آخر تحديث :الاثنين 29 ابريل 2024 - الساعة:01:39:20
بلد في حضرة الضمائر الرخوة !!
سامي عطا

الاثنين 00 ابريل 0000 - الساعة:00:00:00

هناك من يعتقد بأن الصراع الحاصل في البلد مسؤولية ثورة الشباب الذين نقلوا الصراع المذهبي من صراع كانت حدوده معلومة وهي صعدة وما جاورها إلى صراع داخل الساحات سمحت لطرف بالتمدد, وينسى هؤلاء السبب الرئيس والمباشر للصراع وهو توقيع اتفاقية البيعة؛ بيعة الأرض التي ذهبت فائدتها لصالح بعض اللصوص ورفض البعض الآخر ليس حباً ولا من منطلقات وطنية بل من منطلقات الضغط للحصول على أفضل سعر, فلقد صرح شيخ كبير من الذين رفضوا التوقيع على الاتفاقية في مقابلة صحفية مع صحيفة يمنية بأنه عُرض عليه مبلغ 20 مليون دولار مقابل الموافقة عليها, لكنه رفض, وعندما تم تجاهل هذه الأطراف الرافضة؛ اندلعت الحرب ونقل الصراع عوضاً عن أن يكون صراعاً محتملاً مع الجارة على الحدود باعتبارها عدواً, الأمر الذي يوفر نوعاً من الاستقرار الداخلي الحذر - فكرة العدو المحتمل في علم الاجتماعي السياسي تسهم في التماسك الداخلي لأي مجتمع, ودائماً ما يلجأ استراتيجيو السياسة إلى خلق هذا العدو ولو بالوهم-, أن التوقيع على المعاهدة حولت هذا الصراع إلى صراع داخلي وعليه اندلعت حروب صعدة الستة, وهو صراع مصالح بين لصوص الاتفاقية وآخرين تم استثناؤهم منها أو أنهم في أحسن الأحوال متضررون منها, وجرى إلباس هذا الصراع ثوباً دينياً مذهبياً من أجل إقناع قطيع الموالاة بالأمر.

أكبر كارثة تاريخية وجيوبوليتيكية اتخذها نظام الإفساد على مستقبل البلد هو توقيع اتفاقية الحدود مع المملكة التي بينت كم الإجحاف الذي حاق باليمنيين شمالاً وجنوباً, وخطوة كهذه محمودة في إطار مشروع وتوجه تنموي حقيقي في إطار توجهات عامة إقليمية, بمعنى أن تصل دول إقليم ما إلى تقديم تنازلات في إطار مشروع تنموي كبير, ونبذ سياسة العداء المتبادل, بمعنى سيادة ثقافة سلام تكون هذه الثقافة حاملة لمشروع تنموي إنساني شامل. واتضح أن العرب لم يبارحوا مربعات السياسة التي ألفوها, سياسة الإضعاف تجاه بعضهم بعض, ولا تستمد الدول في المنطقة قوتها إلاّ من هذا التفكير السياسي البليد, قوة الدولة تتأسس على أنقاض الدولة المجاورة, وهذا ما يبرر صراع الحكام العرب وتآمرهم على بعضهم البعض, ومنذُ تأسست الدولة القطرية على صهوة السيد الانقلاب (أبو بكر السقاف) والعرب يمارسون ضد بعضهم بعضاً سياسة الإضعاف المتبادل عبر وسيلة المؤامرة بوصفها الهاجس المرضي الذي يتربع على عرش السياسة العربية, وصارت المؤامرة أداة تحقيق القوة, مع أن المؤامرة بما هي فعل لا أخلاقي لا يمكن أن يكون رافعة لقوة الدولة, القوة تحتاج تراكماً وبناء على كل المستويات قوة أخلاقية مرفوعة على قوة اقتصادها. وفي ظل عدم توفر شروط كهذه مناخات عقلانية وسلمية تدفعك إلى تقديم تنازلات سيادية التنازل عن الأرض مقابل التنمية والاستفادة من مناخات السلام في تحقيق قفزات تنموية كبيرة, حيث تتشجع راساميل عديدة على الاستثمار في مناخات كهذه, وما خسرته أو يظن أنه خسارة بإنهاء كل المشاكل الحدودية مع الجيران, تجنيه من خلال المناخات الجديدة المشجعة للاستثمار وتوفير البيئة الجاذبة للأموال, بيد أن توقيع اتفاقية الحدود مع الجارة لم يهدف إلى تحقيق ذلك, وأتضح أنها كانت عبارة عن اتفاقية بين لصوص ذهبت نتائجها وفوائدها إلى جيوب متنفذين في البلدين ولمصالح خاصة, وخطوة كهذه شريفة في مقاصدها وتفكر بالمستقبل تحتاج عقلاً سويسرياً ولم تكن جمجمة أيٍ من هؤلاء في البلدين يحتويه عقلاً  بهذه المواصفات, وقد علق الدكتور أبو بكر السقاف حينها على الاتفاقية قائلاً: لم يستطع شيخ مشائخ حاشد ورئيسه التفريق بين بيع قطعة أرض في خارف والتنازل عن أرض السيادة, حقاً إن البلد خلال 33عاماً ينطبق على ما قاله المؤرخ الألماني كونراد هايدن عندما شبه سنين تولي هتلر للحكم, بأنه زمن انعدام الذمة الأخلاقية, لقد تسيدت فئة حاكمة افتقرت للذمة الأخلاقية لديها استعدادات على بيع أي شيء ومن دون أن يهتز لها أي شعور لا بالعار ولا تشعر بتأنيب ضمير ما, فئة ضميرها رخو وأمام المال يرقص ضميرها بميوعة. هذا الخطأ الجيوبوليتيكي سبب ارتخاء وميوعة لأهم عامل يحمي تماسك الدولة ألاّ وهو الجيش, ولقد تعرض هذا الجيش خلال هذه الفترة إلى سلسلة من السياسات التي أضعفته, وأفقدته عامل تماسكه وجود تهديد الخارجي, ومثلما تفكك الجيش وتمرَّغ بولاءاته, المجتمع هو أيضاً عانى من هذه الاشكالية, وكما هو معروف أن الخوف من تهديد ما ما عامل يفرض على أفراد المجتمع تماسكهم وتعاضدهم, وهذا الشرط انتفى, ولهذا شهد المجتمع من ساعتئذ تفككاً وتمزقاً مستمراً في نسيجه. لقد ارتكبت النخبة الحاكمة لهذا البلد أخطاءً استراتيجية فادحة فرطت فيه ببعض المستقبل ولا يوجد لديها مانع في التفريط بما تبقى فيه, وذلك نتيجة افتقارها لأي مشروع سياسي يتسم بنبل المقاصد والغايات, ولم تكن مشاريعها إلاّ مشاريع النهب والنهب المنظم لمقدرات البلد, مشروع إفقار البلد وناسه, ونتيجة هذا؛ فإن المجتمع يعاني هذا التمزق. وفي حال استمرت هذه النخبة تتحكم بمصير البلد؛ فإنها ستظل تقدم التنازلات غير المجانية لحسابها الخاص, ولن تكون ممانعة في تقديم ما تبقى من الأراضي للشقيقة طالما هم في حلف مقدس يحصلون على الفتات لحسابهم الخاص.

شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص