آخر تحديث :الاثنين 29 ابريل 2024 - الساعة:01:39:20
مدارس الرعب
هند الارياني

الاثنين 00 ابريل 0000 - الساعة:00:00:00

لن أنسى ما حييت أول يوم لي في المدرسة، كنت ذاهبة أنا وأمي لإحدى المدارس الحكومية القريبة من بيتنا ، وأنا كلي سعادة بأنني أصبحت فتاة كبيرة تذهب للمدرسة مثل بنات خالتي. لكن السعادة هذه لم تستمر طويلاً، فبمجرد أن وصلت أنا وأمي لبوابة المدرسة رأيت عالماً من البكائيات، اطفالاً يُضربون بالعصا لأنهم متأخرون عن موعد المدرسة..ولسوء الحظ كنت أنا أيضا متأخرة في أول يوم لي..
 وأنا واقفة في طابور “الجلد” أنتظر مصيري، أصابني رعب شديد وبدأت بالبكاء..حاولت أمي أن تهدئني..فانتبه المعلم الذي كان ضخم الجثة من جنسية عربية..والتفت يسألني “لماذا تبكين هل ضربتك؟” قلت وأنا مستمرة بالبكاء : “لا”..وفجأة أصابته هيسترية ضحك ثم قال: “بإمكانك الدخول لن أضربك”.
نعم أنا كنت محظوظة رغم أني درست في مدرسة حكومية إلا أنني لم أضرب إلا مرة واحدة من معلمة الإنجليزي وكنت وقتها في الإعدادي وضربتني وهي تقول“من ورا قلبي يا هند”، وكانت أول وآخر مرة أنسى فيها كتابة واجبي الدراسي.
 أنا محظوظة بحكم أنني كنت هادئة جداً بشكل -مبالغ فيه- ولكن غيري لم يكونوا محظوظين، فالأطفال أشقياء بطبعهم، ودائما ما كنت أرى عمليات التعذيب التي تصيبهم.
وعلى الرغم من أنني هادئة جداً-كما وصفت مسبقاً بشكل مبالغ فيه- الا أنني تعرضت لعقاب آخر غير الضرب فمثلاً كنا نرفع أيدينا لساعات طويلة عقاباً على ذنب ارتكبه مجموعة من الطالبات فيعاقب كل من في الصف!وكنت أنا أرفع يدي وأعاقب كل هذه الساعات رغم أنني لم أفعل شيئاً ولم أنطق بحرف..حتى زميلتي التي تجلس بجانبي تكاد لا تسمع صوتي.
لماذا أحكي كل هذا، تذكرت طفولتي عندما حكت لي أم أحد الأطفال تشكو لي من المدرس الذي ضرب ابنها بشكل عنيف لدرجة أن جسمه أصبح مليئاً بالكدمات، كل ما أرادته هذه الأم هو أن أكتب تقريراً صحفياً لعل صوتها يصل بعد أن خذلها المسؤولون.
 هذا الطفل البريء تجربته الأولى في المدرسة سيئة ولكنها أسوأ من تجربتي بكثير، لم أستطع أن امنع دموعي وأنا أستمع لأمه وهي تحكي لي ما حدث لابنها. وكيف أن الكل لم ينصفها لا مدير ولا وكيل، وعندما غضب الأب وضرب المعلم أصبح هو الجاني بعد أن كان ابنه المجني عليه.
هذه القصص تتكرر مراراً ، وبذلك يزيد نفور الأطفال من المدرسة في بلد يعاني من أمية قد تصل لنصف عدد السكان. هذه المدارس التي قد تفتقر لأبسط حقوق الإنسان ، لا كراسي ليجلسوا عليها، ولا مياه في دورات المياه ، وفوق ذلك كله على الأطفال تحمل عنف المدرسين والمدرسات.
لا نريد التعميم ولكن الكثير يمارس العنف ولا أدري ما السبب، هل بسبب قلة مرتباتهم؟هل تعرضوا لعنف مشابه في طفولتهم؟ لا أدري .ولكن ما أعرفه أن هذا الشيء مخالف للإنسانية وأن هناك احتمالاً كبيراً أن يكبر الطفل ويصبح عنيفاً بالمقابل أو معقداً نفسياً.
ما نملكه الآن هو التبليغ عن أي حالة مشابهة تحدث سواء لطفلك أو لطفل آخر، ورسالتي لكل معلم ومعلمة: أطفالنا أمانة في أعناقكم، آه لو تعرفون ماذا تفعل هذه العصا من جروح غائرة في قلوب هؤلاء الملائكة، لتراجعتم ألف مرة قبل أن ترتكبوا مثل هذه الجرائم في حق أطفال اليوم وشباب المستقبل.

شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص