آخر تحديث :الاربعاء 20 نوفمبر 2024 - الساعة:01:26:46
في عدن .. موت لا نعرف اسمه !
ماجد الشعيبي

الاربعاء 00 نوفمبر 0000 - الساعة:00:00:00

لم أعد أجيد ترتيب العبارات، ولا أستطيع رصها ليسهل عليكم استيعاب معناها، فنحن نكتب وأنتم تقرؤون، وكأننا نكتب لعالم غير عالمنا.. بدأت أؤمن أنكم لا تستحقون بذل جهد في كتابة الأخبار المعتادة، وغير المألوفة، وأنتم تكتفون بتقبل الواقع كما هو، ولا تسألون أنفسكم: لماذا في عدن موت لا نعرف اسمه، ولا سببه؟!

مقتل مواطن في ظروف غامضة، عملية انتحارية، اغتصاب فتاة عمرها لا يتجاوز عشرة أعوام، ورميها ليلا في أحد الشوارع، اغتيال قيادي في الجيش، مصرع 21 ناشطا في الحراك في مجزرة "ضبعانية"، مقتل طفلة برصاص راجع في سماء عدن.. كل هذه الأخبار تسمعونها يومياً، وتكتفون بتقديم التعازي - إذا كنتم تعرفون أحدا من ذوي الضحية - وتسرعون الى تناسي الموضوع، وكأن شيئا لم يحدث، أمر الموت بالنسبة لكم أصبح مشهداً مألوفا،ً وتسألون عن الجديد إذا سمعتم عن قتل أو انتهاك يحدث.. لقد بعث الموت القبيح إلى مدينتكم الجميلة وأنتم لا تشعرون!!

لا تزالون تحلمون بالمستقبل.. أي مستقبل هذا الذي سيأتي، وأنتم تتساهلون في مقتل العشرات، واغتصاب الفتيات والأطفال، والتغاضي عن العمليات الإرهابية التي تحدث كل يوم أمام أعينكم؟! وربما أحدكم يشاهد أحدهم ذاهباً في الطريق لقتل مجموعة من الناس، ولا يهمه الأمر، الأهم أنه سيذهب بعيدا عن بيته، والحقيقة أن منازلكم جميعاً قريبة من الموت، إذا ما كان يمر يوميا من جوارها وأنتم مدمنون وضع السكوت، وتجيدون عملية المؤاساة والتعازي لذوي الضحايا..

 قتل صديقنا (أدهم)، وهو يحاول إيجاد حل لمشكلة شخص مع قوات شرطة كريتر، ونسي أقرب الناس إلى هذه الحادثة دمه الذي سال في التراب جوار منزلهم، والذي لا تزال آثاره موجودة، وصورته معلقة على مدخل الشارع، مكتوب عليها «شهيد الواجب» أو «قتل ظلماً»، تشاهدونها يومياً.. ومع هذا، القاتل لا يحاسب، ولا نعرف حتى من هو، كيف نتناسى؟! هذا هو الأغرب!!

لا نزال نسترخص الأرواح الطاهرة التي تغتال كل يوم بالصدفة، أو بالخطأ، ونسكت.. يكفي أنك مؤمن بالقضاء والقدر إذا أردت التغاضي عن الأمر كي لا تدخل في معترك آخر قد يأخذ وقتاً طويلاً في المحاكم والقضاء، استسلام مبكر حتى عن دم أقرب الناس إلينا!!

من منكم يتذكر دم الطفل (نزار)، الذي يذكركم دوما بأن الرجولة "ما لهاش" قطع غير، هل ما زلتم تتذكرون دماء الشهيدين (أمان والخطيب)، اللذين قتلتهما القبيلة في صنعاء؟ هل تتذكرون مجزرة الضالع؟ شهداء مصنع الذخيرة بأبين؟ جراح العشرات من الأسر التي هجرت من منازلها في عموم محافظات الجنوب؟.. ما الذي ما زلتم تتذكرونه بالضبط؟!

لا أدعوكم الآن للانتقام من القتلة، الذين أصلا لا نعرف أسماءهم، ولا ندري كيف بعثوا بأشكال مختلفة، ولباس مختلف، مرة ببزة عسكرية، ومرة أخرى ببزة الإرهاب، فالموت واحد، والزي مختلف!!

كيف تتمكن جماعات إرهابية تزرع الموت من إقناع العشرات في الانضمام إليها بحجة نصرة الإسلام، والجهاد في سبيل تحقيق أهدف لا علاقة لها بالإسلام، يذهبون بأولادكم ليرموهم قربانا في حرب صعدة في أقصى الشمال بحثاً عن الجنة!.. يبيعون فلذات أكبادكم بالدولار للحرب في سوريا عبر منابرهم اليومية، ووسائلهم الخبيثة الأخرى التي تسمعونها يومياً.. تخرج من البيت وتخشى كل شيء يمر أمامك، وكأنك في انتظار موت قادم يمتطي دراجة نارية، نخاف وتخافون، مع أن الخوف ليس حلا.. أدعوكم لمواجهة الفكر المتطرف، فتردون اسكت لك أحسن كي لا يصيبك مكروه، هل لا يزال هناك مكروه أحقر مما نحن فيه اليوم؟!

جميعكم تتغنون بمدينة عدن، لكنكم في الحقيقة لا تحبونها، المدينة التي يسكنها الموت ويحاصر شوارعها، ولا يوجد هناك من يواجه هذا الموت، ويبعده عنها، ولذلك؛ أنتم معفيون عن الكلام الجميل اليومي الذي تكتبونه عن الصباح البديع والجمال الساحر في شواطئها الخالية من التجمعات الأسرية، وصور الحياة.. لا أزال شابا،ً نعم، لا أملك سوى اسمي، لا زوجة جميلة، ولا بيتا محترما، ولا سيارة آخر موديل، ولا مرتبا مرتفعا، أملك ثقتي بالمستقبل الذي أراهن عليه منذ وقت طويل، ولكن كيف سأحقق كل هذه الأحلام الغبية، وآلة الموت التي تتعايشون معها تصادر الأحلام، التي لا يوجد من يدافع عنها.. هل أصبح حلما أن نموت بطريقة مهذبة؟!

اليوم وإن كنت أنا القادم إلى الموت، الخطأ أو العمد، أقر بمحض إرادتي المجازفة بنفسي، ومستقبلي لمواجهة الموت المستوطن في هذه البلاد، التي قرأت ذات يوم أنها كانت بلد سلام وحب وتعايش، أني مستعد لأي شيء سيفضح مصدر هذا الموت ويوقفه، الموت الذي يوزع بلا ثمن على كل أحياء هذه المدينة العجوز، كما تبدو اليوم.

هل ما زلتم مصرين على سكوتكم خوفا؟.. إذا كان كذلك، انتظروا الموت بصمت، وحتما سيأتيكم، وإذا كان اليوم الموت يوزع في الشوارع، غدا سيأتيكم إلى المنازل قنصاً، وعوائلكم أيضاً سترث منكم الصمت، والقبول بالأمر الواقع، ولن يحدث خبر مقتلكم أية ضجة.. كنت طيباً أخي المواطن الساكت!!

شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص