور قبل دول الجوار
هذه هي "عدن"، التي عرفت النور والإضاءة عام 1926، قبل أن تصل إلى دول الجوار، وكانت احتفالاتنا الوطنية والشعبية بإضاءة قناديل الفرح والبهجة في كل شوارع "عدن".. أتذكر ذلك اليوم والعائلة العريقة (عائلة أحمد مرشد، رجل الخير في منطقة المعلى)، الذي أضاء جبل شمسان بكشافات ضخمة إبان يوم الاستقلال العظيم في 30 نوفمبر 1967، فرحة وابتهاج برحيل المستعمر الغاشم.
مضاءة بنوره تعالى
"عدن" منذ الاستقلال لا تعرف الظلام، مضاءة بنور الله نهارا، وبنور الكهرباء ليلا، تنطفئ بشكل نادر حين تنقل الأسلحة منتصف الليل في "دكة كباش" لسرية العملية.. واليوم؛ يحز في النفس عندما تراها مظلمة كمدينة أشباح، لا تسمع فيها سوى سيمفونية (المواطير)، التي "تحن" في أذنيك كطاحونة (باعوشة) للدقيق!.. "عدن"؛ هذه المدينة العريقة التي يعتز بها كل من عاش، ونما فيها، كل من درس في مدارسها، وشرب لبن الصباح الذي كان وجبة ملزمة في الطابور الصباحي يقدمه لنا الساعي (السلامي)، ونستلم كراسات وأقلاما وكل أداوت التعليم بالمجان من إدارة المدرسة، كل من فطر من بعد صوم على صوت مدفع رمضان، من أحد قمم سفوح جبل شمسان، وتسحر على طبلة (المسحراتي)، الذي كان يجوب الشوارع - للتذكير بالسحور - كل من شارك في زيارة (الهاشمي) و(العيدروس) و(أبو الوادي) و(الشيخ إسحاق) من الصومال، ولعب بمراجيح هذه الزيارات واستمتع بما يقدمه (الحاوي) من خدع للمشاهدين في خيم هذه الزيارات.. "عدن"؛ التي كانت تضحك وتبتسم، وتقام الاحتفالات في شوارعها، والمسرح الوطني وسينما (بلقيس) و(البينيان) و(الأهلية)!!
.. أهذا هو جزاء "عدن"؟!
كل هذا انتهى وتلاشى في غمضة عين، الضحك صار حراما، والتعليم صار مكلفا، والزيارات جريمة!.. أي أن "عدن" ظلام في ظلام، والكهرباء فيها تعبت وشاخت، هي تلك محطات الكهرباء التي عرفناها في شبابنا، لا جديد! لم تلد المؤسسة شيئا يحل محل القديم؛ لأن الفساد كان لها بالمرصاد، استلموا "عدن" وهي تشع نورا، وأنوار ومصانع وكهرباء ومطار و(اليمدا) والمملاح وشركة التجارة وشركات الاصطياد بأساطيلها، وثقافة وفن ومسارح وسينمات.. آه؛ جعلوها خرابا ودمارا، صاروا أغنياء، شيدوا قصورهم وفنادقهم من "عدن"، عرفوا الجديد والرقي والرخاء بعد أن تركوا حياة البداوة، والجبال نهبوها، وهي حاضنتهم.. دمروها، وهي استقبلتهم.. والله؛ إنهم شياطين!.. ها هي "عدن" تئن، وتتألم، ولم تستطع أن تتحمل خدماتها تنهار وتتدهور، ماذا قدموا لها من جديد، بل إنهم استهلكوها وامتصوا رحيقها، وعصروها عصرا، أرادوا أن يحولوها إلى عجوز شمطاء، جردوها من حللها ومجوهراتها، حتى نقشات أصابعها وأرجلها.. حقد دفين في قلوبهم، بلا رحمة ولا شفقة، يجازون الخير بالشر.. وهذا هو جزاء "عدن" لما قدمت لهم من خير ينكرونه!!
لكن "عدن" أبية وصعبة المنال، وعصية على المتآمرين واللصوص.. "عدن" ستعود "عدن" - بإذن الله - بفضل رجالها الأوفياء، وبفضل القيادة السياسية التي جعلت لـ "عدن" خصوصية كإقليم، لتعود "عدن" مركزا تجاريا، وميناءً حراً، ومركزا تنويريا وثقافيا لكل الوطن بإذن الله.. "عدن" ستستعيد مجدها، وستجدد شبابها، وستطرد اللصوص ومصاصي رحيقها، ومن يستمتعون بخيراتها!!
سيأتي من يضيء "جبل شمسان"
بظلامها وظلمتها؛ سيأتي من يضيء "جبل شمسان"، كما أضاءه (الحاج أحمد مرشد) يوم استقلالها.. سيأتي أبناؤها من كل حدب وصوب؛ لبناء "عدن"، والمساهمة في استعادة روحها القديمة بحلتها الجديدة.. "عدن" هي مصدر خير للوطن والأمة، ومن "عدن" ستضيء الكهرباء الوطن بإذن الله، بعد أن نطرد الفساد والمفسدين، والمتآمرين من باعوها قطعة قطعة، وقسموها أسوارا وعزبا؛ وهم لـ "عدن" معروفون!!
إلى كل يمني غيور، وعدني محب لوطنه: "عدن" تستدعيكم، وتمد إليكم أيديها؛ لتنهضوا بها من مستنقع الفساد والدمار.. والانهيار، هل من مستجيب، دون أن يفكر ماذا سيستفيد من "عدن"؟ بل؛ ماذا سيفيد "عدن"!!