آخر تحديث :الاثنين 29 ابريل 2024 - الساعة:01:39:20
أحجية ترتيب القطع !
منى تركي

الاثنين 00 ابريل 0000 - الساعة:00:00:00

أنوه بداية إلى أنني لست بالمتخصصة، كاتبة المقالة مجرد جنوبية كانت تتطلع بعد الثورة لشيء من التطور في عقلية الأحزاب الممثلة لمن حارب الجنوب ليبتلعه، ولكن دون جدوى، فذات القوى الشائخة تدفع بالقضية اليوم في اتجاه مزيد من الالتواءات بعيداً عن الحقيقة والعدالة.

في الجزء الأول، جرى الحديث عن رؤيتي الإصلاح والمؤتمر في جذور القضية الجنوبية، من ناحية الإطالة في سرد تفاصيل أحداث غير ذات تأثير مباشر بالواقع المعاش في الجنوب اليوم، ولا بالمطالب الشعبية، مع التأكيد على مبادئ عفا عليها الزمن، لنتحدث اليوم عن تناولهم لحرب 94 وما بعدها، والتي يفترض أنها محور جذري انهار بعده كل شيء.

أما وقد وصلت الرؤيتان إلى الحديث عن حرب 94 ومقدماتها، فقد واصل أصحابها السرد كأطراف من خارج المشهد، تنتقي ما يعجبها لتعترف بوقوعه، ومن ثم تتقاذف المسؤولية عن حدوثه، ابتداء من الاغتيالات، وليس انتهاء بتشريد الشعب الجنوبي، وكأننا أمام أحجية بقطع مبعثرة بين الرؤيتين بمجرد ترتيبها على أساس شراكة الاثنين في الحكم والحرب، يتضح بيسر أن كليهما مسؤول، وبالقدر نفسه، عن كل ما أقروا به فرادة أو مجتمعين.

عابراً –إذن- كان تناول كلا الرؤيتين للحرب، إذ عرجوا عليها، ولكن دون اعتبارها مفصلا تداعى بعده كل شيء، وقللوا من تبعاتها مرة بتصنيفها وباستغباء غير مسبوق دورة أخرى من دورات الصراع على السلطة، وحرباً اضطروا إلى خوضها دفاعا عن الوحدة المقدسة، ومرة أخرى بالخلط الساذج بين الأسباب البديهية لفشل الاندماج ونتائج تلك الحرب، بين التفرد بالسلطة والضم بالقوة، والأعجب من ذلك كان اعتبار "النهب الفوضوي والسلب والاستيلاء والبسط وإفشاء الفساد والتسريح" -كمصطلحات أقروها في رؤاهم- نتيجة طبيعية لعدم معالجة الفروقات بين النظامين الاقتصاديين للدولتين.

ولأن المفترض برؤى تؤسس للحل من خلال طرح الجذور والأسباب لقضية ما، أن تضع تصوراً شفافاً نستشف منه الأحداث والأطراف التي كانت "مسؤولة" عن انفجار تلك القضية، كشرط موضوعي يوصلنا نحو صياغة حلول مناسبة، فإن أطروحتي الطرف الذي شن الحرب ضد الشعب الجنوبي (المؤتمر والإصلاح)، فرتا إلى الماضي القديم، وإذا ما تحدثتا عن الواقع فإنهما تجتزئان وفق أغراض أحزابهما المرحلية، في تفادٍ للتصريح بوضوح. وبروز هذا بشكل قوي ينم عن سوء بالغ في النية، فالنظر إلى القضية من منطلق المصلحة السياسية لتلك الأطراف، وتوظيفها في صراع اليوم على السلطة، دليل آخر على أن العدالة في الحل هي آخر ما يفكرون به، ففي حين يرى المؤتمر بأن القضية نتاج لدورات صراع متعاقبة، ملمحا إلى أنه اليوم ضحية لأحد تلك الصراعات، فإن الإصلاح رمى بكل الذنب على الديكتاتور الذي عانى من استبداده الجميع؛ الأمر الذي يقطع بأنهما لا زالا يفكران بعقلية واحدة مغلقة تهدف إلى تمييع القضية بخلط الواقع، والرحيل عن محورها إلى تفاصيل بعيدة. إذن، فلم الحوار إذا كانت الأطراف التي حكمت ومن قبلها حاربت، ليست مستعدة لأن تتبنى أية مسؤولية؟

في المحصلة، هم متفقون ضمنا، مختلفون في التفريعات، متفقون على أن الأصل هو وحدة اليمن كشرط مسبق للتفكير في العدالة أو في أي حقوق، ومن بعده متفقون على أن لا ذنب للواحد منهم في كل ما جرى، وبأن الغريم السياسي هو المسؤول، وبالتالي فهم متفقون على استمرار ضم الجنوب واستهلاكه في الصراع بينهم كغنيمة للمنتصر.

وعلى ازدحام المغالطات في الأطروحتين، فإن إحداهما كانت أحيانا تفند زعم الأخرى، فالقضية من العدالة والقوة ما يُعجز المضللين، ومن الوضوح ما لا يخفى على بسطاء الوعي، فأين تذهبون؟!


* عن صحيفة الأولى

شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص