تتسارع الأحداث، ومعها يتأزم الموقف أكثر فأكثر.. ففي العام 1993، وتحديداً أواخر ديسمبر قتل ابن أخت البيض كامل محمد عبدالله الحامد في شقة بحي ريمي بالمنصورة، الذي كان بمعية نائف، وينوف - نجلا البيض - أبناء خاله - ووصفت الحادثة بمحاولة اغتيال فاشلة لهما في ذلك الحين من الطرف الآخر.
ورأى الشيخ أبو لحوم أنها فرصة لـ (صالح) للنزول الى عدن لتقديم العزاء، إلا أنه امتنع بالذهاب.. ونابه الشيخ عبدالله بن حسين. ويروي أبو لحوم أن صالح اتصل به في تلك اللحظة، وقال له: الجماعة - يقصد قيادة الاشتراكي - يحضرون اسلحة ويسحبون بعض الوحدات العسكرية من اماكنها الى اماكن اخرى، ولم يعلق أبو لحوم شيئا.
الحرس الجمهوري يعترض الوساطة
بعد أسبوع من حادثة مقتل الشاب (كامل)، يقول أبو لحوم: نزلت لجنة الوساطة الى عدن ولكن وحدات من الحرس الجمهوري اعترضت طريقها لكي لا تصل الى قيادة الاشتراكي، فتم حينها الاتصال بالرئيس (صالح) الذي امر حينها بعدم الاعتراض.
في هذه الأثناء؛ تداعت الأوضاع مما استدعى من القوى السياسية تشكيل لجنة للحوار من اطراف الائتلاف الحاكم: المؤتمر، الاشتراكي، الإصلاح، تكتل أحزاب المعارضة وعدد من الشخصيات العامة.
الشرطة العسكرية تلاحق (العطاس)
تشكلت لجنة الحوار في 1993/11/22، ورددت ثوابتها في الوحدة والدستور والديمقراطية واعتماد الحوار وسيلة وحيدة لمعالجة الأزمة ونبذ العنف بكل أشكاله.. كما حددت مهامها بوقف تداعيات الأزمة في الجوانب العسكرية والأمنية والإعلانية، وتوجيه الإرادة السياسية لتمكين المؤسسات الدستورية من تنفيذ ما يتفق عليه في الحوار.
في الوقت الذي كانت الجهود تمضي نحو لململة الأمور، وفي اجواء استثنائية صعبة اجهزت الشرطة العسكرية على ما تبقى من عناصر الثقة في اوساط القيادات السياسية للبلاد - بحسب تعبير أبو لحوم - وقصد بذلك أن يقول: "أن ما تعرض له موكب الأخ رئيس الوزراء م. حيدر العطاس ظهر الجمعة 1993/12/17 على مدخل العاصمة صنعاء من استفزاز من قبل بعض اطقم الشرطة العسكرية زاد الطين بله".. وطغى الجانب الأمني والعسكري على أعمال لجنة الحوار التي عقدت سلسلة من الاجتماعات، وقدمت اليها من الاوراق والمقترحات وخلافها.
ومضت التداعيات تسير الى منزلقات اكثر خطورة من تحريك ألوية عسكرية الى خطوط التماس الحدودية بين الشطرين، وتعبئة أمنية في المدن الكبرى.
تحفظات على وثيقة العهد والاتفاق
أنجزت القوى السياسية الصيغة النهائية الخاصة بأسس بناء الدولة اليمنية الحديثة في 1944/1/12، وخلال الاجتماع المنعقد في 1994/1/15 ظهرت بعض التحفظات المبكرة للمؤتمر الشعبي والتجمع اليمني للإصلاح حول شكل النظام السياسي "برلماني أو رئاسي"، ومهام وصلاحيات مجلس الشورى، وشكلت لجنة مصغرة لإعادة صياغة الوثيقة.
وفي اليوم التالي 1994/1/16 يكشف سنان أبو لحوم عن تقديم د. عبدالكريم الإرياني استقالته الى رئيس مجلس الوزراء حيدر العطاس، بواسطة الأستاذ احمد جابر عفيف والعميد مجاهد ابو شوارب، وقدم استقالته تحت مبرر أن رئيس الوزراء أصدر تعليماته للإرياني بوقف التعداد العام للمساكن والسكان، لكن رئيس الوزراء رفض الاستقالة فيما حمل الارياني الحزب الاشتراكي مسؤولية اتخاذ قرار وقف التعداد، وما يترتب عنه.
حالة انفصال غير معلنة
في الوقت الذي كانت تسير الجهود للتوقيع على وثيقة العهد والاتفاق، يتذكر من عاشوا هذه الفترة وتحديدا منذ مطلع العام 1994 أن معظم الدوائر الرسمية والأجهزة الحكومية في عدن ومناطق الجنوب تعمل وفقا والنظام الإداري ما قبل 22 مايو 1990، فيما نشطت كثير من المرافق التي تراخى أداؤها خلال السنوات الثلاث التي تلت الوحدة.
خياران أمام توقيع الوثيقة
كان أمام اللجنة المنبثقة عن الحوار خياران لمكان التوقيع على وثيقة العهد والاتفاق، إما أن يتم التوقيع في عدن او في العاصمة الأردنية (عمان).. وناقشت هوية وعدد المدعوين لحضور مراسيم التوقيع في 1994/1/27. قدم د. الإرياني رسالة إلى الجنة رأى فيها بعد إبلاغ اللجنة العامة لحزبه عدم إمكانية التوقيع في الداخل، واشترط عودة الجميع من عمان الى صنعاء، وأن يؤدي نائب الرئيس اليمين الدستورية امام جلسة استثنائية لمجلس النواب، وحضور جميع الوزراء الى صنعاء قبل عودة المسؤولين من عمان.. في إشارة الى ان جميع الوزراء الجنوبيين كانوا في عدن منذ اندلاع الأزمة.
وبدا واضحاً أن المؤتمر الشعبي العام يرى ان التوقيع على الوثيقة مرهون بالالتئام الفوري للحكومة.
تزوير بيان الاتحاد الأوروبي
أصدر الاتحاد الأوروبي بياناً أعرب فيه عن اهتمام الدول الأعضاء بإيجاد استقرار دائم في اليمن، وعن امله ان يتم التوقيع على الوثيقة سريعا لإيجاد حل سلمي للمشاكل السياسية، إلا ان السفارة الالمانية بصنعاء أرسلت خطابا الى لجنة الحوار متضمنا النص الاصلي للبيان، بعد ان نشرت الوسائل الاعلامية الرسمية وصحيفة "الثورة" خبرا محرفا عن بيان الاتحاد الأوروبي، ورد فيه ما يلي: "وأشادت رئاسة المجموعة الأوروبية باستعداد الأخ علي عبدالله صالح لتوقيع الاتفاقية، والوقت المقترح في العاصمة الاردنية (عمان)، ولكنها اكدت بالمقابل على أهمية إقناع الأخ علي سالم البيض نائب رئيس مجلس الرئاسة بعدم المطالبة بشروط إضافية الى وثيقة الاتفاقية".
وبعد سلسلة من اجتماعات لجنة الحوار تم اختيار عمان بصورة نهائية مكاناً للتوقيع على الوثيقة، وتسمية المشاركين والموقعين عليها والضمانات التنفيذية والدستورية والقانونية.
في الحلقة القادمة (غداً).. المشاكل التي رافقت ما قبل توقيع الاتفاق، ولماذا زار (البيض) القاهرة ودمشق قبل أن يصل عمان؟ نصيحة أبو لحوم لصالح والبيض للسباحة في البحر الميت عند وصولهما عمان، لماذا انفض الاجتماع قبل التوقيع على الوثيقة.. وما سر عصبية صالح والبيض؟!